منذ ثلاث سنوات - وبالتحديد منذ قيام ثورة 25 يناير - أصبح الحوار والجدل السياسي بين أفراد الشعب المصري واقعًا يوميا مُعاشًا، فسواء كنت في البيت أو وسائل المواصلات أو في أماكن العمل أو حتى المقاهي، ستجد مجموعة من الشباب أو كبار السن يعبرون عن آرائهم السياسية أو توجهاتهم وانتماءاتهم التي قد تختلف مع الآخرين، ومن هنا يبدأ الصدام، فنتيجة لغياب الوعي والديمقراطية وثقافة الرأي الآخر عن مجتمعاتنا منذ زمن بعيد، استطاعت بعض الآراء السياسية أن تفسد الكثير من العلاقات الاجتماعية بين الأصدقاء وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث انتقلت حدّة المناقشات السياسية والصدام في الرأي من الشارع ومن وسائل الإعلام - التي عجزت هي الأخرى عن إرساء قيم الديمقراطية وتقبل الرأي الآخر - إلى البيوت المصرية، ليزداد الصدام يوميا بين أفراد الأسرة الواحدة بسبب الآراء السياسية، وخاصة بين الآباء والشباب، وهو الخلاف الذي غالبا ما يتسبب في عزلة أحد الطرفين، نتيجة لغياب التفاهم أو تقبل الرأي الآخر، وقد رصدت "البوابة نيوز" - من خلال قصص عدد من الشباب وأولياء الأمور - تأثير اختلافات الآراء السياسية على العلاقات الاجتماعية داخل البيوت المصرية. في البداية يقول فادي نصر، طالب بكلية الآداب جامعة عين شمس: "دائما ما ينتهي الحوار بيني وبين والدي إلى تركي للمنزل والذهاب إلى مكان آخر، لأنه لا يتقبل سماع رأيي ويحاول بشتى الطرق أن يفرض رأيه عليّ، وحتى إذا كنت في المنزل ألتزم حجرتي لمتابعة "فيس بوك"، وهنا فقط أجد من يفهمني ويتقبل رأيي حتى وإن كان مختلفا معي"، واستطرد فادي: "أتجنب بكل الوسائل الدخول مع أبي في أي حوار سياسي، حتى لا ينتهي هذا الحوار إلى حدوث مشكلة بيني وبينه". من جانبه أكد ماجد جمال، طالب بكلية الفنون التطبيقية: "منذ قيام الثورة - حتى الآن - هناك مناقشات سياسية في منزلي، بيني وبين باقي أفراد الأسرة، ولكن حدة الحوار تضاعفت الآن عما كانت عليه من قبل، وأيّة مناقشة تدور بيني وبين والدي أو والدتي، تنتهي إما بأن أقتنع وأسلم بآرائهما، وإما أن أواجه سيلًا من الإهانات وتجنب التعامل معي من جانبهما". بينما قال محمد صلاح، الطالب بكلية التجارة جامعة القاهرة: "أشعر بالاضطهاد والعزلة في منزلي، نتيجة عدم وجود تفاهم بيني وبين باقي أفراد أسرتي، أو تقبل رأيى من جانبهم حول الأحداث السياسية الأخيرة، واتجهت مؤخرا إلى عدم إبداء أي رأي سياسي داخل المنزل، لأتجنب الدخول في أيّة مشاكلات مع أسرتي". بينما قال عبد الله حسن، مالك أحد محال الأدوات الكهربائية بمنطقة وسط البلد: "ابني دائم الخلاف معي في الآراء السياسية، ودائما ماكانت المناقشات بيننا تنتهي إلى طريق مسدود، ولكنني مع الوقت استطعت أن أسيطر عليه، لأنه خشي أن يخسرني فأصبح لا يتناقش معي ولا يعبر عن رأيه". وأضاف إبراهيم طاهر، طبيب: "أتجنب النقاش مع ابني في الأحداث السياسية، لأنه شديد التمسُّك برأيه، ويأبى أن يغيّره أو حتى أن يستمع لأي رأي مخالف له". وأكد محمود عبد الرحيم، محاسب: "بالطبع اختلاف الآراء السياسية أصبح يؤثر على كل العلاقات الاجتماعية، سواء كانت هذه العلاقات بين الأسر أو حتى على مستوى علاقات الصداقة، فقد اضطررت أن أخسر بعض أصدقائي نتيجة تمسكهم بآرائهم السياسية وعدم تقبلهم للآراء المختلفة معهم". ويقول الدكتور علي المليجي، عميد كلية التربية النوعية سابقا، وأخصائي علم النفس: "أغلب البيوت المصرية لم تعتد لغة الحوار والاستماع إلى الرأي الآخر وتقبله، لذا لم نعد نتقبل النقاش أو الاختلاف حتى في الآراء السياسية، وفي ظل هذا التوجه الإعلامي المضلل، والبيئة التي تفتقد إلى الديمقراطية، التي تتربّى وتنشأ فيها الأجيال الجديدة، من الممكن أن يسبب اختلاف الرأي السياسي تدمير الأسر، وعزلة بعض الأفراد داخل الأسرة الواحدة"، كما أكد أن المشكلة الأساسية عند الآباء والأمهات هي غياب ثقافة الحوار لديهم، والاعتياد على السيطرة على الأبناء، وهو ما يخلق جيلًا جديدًا ليست لديه القدرة على إبداء رأيه. وعلى نقيض ذلك قال الدكتور علي ليلة، رئيس قسم الاجتماع بجامعة عين شمس: "يُعدّ التأثير السلبي للاختلافات في الآراء السياسية على الأسر المصرية تأثيراً محدوداً جدا، حيث إن معظم الأسر تستوعب تلك الاختلافات، كما يعد الحديث السياسي في البيوت المصرية مسألة ثانوية وليست أساسية، لذلك فمن الممكن أن تحدث الاختلافات في الآراء السياسية بعض المشكلات داخل الأسر المصرية، لكنها لا تخرج عن كونها مشكلات بسيطة، لا تؤثر على البنية الأساسية للأسرة المصرية".