أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإليكترونية عبر الصفحة الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك،اليوم، أن أفعالُ النبي الكريم، حُجَّةٌ باتفاقٍ إلا ما خصَّصه الدليل، والقولُ بأن أفعاله ليست دينًا من عند الله؛ قول جافٍ، ينزع الهيبة عن شخصه الكريم وسُنَّته وشِرعته. وقال "المركز"؛ ان الله عزَّ وجلَّ قد بعث النبي الكريم للنَّاس رسولًا مُشرِّعًا، ونبيًّا هاديًا. وجعل من حُقوقِه علىٰ أمته الإيمان به، وتصديق نُبوَّته، واعتقاد عِصمته، وطاعته، واتباعه، والاقتداء بهديه، وامثال أمره، واجتناب نهيه، والانقياد له، والتزام سُنته، والرِّضا بحُكْمِه، والتَّسليم لما جاء به، والتَّخلُّق بأخلاقه، والتَّأدب بآدابه في العُسْر واليُسْر، والمَنْشَط والمَكرَه. وتابع:إن إختزال مفهوم التّدين في أعمال القلب، وقصره علىٰ التوجه إلىٰ الله تعالى دون اتباعٍ لصاحب الشَّرع الشَّريف، أو تأسٍّ به فيما جاء عن ربه سبحانه وتعالىٰ؛ إنما هو تغافلٌ عن حقيقة الدين، وماهية أركانه التي لا تكتمل إلا بتحققها كافةً قولًا وعملًا، وهو مخالفٌ لما جاء به القرآنُ العظيمُ من وجوب طاعته، والسَّير علىٰ طريقته صلى الله عليه وسلم. وشدد على أن القول بأن أفعال الرسول الكريم، ليست دينًا من عند الله، وأن تصديرها للناس على أنها دين «مشكلة»؛ قولٌ جافٍ، يُهيل التُّراب على سُنَّته المشرفة، وينزع الهيبة عن شخصه وشرعه، وفعله وقوله، فضلًا عن أنه خالٍ عن الأدب مع صاحب المقام الشَّريف. واستطرد:حتى وإن كان المقصود بالتَّصرفات التَّصرفات المُتعلِّقة بالهيئة كالملبس والمظهر، أو الخاضعة لعادة الناس في زمن دون زمن، وبلد دون آخر، فهذه لا أقلَّ من أن يحوزَ المُقتدِي بالرسول الكريم فيها شرفَ الاقتداء بسيًِد الخلق وحبيب الحقّ صلى الله عليه وسلم، وينال ثوابَ ذلك إن خلُصت نيته، مع مراعاة الأعراف السَّائدة في كل عصر، وموافقة الشّرع الشَّريف. أمّا إن كان الغرض هو التَّقليل من هديه صلى الله عليه وسلم، وتنحية سُنَّته، بجعلها خارجة عن صُلب الدّين والتّشريع، وتصويرها على أنها لا تعدو التّصرفات البشرية التي لا عِصمة لها؛ فهذا قول بيِّنُ الخطأ، فيه لغطٌ وشطط. وهو تعطيل للقرآن الكريم عن غايته التي جاء لتحقيقها، ومحاولة لإقصائه عن واقع الناس وحياتهم، ودعوة صريحةٌ إلى تأويله علىٰ حسَب أهواء الناس وشهواتهم دون مؤهِّلاتٍ للنَّظر والاستنباط، وبعيدًا عن المثال العملي علىٰ تطبيقه وهو النَّبي صلى الله عليه وسلم. ولفت إلى أنه لا يخفىٰ ما في هذه الدّعوة من خطر بالغ -ليس علىٰ الدّين فحسب- بل علىٰ أمن المجتمع واستقراره، في الوقت الذي تعمل كافَّة مؤسسات الدَّولة فيه على تحقيق الأمن والسلام والاستقرار المُجتمعي. إذ الأصل في أفعال سيِّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها جزء من سنّته الشَّريفة التَّشريعيّة، التي يجب اقتداؤه فيها، وامتثال ما دعت إليه، إلا ما دلّ الدليل علىٰ خُصوصيّته به صلى الله عليه وسلم، أو أنه لم يُقصد به التَّشريع. فقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم وحيًا يُوحَى، لا يصدُر في قوله أو فعله أو تقريره إلا عن أمر الله ووحيه؛ ليُبيِّن ما جاء عن الله سُبحانه في قرآنه، ويُفصِّل مُجمَله، ويُخصِّص عامّه، ويُقيّد مُطلقَه، ويشرح، ويُوضّح، وليأخذ عنه النَّاس دينهم؛ قال سُبحانه: {وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ 0لذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ}. [النحل: 44] وقال سُبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا }. [الأحزاب: 21] قال الإمامُ ابن كثير في تفسيره (6/ 391): (هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي التَّأَسِّي بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ) اه. وقال الإمامُ الألوسي في روح المعاني (21/ 167): (والآية وإن سيقت للاقتداء به عليه الصلاة والسلام في أمر الحرب من الثبات ونحوه فهي عامة في كل أفعاله صلى الله عليه وسلم إذا لم يُعلم أنها من خصوصياته...) اه. وقال الإمامُ ابن عبد البر في التمهيد (5/ 117): (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فَهَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَىٰ خُصُوصِ شَيْءٍ مِنْهُ) اه. وعَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، فَقَالَ سَعِيدٌ: فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ، فَأَوْتَرْتُ، ثُمَّ لَحِقْتُهُ، فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ عُمَرَ: أَيْنَ كُنْتَ؟ فَقُلْتُ: خَشِيتُ الصُّبْحَ، فَنَزَلْتُ، فَأَوْتَرْتُ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ فَقُلْتُ: بَلَىٰ وَاللهِ، قَالَ: «فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ عَلَىٰ البَعِيرِ». [متفق عليه] وقد قال سيدُنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «...فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي». [متفق عليه] وقد أجمع الصحابةُ رَضي اللهُ عنهم ومَن بعدهم علىٰ الرجوع إلىٰ أفعاله صلى الله عليه وسلم في التشريع، انظر: [المحصول للرازي (3/ 233)، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (1/ 187)... وغيرهما]. كما شدد على أنَّ الأدب مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمام الإيمان، والإيمان به جزء لا يتجزأ من التَّصديق بكتاب الله سُبحانه، الذي قال فيه: {إِنَّآ أَرۡسَلۡنَٰكَ شَٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِّتُؤۡمِنُواْ بِ0للَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا * إِنَّ 0لَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ 0للَّهَ يَدُ 0للَّهِ فَوۡقَ أَيۡدِيهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَٰهَدَ عَلَيۡهُ 0للَّهَ فَسَيُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمًا}. [الفتح: 8 - 10] فقد جعل الله سُبحانه الإيمان برسوله قرين الإيمان به، ومعنى «وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ»: تعظموه وتفخّموه، قاله الحسن والكلبي. والتعزير معناه: التعظيم والتوقير، وقال قتادة: تنصروه وتمنعوا منه، ومنه التعزير في الحدّ؛ لأنه مانع، وقال بعض أهل اللغة: تُطيعوه. «وَتُوَقِّرُوهُ» أي تسوِّدُوه؛ قاله السدي، وقيل تعظموه، والتوقير: التعظيم والتَّرْزِين أيضًا، والهاء فيهما للنبيّ صلى الله عليه وسلم. [الجامع لأحكام القرآن الكريم (9/ 96)] وأكد "مركز الازهر" بأن دعوات الانتقاص من قدر المُصطفىٰ صلى الله عليه وسلم ليست بجديدة، ولم تنقطع مُذ بعثهُ الله للعالمين رسولًا، ولكنها ما نالت قطّ من مكانته صلى الله عليه وسلم أو سُنَّته؛ بل رفع الله ذكرَه، وأظهر شرعَه، وحفظ دينَه، فقد ذكر الإمام القرطبي في تفسيره قول أبي جهل للنَّبي صلى الله عليه وسلم في مُستهَّل دعوته صلى الله عليه وسلم: إنّا لا نكذبك؛ ولكن نكذب الذي جئت به، فآنس الله عزَّ وجلّ سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم بقوله سُبحانه: {قَدۡ نَعۡلَمُ إِنَّهُۥ لَيَحۡزُنُكَ 0لَّذِي يَقُولُونَۖ فَإِنَّهُمۡ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ 0لظَّٰلِمِينَ بَِٔايَٰتِ 0للَّهِ يَجۡحَدُونَ * وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٌ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِ 0للَّهِۚ وَلَقَدۡ جَآءَكَ مِن نَّبَإِيْ 0لۡمُرۡسَلِينَ}. [الأنعام: 33، 34] واختتم بالدعاء:"اللهَ تعالىٰ نسأل أن يرزقنا الأدب التّام مع سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن يُحيينا علىٰ سُنَّتةِ ومحبَّته، وأن يوفقنا للاهتداء بهديه، والسَّير علىٰ طريقته، وأن يهدِيَنا، ويَهديَ بنا، ويُجنِّبَنا وأمَّتَنا الفتنَ ما ظهر منها وما بطن". كان الدكتور سعد الهلالي في إحدى البرامج التليفزيونية قد جعل لأفعال النبي حكم الأفعال البشرية التي لا حجية لها.