كتب: "فاطمة جابر، وسارة نصر، وعابر الجارحي، وعمرو عابد، وإيمان العماري، وأمل أنور، ويسرا علي" شهدت محافظات الصعيد خلال الأيام الأخيرة عدة حوادث قتل بشعة، راح ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم إلا وجودهم في مجتمع ما زالت تحكمه شريعة الغابة وعادات الجاهلية الأولى. الثأر شريعة الغاب ترجع أسباب انتشار ظاهرة الثأر، إلى انتشار الجهل وعدم وصول التعليم الجامعي أو التعليم بصفة عامة لبعض الأسر، إضافة لوجود نوع من المعايرة، التي لا زالت توجد في كل أرجاء بني سويف، وهي تظل ملازمة لمن قتل أحد من أسرته طيلة حياته، حتى يأخذ الثأر. وأصبح الثأر عادة أو ظاهرة اجتماعية خطيرة في مدينة ناصر شمال بني سويف، ويوجد بها أكثر من 5 عائلات تعيش في هذه الدوامة، كما يوجد في مركز ببا 12 عائلة بينها حالات ثأر، لكن في مركز الفشن الأمر أكثر صعوبة، فحالات الثأر منتشرة في معظم قرى المركز، ولا تفرق بين الكبير والصغير. مذابح بشعة بأسيوط: وشهدت محافظة أسيوط عدة حوادث بشعة، كانت آخرها، تلك المذبحة البشرية التي أسفرت عن مصرع أسرة كاملة، تتكون من أب ونجليه وأحد أقاربهم بمركز ديروط بأسيوط، على أيدي مجموعة من عائلة أولاد عمر، قد قامت بالتربص لمجموعة من عائلة الشوافع أثناء عودتهم من الحقل وأمطروهم بالرصاص، ليلقى أب وولديه وقريبهم مصرعهم جميعا، وأصيب الأبن الثالث للمجني عليه الأول، انتقاما لمقتل أحد أفراد عائلة أولاد عمر منذ شهرين. ويرى الباحثون أن الثأر مشكلة اجتماعية من أوسع المشكلات وأخطرها في تدمير المجتمعات، كما أنها من أبرز العوامل الرئيسية في تأخر المجتمعات وتخلفها حضاريًا، ذلك أنها من الرواسب الضاربة في مسارب التاريخ والموغلة في القدم، ولا نبالغ إذا قلنا أنها وجدت مع الإنسان. وتعد الخصومات الثأرية بمحافظة أسيوطبركان دائم في كافّةً مراكز وقرى المحافظة، والذي فقدت أسيوط بسببه الآلاف من شبابه نتيجة الخصومات المتكررة والمتزايد. وقامت "البوابة نيوز" بإجراء إحصائية على كافّةً المراكز والقرى لرصد عدد خصومات ثأرية، التي بلغت 453 خصومة ثأرية، تم تنفيذ 34 مصالحة فقط خلال عام 2013 والمتبقي منها 438. تصدر فيهم مركز ديروط الصدارة، فديروط لا يمر عليه أسبوع واحد دون تكرار حادث خصومة ثأرية، وبلغ عدد الخصومات 81 ويليه مركز ابنوب وبه 56 خصومة ثأرية والقوصية 38 والفتح 38 خصومة أيضا ومنفلوط والساحل على التوازي 36. كما شهد مركز البداري حادثة شنيعة حيث لقي 9 أشخاص مصرعهم وأصيب 6 آخرين بين عائلتين يعدوا أولاد عمومة جراء خصومة ثأرية قديمة، وتأتي ارتفاع نسبة القتل بالخصومات، نتيجة انتشار السلاح الذي أصبح في يدي الجميع صغارا وكبارا نتيجة العرف والتقاليد الموروثة. حتى الأطفال لم يسلموا من الخصومات الثأرية، فقدم طفل لا يتعدى الخامسة من عمره، يدعى محمد أحمد محمد، بتقبل الكفن مع عمه كامل محمد عبد الحفيظ عن والده الذي راح ضحية الأحداث، رمزا عن العفو والتسامح. وقال الطفل محمد: أنا قبلت الكفن عن والدي الذي هو الآن في الجنة وأنا عفوت عمن قتلوه. ترجع وقائع الخصومة إلى عام 2011 عندما نشب خلاف بين طلاب المدارس من أبناء القريتين، تطور إلى اشتباكات وتنابذ بالألفاظ، ما نتج عنه شعور طلاب قرية القصير بالهزيمة، وقاموا بالاستعانة بأهليتهم حاملين الأسلحة الآلية وداهموا منازل قرية فزارة وشوارعها، ما أسفر عنه مقتل ثلاثة، وألقت وقتها قوات الأمن القبض على المتهمين الثلاثة القضية، وتم حبسهم وحمل الطفل الكفن. من جانبه، صرح اللواء حسن سيف، مدير المباحث الجنائية بمديرية أمن أسيوط، أنه تم ضبط 3157 قطعة سلاح و47301 طلقة خلال العام وتصنيفها 13رشاش جرينوف، 781 قطعه الي، 88 مششخن، 341مسدس، 353غير مششخن، 1581محلي، 34ورشة لتصنيع السلاح و47301 طلقة متنوعة. قنا عذاب الثأر: تعيش محافظة قنا منذ قديم الزمان في دوامة لا تنتهي من حوادث الثأر التي لا يعرف لها أسباب مقنعة أو متى ستنتهي. فمحافظة قنا تشهد خصومات ثأرية بشكل شبه يومي، ما يتسبب في وقوع قتلي ومصابين من أبناء العائلات، ما أصاب المواطن بالقلق والخوف من تدهور الأوضاع الأمنية أكثر من ذلك. وأبرز تلك الحوادث الثأرية الخلافات بين عائلتي "السحالوة" والمخالفة بمركز فرشوط، والتي يقع بها ضحايا كل أسبوع من الطرفين وأيضا حادث قيام شخص بمركز دشنا باقتحام منزل الخصم وقتل 4 أشخاص لخلافات ثأرية. وعلي الصعيد الأمني، فمحافظ قنا ومدير أمن قنا يشهدون كل يوم جلسات صلح بين عائلات وقبائل، لكي يتمكنوا من السيطرة على تلك الخصومات، ولكن تلك المحاولات لا تغير من الواقع شيئا، ويرجع ذلك إلى الانتشار المكثف لكميات السلاح والذخيرة الحية بالمحافظة، والتي يتم تهريبها عبر الحدود وبطرق غير مشروعة. ويعبر أهالي قنا عن غضبهم من الانتشار المكثف لتلك الكميات الكبيرة من السلاح، مع استمرار تلك العمليات التي يطلقوا عليها المسلحة، والتي أصابتهم بفزع يومي بسبب إطلاق الرصاص بل وقذائف المدافع الجرينوف. يأتي ذلك وسط رغبات كبيرة ونشطات فعالة يقوم بها قادة القبائل بشكل مستمر لإعادة الأمن والاستقرار في المحافظة، وبالخصوص في المناطق المشتعلة، وأيضا يحاولون مساعدة الأمن في ضبط الشرح المهرب من خلال دعوتهم لأبناء القبائل تسليم كل منهم سلاحه للشرطة أو ترخيصه لحل الأزمة. الثأر ولا العار في بني سويف: رغم أن محافظة بني سويف، هي أقرب محافظات الصعيد إلى العاصمة، غير أن جرائم الثأر تنتشر بها بصورة خطيرة، وتتركز في 3 مراكز هى "ببا – الفشن – ناصر"، ويتصدر مركز الفشن حوادث الثأر، ربما لكونه يقع جنوب المحافظة وعلى مسافة قريبة من المنيا. وتأتي الأسلحة من بعض محافظات الصعيد، وبعد ثورة 25 يناير ظهرت الأسلحة المسروقة من أقسام الشرطة، وخاصة الأسلحة الألية، وبنادق نصف آلي، وطبنجات حكومية، وأيضا هناك أسلحة جاءت عبر الحدود الليبية، خاصة مع انتشار حالة فوضى السلاح في ليبيا. أبشع الجرائم: الثأر لا يعرف الشرف ولا الكرامة، وكانت أبشع حالات الثأر التي مرت ببني سويف، هي قيام شقيقين، بقتل شاب، اختطفاه هو وأمه المسنة، من السوق بمركز ببا ببني سويف والتمثيل بجثته، وحلق شعر أمه بعد ربطها بعامود كهرباء ونزع ثيابها، أمام أهالي القرية أخذًا بالثأر. يذكر أن المجني عليه ويدعى تامر سيد عبد المولى "24 سنة" والمقيم بقرية "البرانقة" مركز ببا، قام بقتل حلمي عز الدين أحمد "27 سنة" بسبب نزاع بينهما بسوق المواشي، فتربص بالمجني عليه كل من حمادة عزالدين علي "22 سنة"، وخميس عزالدين علي 24 سنة، شقيقا القتيل، والمقيمان بقرية منشأة كساب بمركز إهناسيا، حتى عثرا عليه مع والدته بسوق القرية فقاما بخطفهما تحت تهديد السلاح. وعند مدخل القرية أنزلاهما، وتم ربطهما بعامود كهرباء وأطلقا على المجني عليه عدة طلقات نارية في أنحاء متفرقة بالجسد أمام أمه المربوطة معه حتى لقي مصرعه، ثم قاما بحلق شعر أمه، ونزعا عنها ثيابها بالكامل ووضعاها بسيارة ربع نقل عارية، وتنقلا بها بين حواري القرية، وبعض القرى المجاورة وهم يطلقون الأعيرة النارية ثم ألقيا بها على الطريق السريع وفرا هاربين. وفى بني سويف، كانت أغرب حالة ثأر، باستعمال سيارة تمر فوق جسد القتيل عدة مرات حتى تمزق جسده، وكان من أشهر تلك الحوادث ببني سويف، هى مصرع مواطن ونجله دهسًا بسيارة، حيث لقي سيد رجب 55 سنة، ونجله سعودى 35 سنة فلاح، مقيمان بقرية طوه التابعة بمركز ببا مصرعهما، حيث قام جمال سعد 45 سنة مقاول بدهس المجني عليهما بسيارته، للأخذ بالثأر لشقيقه (عبدالعليم) الذي لقي مصرعه في مشاجرة، وكانت عملية الدهس مفزعة، لتكرارها، وجعلها الجثتين عبارة عن أشلاء. وأما عن أشهر حالات الثأر وأقدمها في بني سويف، فهي حالة أخذ بالثأر بعد 30 عامًا، بقرية تل كفر منصور بمركز ببا جنوب بني سويف، بسبب الخلاف على حائط مبنٍ بالطوب اللبن، بين الجيران، وبطلها شاب عمره " 35 عامًا"، يدعى سلطان كمال عرفه سرور، الذي قتل والده أمام عينيه وكان عمره، 5 سنوات، وظل مشهد سقوط والده غارقا في دمائه، على يد شاب وكان والده رجل مسن، ولكن الأم ظلت تلبس السواد، وأرضعت ابنها منطق الثأر، وظلت تبكي أمامه طوال 30 عامًا حزنًا على فراق زوجها، حتى كبر الابن، وكانت معايرة البعض له هي الدافع للأخذ بالثأر، وقام بشراء بندقية آلية، وتدرب عليها، واستعد لقاتل أبيه وحمل خزنتين أخرتين، معه وتوجه في الظلام الدامس إلى منزل قاتل والده وتسلل في ظلام الليل، واختبأ في حقل الذرة الموجود أمام المنزل، وعندما رأى غريمه وضع يده على بندقيته وأطلق وابلا من الرصاص عليه، فأسقطه قتيلًا، وعاد سلطان إلى منزله وأطلقت والدته زغرودة، فرحا بما اعتبرته يوم الكرامة، وانهالت الاتصالات على سلطان تهنئه برد كرامة العائلة وتعتبره عريسًا اليوم، وفي الصباح لبست زوجة أحمد هلاوي الأسود حزنًا على رحيل زوجها المدرس، والذي قضى عقوبة الحبس5 سنوات لقيامه بقتل والد سلطان، وخرج عقب تنفيذ الحكم منذ25 عاما، ورغم ذلك لم يشفع له السجن ولا العقوبة. حتى في أخلص الأوقات قربًا إلى الله تظهر عملية الثأر دون أن تراعي حرمة الشهور، ولا كرامة الأيام فقد قام المدعو هاشم شعبان عبد الجواد الحاجري، بقتل عادل محمد على المزغوني (35 سنة) ببندر ناصر بمحافظة بني سويف، عند إطلاق مدفع الإفطار، انتقاما لمقتل نجله عبد الجواد هاشم شعبان. انفلات الثأر بعد 25 يناير بالأقصر: رغم أن ثورة 25 يناير المجيدة، جاءت لتقضي على سنوات من الفساد الذي استشرى في كل مؤسسات الدولة تقريبا، ولكنها في نفس الوقت زادت من انتشار عادات ذميمة انتشرت في مختلف أنحاء مصر، وبخاصة في محافظات الصعيد وهي عادة "الثأر". فعادة الثأر في الصعيد هي عادة متوارثة منذ قديم الأزل، نظرا لطبيعة سكان الصعيد الذين يتمسكون بالعادات والتقاليد، وما ذكى من ذلك أيضا هو حالة الانفلات الأمني وأحداث السطو على السجون وتهريب الأسلحة، ما زاد من حالات الثأر وغيرها من العادات السيئة التي انتشرت في المجتمع المصري انتشار النار في الهشيم، ما دفع البعض للقول إننا بحاجة إلى ثورة أخرى لتغيير وتصحيح تلك العادات التي غزت معظم محافظات مصر. ولم تسلم محافظة الأقصر، تلك المحافظة السياحية، والتي انفتحت على العالم الخارجي بفضل موقعها السياحي من تلك العادة، فلا يمر عام إلا ويظهر حادث أو أكثر ذو خلفية ثأرية، يحصد من خلالها أرواح العديد من الأبرياء، رغم ارتفاع مستوى التعليم والتحضر بالمحافظة وانتشار كافّةً وسائل الاتصال الخدمية والإنترنت، غير أن الثأر ما زال يجرى في دماء أبناءها وتزهق من أجله أرواح الأبرياء بين الحين والآخر، فيما يدل على أن تلك العادة هي إحدى ملامح النفوذ والهيمنة في كافّةً أنحاء صعيد مصر. حيث تعددت، جرائم الثأر في الأقصر خلال الثلاثة أعوام الماضية بالمحافظة وزادت معدلاتها بسبب الانفلات الأمني، الذي صاحب تفجر ثورة يناير المجيدة، وهروب عشرات السجناء من السجون، فيما جاء انتشار تجارة السلاح علنا ببعض القرى النائية لمحافظة الأقصر بسبب الانفلات الأمني، إلى انتشار عادة الثأر بصورة ملحوظة وسببا رئيسيا في تغذيتها، وقد تنوعت أسباب الثأر بين النزاع على الأراضي، أو جرائم الانتقام والخلافات القبلية وغيرها، ومن أشهر العائلات التي طالبت بالثأر "الطراخنة" و" الحمادنة " في قرية الرياينة غرب الأقصر، و"الهلايل "و"الهشوشة " بقرية الكرنك و" العادلي " و" أبو حميد " في الزينية قبلي، كما شهد نجع البركة في قرية الرياينة سبع حالات قتل وثأر سابقة خلال السنوات الماضية، وكذلك أزمة الثأر بين عائلتي "القرينات " و"المحاريق" في قرية الزينية وبين عائلتي العويضات والعرانيط في قرية العشي. ففي العام الماضي شهدت المحافظة عدة جرائم لها علاقة بالثأر منها مقتل مزارع بقرية الضبعية غرب الأقصر داخل موقف سيارات أرمنت جنوب مدينة الأقصر، على خلفية جريمة ثأرية تعود إلى 37 عامًا مضت بين عائلتي فراج وآل عمران بنجع الدروع بالقرية بعد اتهامهم والد المجني عليه بقتل والد الجناة قبل 37 سنة، حيث لم ينس شقيق الأخير ونجله ومعهما سيدة واقعة القتل القديمة، وانتظروا طوال هذه المدة، فتربصوا بالمجني عليه داخل موقف السيارات فقام الأول بضربه على رأسه بالشومة، ما أدى إلى سقوطه على الأرض ليقوم الابن بإطلاق الرصاص عليه من فرد خرطوش، وقامت السيدة بتحطيم رأسه بالساطور ثم فروا هاربين في جريمة هي الأبشع على الإطلاق. وفي مركز القرنة، وتحديدًا قرية الضبعية شهد الآلاف من أهالي القرية، العام المنصرم، تشييع جثمان ضحية معركة قبلية بين أبناء العمومة من عائلتي "حسن" و"الدراويش"، بقبيلة الغابات بالقرية، في خلاف على مدخل طريق زراعي، والتي راح ضحيتها أربعة أشخاص، ما بين قتيل وجريح، ورفضت، عائلة حسن التي ينتمي لها القتيل قبول العزاء، وقام رجال العائلة بطرد النساء وعدم قبول العزاء حتى من النساء للنساء-في إشارة إلى تمسكهم بأخذ الثأر-فيما فر أفراد عائلة "الدراويش"-التي ينتمي لها الجناة- من القرية إلى جهة غير معلومة. من جانبه، أكد الرائد عمرو الشرقاوي، المتحدث الإعلامي لمديرية أمن الأقصر، أن المديرية تبذل قصارى جهدها للصلح بين العائلات المتناحرة في كافّةً أنحاء المحافظة، خاصة في ظل انتشار تلك العادة بالقرى النائية، مشيرا إلى أن هناك أكثر من 25 حالة ثأر وقعت بعد ثورة 25 يناير. وأضاف " الشرقاوي" أن عملية إتمام عملية الصلح تتم من خلال تكثيف الإجراءات الأمنية لحماية سرادق الصلح من الأربع اتجاهات وأيضا حماية الطريق الذي يمر فيه حامل الكفن "القودة "، وتأمين كافّةً الموجودين بالسرادق حتى انتهاء مراسم الصلح الذي غالبا ما يحضره قيادات المحافظة بدءا من المحافظ مدير الأمن وانتهاء بمشايخ وعمد القرية محل الصلح. فيما قال العميد عمر الخطاب رئيس فرع البحث الجنائي بإسنا وأرمنت: إن مدينتي إسنا وأرمنت وحدهما شهدا أكثر من 15 حالة ثأر في فترة ما بعد 25 يناير، مشيرا إلى أن الأجهزة الأمنية تقوم بعمل تحريات بعد مقتل أحد أفراد عائلتين ما، وبعد التأكد من أن هناك بوادر بين العائلتين للصلح نقوم بإرسال بعض كبائر ومشايخ القرية، ومن الأشخاص المشهود لهم بالسيرة الحسنة ليقوم بعقد جلسات عرفية بين العائلتين وبعد التأكد من موافقة العائلتين على عقد مراسم صلح يتم عمل محاضر عرفية في هذه الجلسات، للتأكد من صدق نواياهم ويتم إتمام تلك المراسم من خلال إقامة سرادق كبير بحضور مشاهير وقيادات المحافظة والحكماء من رجال القرية وممثلي المباحث والأمن. فيما قال الشيخ محمد صالح، مدير الدعوة بمديرية بأوقاف الأقصر: إن الثّأر هو الطّلب بالدّم، وفي الحديث الشّريف: «إنّ من اعتى النّاس على اللّه يوم القيامة ثلاثة: رجل قتل غير قاتله، ورجل قتل في الحرم، ورجل أخذ بذحول الجاهليّة»، مشيرا إلى أنه عادة ذميمة من عادات عصر الجاهلية حيث لم يكن يوجد ضوابط ولا قوانين لذلك كانوا يأخذون بالثأر، أما القصاص فيقتصر فيه على الجاني فلا يؤخذ غيره بجريرته، في حين أن الثّأر لا يبالي وليّ الدّم في الانتقام من الجاني أو أسرته أو قبيلته، وبذلك يتعرّض الأبرياء للقتل دون ذنب جنوه. وأضاف " صالح " أن الإسلام نهى عن الأخذ بالثأر، خاصة أنه في الصعيد لا يتم الثأر من القاتل ولكن يتم قتل أفضل شخص في العائلة، متناسين قول الله تعالى [وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى] فكيف يتم قتل ما ليس له ذنب، مختتما أن القصاص يردع القاتل عن القتل لأنه إذا علم أنه يقتص منه كفّ عن القتل بينما الثّأر يؤدّي إلى الفتن والعداوات، مستشهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القدوة الحسنة أنه ما انتقم لنفسه قط. وأكد الشيخ تقادم، عضو لجنة المصالحات بمدينة إسنا، أن جريمة الثأر هي استشرت بطريقة غريبة في المجتمع الأقصري بين عدد من العائلات، كما أن المطالبة بالثأر لها ضوابط فالأبناء أحق بدم أبيهم، يليهم الإخوة الأشقاء ثم الإخوة غير الأشقاء، ومن يقوم بالثأر يقوم باستهداف أكبر رأس في العائلة المطلوبة، مشيرا إلى أن مراسم الصلح يتم بين العائلين تتم بعد عقد عدة جلسات عرفية كثيرة تجمع بين لجنة المصالحات وبين مشايخ البلد وكبائر العائلات ووفد من العائلتين المراد الصلح بينهم، للاتفاق على التصالح فيما بينهما. وأضاف الشيخ " تقادم " أن الاتفاق يتم إما بدفع "ديه القتيل" وهذا الحل ترفضه معظم عائلات المحافظة التي يكون من بينها القتيل من منطلق أنهم لا يقبلون العوض في قتلاهم، والحل الآخر يكون بتقديم عائلة القاتل ما يسمى ب " القودة" وهي أن يقوم القاتل بحمل كفنه لمسافة 150 متر، حافي القدمين، وملابسه بيضاء، وعلى جانبيه أفراد لجنة الصلح ويدخل السرادق الذي يوجود به عائلات القرية وعدد من الأجهزة التنفيذية والمسئولين، حتى يصل إلى صاحب الدم ويقول له " أقدم كفني لك " يرد عليه صاحب الدم " عفوت عنك " وتتم المصافحة بينهم على إنهاء الخصومة بين العائلتين بقسم اليمين على التسامح والتآلف وعدم العودة مرة أخرى لمثل هذا العمل الذي يفرق ولا يجمع وسط تكبيرات من الحاضرين وتعانق العائلتين لتنتهي بذلك الخصومة. وما بين جرائم القتل البشعة التي تغرس الشر والانتقام في نفوس عناصرها من جانٍ ومجني عليه وانتهاءها بمراسم صلح يحضرها " كبارات " المحافظة فتبقى عادة الثأر مشكلة مجتمع بأكمله تستمر على مدار الأعوام المتعاقبة دون وازع من قانون أو دين ودون النظر إلى أي اتهامات بالتخلف حيث يظل للكبرياء والكرامة الكلمة العليا في تلك القضايا. إنهاء الخصومات بسوهاج: محافظة سوهاج هي المحافظة الأولي على مستوي الصعيد في إنهاء الخصومات الثأرية وإجراء احتفالات تصالح بذلك، وحتي الآن يوجد فقط عدد 50 خصومة ثأرية على مستوي الجمهورية وتم إنهاء عدد222 خصومة ثأرية بجهود أمنية واجتماعية، كما كانت تحرص القيادات التنفيذية للمحافظة للحضور وأيضا القيادات الأمنية وكان ذلك يلقي ترحيبًا من المواطنين وأصحاب الخصومة الثأرية. وقد شهدت محافظة سوهاج الكثير من المذابح الثأرية وكان آخرها مذبحة قرية شبل حيث لقي عدد5 أشخاص مصرعهم من عائلة "العبيد" وذلك لوجود خصومة ثأرية مع عائلة "عبدالله "في قرية الشيخ شبل بمركز المراغة، وكانت قد بدأت الخصومة بسبب مقتل شخص من عائلة "عبدالله" واتهام شخص من عائلة العبيد في مقتله، مما دفعهم إلى أخذ الثأر مضاعفًا 4 مرات. كما تم تهجير أكثر من 20 أسرة في محافظة سوهاج في الفترة الماضية بسبب الخصومات الثأرية حيث بعد قتل شخص يخاف قاتله من أسرته من أخذ الثأر فيلجأ إلى الهرب هو وأسرته إلى مكان مجهول لأن بقاء أسرته أيضا يعرضهم للخطر أيضا لأن الثأر يؤخذ من اي طرف من ذات العائلة. أقل معدل لجريمة الثأر بأسوان: تعد محافظة أسوان من أكثر المحافظات هدوء واستقرار من الناحية الاجتماعية والأمنية، نظرًا لطبيعتها القبلية التي تفرض على أهلها نبذ العنف والصراعات حرصًا على العلاقات الطيبة بين أهلها. وتعد أسوان من المحافظات التي تقل بها نسبة الجريمة، وذلك على حسب إحصائيات وزارة الداخلية ومديرية أمن أسوان، والدليل على ذلك أن أي مشاجرات بين الأفراد أو العائلات ويسقط فيها ضحايا أو مصرع شخص ما، لا تلجأ أسرة القتيل مباشرة إلى الآخذ بالثأر بل تتدخل جميع القيادات الشعبية والطبيعية والتنفيذية داخل المحافظة، والمحافظات المجاورة للصلح بينهم، ويتم تحديد موعد لعقد جلسة صلح يشهدها الآلاف من المواطنين والذي يتجاوز في بعضها إلى 5 آلاف شخص. تهدف جلسات الصلح إلى حقن الدماء ولا يتم التفكير إطلاقا في الآخذ بالثأر بعدها، وفي الكثير منها يقدم أحد أفراد أسرة القاتل الكفن نيابة عن الجاني الفعلي الذي يكون داخل السجن لتأدية العقوبة الموقعة عليه بعد ارتكابه لجريمة القتل. ومن أشهر من يمثلون لجان صلح بالمحافظة الشيخ السيد الإدريسي الشريف، والشيخ كمال تقادم، والشيخ عبدالسلام مصطفي. انتهت بعض الخصومات بين العائلات في أسوان بالصلح، ومنها إنهاء خصومة ثأرية استمرت قرابة 6 سنوات، ومساعي الصلح لا تكون لإنهاء خصومات ثأرية بين مسلمين فقط، مثل الخصومة التي انتهت في ديسمبر 2010 بقرية الرغامة بكوم امبو بين عائلتين قبطيتين بحضور اللواء مصطفى السيد محافظ أسوان ومدير الأمن والأنبا هدرا مطران أسوان، والتي ترجع إلى عام 2008، الذي تدخل وأنهى هذه الخصومة هم المسلمون. وآخر خصومة ثأرية بالمحافظة تم الانتهاء منها بين عائلتي عبد الباسط السلواوي والحضري بالسمطا، والتي ترجع أحداثها إلى عام تقريبًا بسبب نشوب مشاجرة وخلاف حول ري قطعة أرض زراعية كانت تابعة لعائلة عبدالباسط وهو الذي تم على أثره سقوط مصطفى عبدالباسط محمد 23 سنة قتيلًا وسط المشاجرة والذي تم اتهام محمد عبدالعزيز الحضري 42 سنة بقتله، ثم فر هاربًا حتى الآن، ونجحت جهود لجنة المصالحة في تقريب وجهات النظر بين العائلتين وصولًا إلى المصالحة النهائية بأن يتقدم أحد أفراد عائلة الحضري بكفنه إلى عائلة عبد الباسط سبب النزاع ليسدل الستار على هذه الخصومة الثأرية. وهناك خصومة بين عائلتين ترجع إلى الشهور القليلة الماضية بسبب حدوث مشاجرة أسرية بين خميس جعفر وهو ضابط بالقوات المسلحة وزوجته من عائلة الجراب وهم في الأصل أبناء عمومة ونتج عنه سقوط خميس جعفر، لينقل بعد ذلك إلى المستشفى وقبل دخوله توفى، ما أدى إلى شك عائلة جعفر في سبب الوفاة بسبب تدخل أخو زوجة المتوفى معروف محمد الجراب، وأخواه حسن وحسين في الخلاف الذي جرى بين الزوجين وعلى أثره تم القبض على معروف محمد جراب بناء على البلاغ المقدم من عائلة جعفر وتم الإفراج عليه بناء على التقرير الطب الشرعى الذي أثبت أن سبب الوفاة هو بالسكتة القلبية، وعندها تمت مساعي الصلح بين العائلتين، وانتهت بالصلح بينهم بالتعاون مع الجهات الأمنية والقيادات الطبيعية بقرية المنصورية والذي أنهي معه الخصومة الثأرية بين العائلتين. ومن أشهر وأقدم الخصومات الثأرية بين عائلتين بقرية كلح الجبل بأدفو استمرت نحو 40 عامًا وهما عائلتي البلوص والباقوري من أبناء قبيلة حرب بكلح الجبل وقائع الخصومة الثأرية تعود إلى عام 1973 سنة أثناء قيام كل من سيد رضوان عبد العال وسيد أحمد حسن بمزاولة لعبة التحطيب بالعصا، ما أدى إلى إصابة الثاني ومصرعه، تم إلقاء القبض على الجاني وبرأته المحكمة، وبدأت مساعي حثيثة للصلح منذ ذلك الحين والتي انتهت بتحقيق التصالح بين العائلتين الذي استغرق 9 أشهر لتقريب وجهات النظر وإنهاء الخصومة بينهم. وهناك واقعة الخصومة الثأرية بين عائلتي الطبل والزويني التي ترجع إلى عام 2004، بسبب حدوث خلافات تجارية ومالية بين الصدقين إيهاب عبد الحافظ حسن 40 سنة من عائلة الزويني، وأحمد إبراهيم الليثي 42 سنة سنة من عائلة الطبل، قام على أثرها إيهاب بطعن أحمد بسكين فسقط قتيلًا، وتم صدور حكم قضائى بالحبس لمدة 5 سنوات لإيهاب عبد الحافظ، وخوفًا من تجدد الصراع بين العائلتين سعت القيادات الأمنية بالتعاون والتنسيق مع لجنة الصلح والقيادات الشعبية للصلح بين العائلتين وإنهاء الخصومة الثأرية. ومن ناحيته، أكد محافظ أسوان مصطفى يسرى، أن هناك أهمية لإنهاء الخصومات بين العائلات ونبذ الخلافات وردم بؤر الدم تطبيقًا للمعاني السمحة للدين الإسلامي لإرساء دعائم الاستقرار والسلام والأمان لتحقيق أمال وطموحات جميع فئات المجتمع والوصول إلى التنمية الشاملة في المجالات الحياتية. كما قال وكيل مديرية الأوقاف بأسوان الشيخ محمد عبد العزيز أن أهل أسوان أهل خير ولا يهتمون بالعادات السيئة، ومنها عادة الأخذ الثأر لأنهم يفضلون حقن الدماء، وذلك في سبيل تأمين الحياة، ونشر التسامح والصفح مصداقًا لقول الله تعالي " فمن عفا وأصلح فأجره على الله "، والدليل على ذلك أنه تم في نهاية العام الماضي بعد نجاح مساعي الخير بأسوان إنهاء أثنين من الخصومات الثأرية دفعة واحدة بين ثلاث هي عائلات الجوابر وآل كرار وآل عطا بمدينة البصيلية. الكفن يوقف نزيف الدم رغم كثرة الدماء التي تنزف بسبب الثأر، إلا أن تدخل رجال الدين، وكبار العائلات في بعض الأحيان يوقف عمليات الثأر، ويظهر دور رجال الدين، ويعتمد الجميع على الكفن، في وقف مسلسل الدماء الثأرية، ففي كثير من الأحيان يأتي تقديم الكفن، كنوع من الحلول لآنها الحالات الثأرية، ومن أشهر حالات الثأر التي تم إنهاءها عن طريق تقديم الكفن، وهى حالة خصومة بين عائلتين امتدت لأكثر من 25 عامًا، فهى خصومة ثأرية منذ عام1986 بين عائلة السيد وعائلة البروات بسبب خلافات المصاهرة، وكانت العائلة الثانية قد قامت بقتل3 أشقاء من العائلة الأولى وقتها وهم: عبد العال وشعبان وعلى حافظ السيد، وتم القبض آنذاك على عبد الله عبد الوهاب من عائلة البروات وحكم عليه بالإعدام شنقا، ثم قام حافظ وعلى عبد العال من عائلة البروات بقتل أمين شرطة ويدعى شعبان عبد الوهاب شقيق المحكوم عليه بالإعدام أخذا بثأر عائلتهم. وتمكنت مديرية الأمن من إنهاء الخصومة الثأرية وعقدت المديرية المجلس العرفي للصلح بمركز شباب كوم الصعايدة ببا، حيث استطاعت لجنة المصالحات بحضور كبار رجال الدين وكبار رءوس العائلات انهاء الخصومة الثأرية التي استمرت أكثر من25 عاما، حيث قام أحمد شاكر محمد من عائلة البروات بتقديم الكفن لأحمد عبد العال حافظ شقيق أمين الشرطة( القتيل) وآخرين من عائلة السيد وتم قبولها وذبح الفداء وتعهد الطرفان بعدم التعرض للطرف الآخر وتم عقد الصلح بينهما. وعندما يقدم "الموتور" الكفن للطرف الآخر في الخصومات الثأرية ويقبله فهذا معناه إعطاء الحياة والأمان للطرف الآخر بعدم قتلة اخذًا بثأر من له، وذلك ما حدث كثيرًا جدًا في الفترة تولي الدكتور يحيى عبد العظيم منصب محافظ لسوهاج حيث عمل جهدًا على إنهاء الخصومات الثأرية، وجاء بعدة المحافظ الحالي اللواء محمود عثمان عتيق ولم يهمل هذا الملف أيضا وأنهي العديد من الخصومات الثأرية وكان آخرها بين عائلتي "القراقرة وأبو يوسف" في قرية الكولا بمركز أخميم.