مع كل طلعة شمس يوم جديد، يتحول ميدان المجذوب بوسط مدينة أسيوط إلى مركز يلتقي فيه العشرات من عمال اليومية الباحثين عن أي فرصة لكسب أرزاقهم يومًا بيوم، وأصبح مشهد تدافعهم تجاه أي سيارة تقف بالصدفة في الميدان أملاً في إيجاد عمل ينقذهم من شبح البطالة من المشاهد المتكررة يوميًا فتعيد إلى الذاكرة صورًا مرفوضة لزمن العبيد الذي تنتهك فيه حرية وكرامة الإنسان. في أسيوط يعاني آلاف المواطنين من الإهمال والتهميش، بعضهم ينتظر الموت وهم على قيد الحياة.. هؤلاء هم الفئة الأكثر فقرًا الذي يطلقون عليهم مصطلح “,”الأرزقية“,” أو “,”الفواعلية“,” أو العمالة اليومية، أغلبهم اعتاد على الاستيقاظ مبكرًا والتوجه نحو ميدان المجذوب بشكل تلقائي هروبًا من كابوس الفقر بلا أمل ولا مستقبل. زبائن المجذوب عادة ممن لا يتمتعون بتأمين صحي ولا اجتماعي وليس لهم أي ضمانات تحميهم من غدر الأيام وتوفر لهم أبسط الحقوق التي يجب أن يتمتع بها أمثالهم من العمال في كل بقاع الأرض، كأن هؤلاء لا مكان لهم على أجندات المسئولين - مع كثرتهم - منذ عقود. في ميدان المجذوب يختلط عمال المباني مع عمال نقل البضائع والشحن ومن يعملون في الحقول والمحال التجارية بالأجرة وغيرهم كثير دون سقف قانوني أو حماية اجتماعية تحميهم من تقلبات الزمن هم وأسرهم، بالرغم من علم المسئولين أن أسيوط تتربع على الفقر بنسبة تفوق كافة محافظات مصر، ما أدى إلى ازدياد أعداد الفقراء في أسيوط وقراها بصورة مستمرة، على الرغم من وجود أكثر من 1200 جمعية أهلية كل مهمتها محاربة الفقر والبطالة.. لكن على الورق فقط. “,”البوابة نيوز“,” انتقلت إلى ميدان المجذوب الشهير وعايشنا هموم هؤلاء العمال البسطاء لنرصد واقعهم ونسجل تطلعاتهم نحو المستقبل.. أشرف إبراهيم زكريا واحد من زبائن الميدان الدائمين يقول: ليس لدي عمل وأعيش مع أسرتي في قرية بني مر التابعة لمركز الفتح، واضطررت للبحث عن لقمة العيش لكني لم أجد من يساعدني أنا وأبنائي ولا يوجد أمامي عمل إلا أن انتظر هنا أملاً في “,”شغلانة كده ولا كده نطلع منها بقرشين بدل ما نموت من الجوع“,” حسب قوله، بجواره يجلس شخص آخر يدعى فرحات محمود عثمان من ذات القرية وقال أنا لدى 6 أطفال ولا أجد لهم قوت يومهم “,”ومحدش سائل فينا واحنا على الله“,” حسب قوله، وأوضح أنهم لا يعلمون الى من يذهبون لشرح حالتهم الصعبة جدًا، حيث قال “,”ملناش تأمين صحي ولا معاشات ومش عارفين نعمل ايه؟“,” واختتم أنه لن يتذكرنا مسئول دون جميع الفئات. وأكمل الحديث عامل آخر يدعى حمدان عبدالساتر مصطفي والمقيم بقرية القصر التابعة لمركز الفتح، وقال إن لدى عشرة أولاد وأبلغ من العمر 60 عامًا وليس لدى معاش، فاضطررت للنزول للعمل بالأجر لدى الغير حتى لا اضطر للتسول، فنحن نقضي النهار وربما لا يأتي لنا من يطلب استخدامنا في شيء، ونعود الى منازلنا دون الحصول على أي “,”مليم“,” وبالعكس نصرف ما يقارب عشرة جنيهات يوميًا على المواصلات والأكل والشرب والعائد من العمل لدى الغير لا يفي بالمصاريف الشخصية فما بالك بمصاريف الأسرة. أما حسن محمد حسن المقيم بقرية شطب التابعة لمركز أسيوط يقول إنني لم أجد عملاً في قريتي أو في مكان فجئت الى هنا للبحث عن طريقة أخرى للحصول على المال من طريق آخر، ولكن يبدو أن الظروف لن تساعدني، حيث ربما يمر أسبوع كامل دون أن أؤدي أي أعمال لأحد مقابل مبلغ مالي، ما يشعرني بالألم والضيق، وبالرغم من ذلك لم نجد أي شخص حاول السؤال عن حالنا من أي جهة وكأننا مواطنون في دولة أخرى. ومن جانبه أوضح عاطف يوسف أمين عام الغرفة التجارية بأسيوط أن العمالة العشوائية أو غير المؤمن عليها “,”اليومية“,” ينتشرون بكثرة في شوارع أسيوط وميادينها وفي المحال التجارية، وتمثل نسبة 60 بالمائة من العمالة المصنفة كبطالة بأسيوط. وأضاف أن الحل في ذلك أنه يجب النظر في إعادة منظومة التأمين الاجتماعي على العمل وتعديل قانون التأمينات الاجتماعية بتخصيص النسب التأمينية، حيث يضع جميع العمالة تحت مظلة التأمين الاجتماعي، وتسهيل الإجراءات داخل مكاتب التأمينات في خروج أو دخول العمل المؤمن عليهم، وتغليظ العقوبة على صاحب العمل في حاله التهرب من التأمين، حيث ينص القانون الحالي أن الغرامة على ذلك واحد جنيه فقط وهو غير رادع ولا يشجع أصحاب الأعمال على حماية من يعملون لديهم.