هائمة في مفرداتها، ملتحفة بقاموسها الخاص، تتقلب بين الهزيمة والبؤس والضياع، عبرت الشاعرة والكاتبة فاطمة وهيدي، عن تجربة وجودية جدية، مهرتها ب"ثلوج سوداء"، تعيش أبعادها بمفردها، متدثرة بالانهيار والخيانة والصقيع والشفقة، مؤكدة قتامة الواقع ومفارقات الحياة. عن مجموعتها الجديدة "ثلوج سوداء" والصادرة عن مؤسسة رهف للنشر والتوزيع، يقول الناقد والكاتب المغربي: الدكتور جمال الدين الخضيري: تحْبك الشاعرة والقاصة فاطمة وهيدي محكياتها الخاطفة بعناية في هذه المجموعة القصصية القصيرة جدا، والموسومة ب"ثلوج سوداء" إنها محكيات ذات سرد مُقطّر ومُبَسْتر، لكنها ممتدة امتداد المداليل (Signifiés) الثاوية فيها والدوال (Signifiants) المتنوعة والمختارة بعناية. والحقيقة أنه في ظل انفتاح الأجناس الأدبية على بعضها البعض، والغارات المتلاحقة التي يشنها كل نوع أدبي على الآخر، حتى بات من الصعب تجنيس بعض النصوص الأدبية أو الحسم في ميثاقها الأجناسي بدقة، فإن القصة القصيرة جدا التي مازالت قيد التشكل والبحث عن مقوماتها الخاصة بها تنحو هذا المنحى، ولا تتوانى في الانفتاح على مجموعة من الأشكال التعبيرية سواء القديمة منها أم الحديثة، ولعل هذا ما يدخلها في حواريات متعددة، ويرغمها على اللجوء إلى بلاغات جديدة. ويضيف الخضيرى، لا غرابة أن تقترب نصوص هذه المجموعة من المحكي الشعري (قصيدة النثر) ففاطمة وهيدي جربت خوض غمار نحت الكلمة الشعرية من خلال ديوانين هما "تقاسيم على وتر الشوق" و"نبضات" ، ولم تتخل عن لغتها الشعرية ولا خطابها الشاعري، وذلك بضبط إيقاع كلمات قصصها عبر سلسلة من التوازيات والتكرارات وتتابع الأصوات والمقاطع على نحو خاص. ويؤكد الناقد المغربي، جمال الدين الخضيري أن ما يأسرنا في هذه المجموعة اتكاؤها في أحيان كثيرة على عنصر المفارقة الذي يعد من أهم مقومات القصة القصيرة جدا، والمَبْنِي أساسا على ثنائيات ضدية تناقضية ومواقف تعج بالاتصال حينا والانفصال حينا آخر، وهو ما يربك القارئ ويخلخل أفق انتظاره والانتقال به من النقيض للنقيض، والمعنى عندما يتم إيصاله بهذه الصيغة يكون صادما ومؤثرا مثل هذا النص المكثف المعنون ب "شهيد"، فمن خلال استعمال وتكرار ألفاظ معينة وتغيير سياقاتها يولد لنا معنى كبيرا وأسئلة حارقة: "حملوه على أكتافهم في الصباح ل يهتف، بعد العصر، حملوه على أكتافهم .. وهتفوا !"