رغم كل الكوارث والمشكلات التى خلفتها جائحة كورونا على كافة المستويات الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية، إلا أنه كان هناك رابحون من هذه الأزمة، ولعل من أبرز القطاعات التى انتعشت جراء كورونا "سوق التجارة والمعاملات المالية الإلكترونية" والذى شهد نموًا كبيرًا، سواء على مستوى حجم المبيعات أو عدد المتعاملين في هذا المجال، فيما انتعش هذا المجال بشكل ملحوظ منذ بداية العام الجارى 2020 بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد، نتيجة لتخوف المواطنين من الأماكن العامة والاختلاط، وهو ما اضطرهم للجوء إلى شراء احتياجاتهم عن طريق الإنترنت. يقول الدكتور أحمد مغاورى، رئيس جهاز التمثيل التجاري، إن من أهم النتائج الإيجابية لتأثير جائحة "كورونا" تطور التجارة الإلكترونية بشكل سريع خلال العام الحالى بنسبة نمو من المتوقع أن تصل إلى 20% بنهاية العام الجاري. وأوضح مغاوري، أن النمط الاستهلاكى خلال فترة الجائحة تحول نحو تصاعد الاعتماد على التجارة الإلكترونية وتسجيل الاقتصادات الناشئة أعلى تحول تجاه التجارة الرقمية. وأكد مغاورى على أهمية التجارة الدولية في ظل الأحداث التى شهدها العالم منذ بداية العام الجاري، حيث تعد أحد أهم روافد العلاقات الدولية، بل باتت تشكل أطر النظام العالمى القائم على المبادلات والتكامل بين الشعوب. ولفت إلى أن جائحة كورونا دفعت العديد من الدول إلى انتهاج سياسات حمائية لتقييد وارداتها من الدول الأخرى، فضلًا عن اتخاذ بعض الدول إجراءات تقييد لصادراتها من بعض المنتجات الصيدلانية والسلع الغذائية لمواجهة الجائحة، مما ترتب عليه تراجع حجم التجارة الدولية بمعدلات غير مسبوقة. وأشار إلى أن مصر انتهجت إستراتيجية منذ بداية أزمة جائحة كورونا تهدف إلى تحقيق التوازن المطلوب بين سلامة المواطن الصحية من جهة وأمنه الاقتصادى من جهة أخرى، من خلال عدد من السياسات المالية والنقدية التى اتخذها البنك المركزى لخفض أسعار الفائدة على القروض خاصة للشركات الصغيرة والمتوسطة ودعم القطاع الصحي، إلى جانب إعادة جدولة مستحقات الشركات المتعثرة وتقديم حزمة من البرامج لمساعدة القطاعات والفئات المتضررة من الأزمة. أرقام قياسية بينما قال الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، إن التجارة الإلكترونية حققت مبيعاتها أرقامًا قياسية في الربع الثانى من عام 2020، والذى شهد حدة انتشار فيروس كورونا لترتفع لأكثر من 80% في مصر، وتوقف حركة التجارة بشكل كامل مع فرض الإجراءات الاحترازية وغلق المحال التجارية بالكامل. وأشار السيد إلى أن الشركات مع تزايد الإقبال على الشراء إلكترونيًا طورت من أدائها، وأصبح بإمكان الشخص طلب أى منتج سواء من داخل مصر أو من خارجها بكل سهولة ويسر، ويتم الآن تداول العديد من السلع الجديدة في مجال التجارة الإلكترونية أبرزها "المأكولات والمشروبات والأدوات الرياضية، والألعاب الإلكترونية، ومنتجات البقالة، والملابس، والكمامات"، وأن الإحصائيات الرسمية تؤكد أن المبيعات قفزت لتتراوح بين 50-60%. وحول حجم التجارة الإلكترونية في مصر، أكد، أن حجم المعاملات الإلكترونية في مصر بلغ 2 مليار دولار سنويًا، وتشمل تلك المعاملات بجانب التجارة الإلكترونية خدمات حجوزات تذاكر السفر والفنادق. ومن المتوقع أن يصل حجم التجارة الإلكترونية في مصر إلى 2.7 مليار دولار خلال العام الجارى 2020، وفقًا لتقرير "بيفورت" عن حالة المدفوعات في العالم العربى. وقال السيد، بلغ حجم إيرادات التجارة الإلكترونية عالميا خلال العام الماضى نحو 3.5 تريليون دولار، ومن المتوقع أن ترتفع خلال العام الجارى إلى مستويات لا تقل عن 4 تريليونات دولار. وأوضح، تعد التجارة الإلكترونية "مزاولة للنشاط التجارى عبر أنظمة الكمبيوتر والشبكات من خلال الإنترنت"، ولا تقتصر التجارة الإلكترونية على عمليات البيع، بل تتعدى ذلك لتشمل عمليات الإعلان التجارى، وتبادل البيانات إلكترونيًا، وأنظمة نقط البيع، وتشمل التجارة الإلكترونية ثلاثة أنواع، هى التجارة الإلكترونية بين الشركات، والتجارة الإلكترونية بين الشركات والمستهلكين، بالإضافة إلى التعامل المباشر مع العملاء والزبائن. وأكد "السيد"، أن مصر تمتلك أكبر عدد من مستخدمى الإنترنت على مستوى العالم العربى بواقع 48 مليون مستخدم، وبالتالى فإن نحو نصف السكان يستخدمون الإنترنت بصورة متواصلة، فيما وصل السوق غير الرسمى للتجارة الإلكترونية إلى 90%. وكشف أن إجمالى عدد المواطنين المتعاملين عبر التجارة الإلكترونية بلغ نحو 17 مليون مواطن وأن السوق "المصرية والسعودية والإماراتية"من أكثر 3 أسواق ناشئة في منطقة الشرق الأوسط من حيث حجم التجارة الإلكترونية، موضحًا أنها تمثل نحو 2% من حجم التجارة الإلكترونية في العالم. ورغم كل نقاط القوة والفرص المبشرة بنمو القطاع، لا تزال هناك بعض المعوقات؛ إذ إن أكثر من 56% من السكان ليست لديهم المعرفة الكافية بكيفية استخدام ولا أهمية التجارة الإلكترونية، كما أن عدم الاعتراف القانونى بالعقود الإلكترونية، وقلة عدد وسائل الدفع الآمنة والسهلة على الإنترنت، يعتبر من أهم المعوقات القانونية والمالية. وتشكل الإجراءات التأسيسية لخدمات الشركات الناشئة في القطاع التحدى الأكبر لاستمراره، إذ تستغرق عمليات التسجيل لنوع الخدمة واستخراج التصاريح المختلفة لإطلاق عمليات تداول تحويلات الأموال إلكترونيًّا شهورًا طويلة وهو ما دفع بعض الشركات الناشئة للبدء في دول عربية أخرى في المنطقة كالإمارات العربية المتحدة، وذلك رغم التحسن التدريجى والتسهيلات التى قدمتها الحكومة المصرية مؤخرًا. التسويق الإلكترونى فيما طالب فوزى عبدالجليل، رئيس شعبة الأدوات الصحية بغرفة القاهرة التجارية، التجار بالاهتمام بالتسويق الإلكترونى وعدم إهماله كونه أصبح سوقا ضخما، لأن التجارة الإلكترونية ستكون الأهم خلال الفترة المقبلة، وسيتم لاعتماد عليها بشكل كبير على مدى السنوات المقبلة. وأضاف، لا بديل عن التجارة الإلكترونية في المستقبل خاصة في ظل الأزمات التى يعانى منها العالم حاليا ومنها فيروس كورونا، والذى أثر على حركة التجارة عالميًا، وتم الاعتماد على عمليات البيع والشراء "أون لاين"، وأن أزمة فيروس كورونا المستجد ساهمت بشكل ملحوظ في انتعاش حجم التجارة الإلكترونية، والتى زادت بنسبة بلغت نحو 50% مقارنة بالفترات السابقة. وشدد "عبدالجليل" على أنه في ظل الأزمة الحالية أصبح من الضرورة إنشاء منصات إلكترونية لعرض منتجات الشركات على مدى الساعة لتلبية احتياجات المواطنين في أى وقت، خاصة وأن جميع المنصات والمواقع الإلكترونية شهدت معدلات نمو في حجم نقل البيانات وأعداد المستخدمين عليها بسبب الالتزام بقرارات الحظر والعمل من المنزل لمعظم القطاعات، مع زيادة عمليات التصفح والبحث على جوجل ومواقع التواصل الاجتماعي وتويتر على المستوى العالمى. ملاذ آمن كما أكد مصطفى إبراهيم، عضو شعبة المستوردين وأحد مستوردى قطع غيار السيارات، أن التجارة الإلكترونية تعد الملاذ الآمن للاستثمار خلال الوقت الحالى، خاصة في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد وإجراءات التباعد الاجتماعي. وأضاف، أن عمليات الإغلاق التى شهدتها المتاجر في مصر وفى العالم جعلت الاعتماد على الشراء "أون لاين" أمرًا ضروريًا، مما ساهم في زيادة حجم التجارة الإلكترونية والتى وصلت إلى الضعف نظرًا لزيادة عدد المستخدمين. وشدد "إبراهيم" على أنه يجب على الحكومة أن تضع قواعد أساسية تمكنها من تطبيق الضرائب على التجارة الإلكترونية، وإعلانات الإنترنت وعمليات البيع والشراء من خلالها، وأن هذا السوق غير منظم، وبالتالى يحتاج لإحكام سيطرة الدولة عليه، حيث تتم ملايين التحويلات المالية عبر القارات من خلال شبكة الإنترنت يوميًّا، بغرض شراء المنتجات المختلفة وتفعيل الخدمات، كما قامت معظم العلامات التجارية بإنشاء تطبيقات إلكترونية تقوم بالتوازى بنفس أنشطتها داخل فروعها العادية. وتابع: بينما تراجع حجم التجارة العالمية بشكل لم يحدث منذ الأزمة العالمية سنة 2008، يبقى قطاع التجارة الإلكترونية أحد القطاعات التى لم تتضرر من هذا الوباء، بل إن القطاع كان من أكبر المستفيدين من الأزمة بسبب ظروف الحظر والحجر الصحى وبقية الإجراءات الوقائية في معظم دول العالم، ومنها مصر. ورغم وجود العديد من الشركات العاملة في هذا القطاع داخل مصر، إلا أن معظمها من الشركات الناشئة الجديدة، التى لم يبلغ عمرها خمسة أعوام، لكن العديد من الشركات التجارية العالمية بدأت عملها داخل مصر، وساعدت في تحديد آليات السوق وزيادة الوعى داخل شرائح المجتمع المستهدفة بخصائص هذا النوع من التجارة.