إن موت يسوع ودفنه وبقاءه ثلاثة أيام فى القبر هو قمّة الرجاء المسيحي، لأننا عندما نحيى موته فإننا نتذكر قيامته أيضًا، وحينما نذكر قيامته لا يجب أن ننسى موته على الصليب. إنه سرّ الخلاص! ولذلك عندما يقوم يسوع من الموت، لا يقبل البكاء؛ فيقول للمجدلية: «يا امرأة، لماذا تبكين؟» ويسأل تلميذى عمّاوس وهما بعد فى الطريق إلى مدينتهما: «ما هذا الكلام الذى يدور بينكما وأنتما سائران؟ فوقفا مكتئبين». إنه فعلًا قمّة الرجاء المسيحي. ما هو الرجاء؟ هناك من يفرّق بين الأمل والرجاء فيقول إن الأمل هو بشري: أأمل أن نتخلص من الوباء بسبب... (لقاحات أو نظريات جديدة)، وتفرق عندما نقول: أرجو بربنا فى الوباء... فى الأمل هناك أسباب تدعونا له، بعضها منطقية وأخرى غيبية. أما فى الرجاء فلا أسباب تدعونا له سوى الثقة بربّنا... فحين نرجو، لا نعرف ماذا سيحصل ولكننا واثقون بتدبير ربّنا لنا. لدينا مثال فى ذلك مع إبراهيم، تقول عنه الرسالة إلى العبرانيين: «بالإيمان لبّى إبراهيم الدعوة فخرج إلى بلد قدّر له أن يناله ميراثًا، خرج وهو لا يدرى إلى أين يتوجّه». وبهذا الرجاء نفسه، يدعونا يسوع فى قيامته إلى عدم الخوف، ففى إنجيل متى يدعو الملاك المرأتين: «لا تخافا أنتما». وعندما ذهبتا تحملان البشرى للتلاميذ، جاء يسوع للقائهما وقال لهما: «السلام عليكما! لا تخافا!» وفى ظل الخوف من الوباء الذى نعيشه، نحن بحاجة إلى هذه الكلمة: لا تخافوا، ويكررها الكتاب المقدس على عدد أيام السنة كما يقول المفسّرون. نحتاج أن نسمعها من ربّنا، كما نحتاج أن يقولها الآخرون لنا مثلما هم أيضًا بحاجة أن يسمعوها منّا. لا تخافوا، لا تعنى أن ننسى الخوف ونتجاهله وكأنه غير موجود، فالمسيح لا يدعونا إلى اللا أبالية تجاه كل ما يخلق الخوف فى حياتنا. فهذه ليست من صلب روحانياتنا المسيحية التى تدعونا بالأحرى إلى مواجهة الشرّ دون خوف. فإذًا كيف نفهم كلام يسوع بأن لا نخاف؟ المسيح لم يأتِ ليلغى ما هو طبيعى فى حياتنا، فنحن لا زلنا نخاف، ولكن يسوع بقيامته من بين الأموات انتصر على كلّ ما يقف عائقًا أمام من يؤمن به. وهناك فرق كبير بين الحالتين، فهناك من يقع فريسة الخوف فيشلّ حياته كلها، ولكن المسيح الذى دعانا «لا تضطرب قلوبكم» إنما يساعدنا أن نواجه الخوف فى حياتنا بحيث لا يمنعنا لا هو ولا أى شيء آخر من تكملة مسيرتنا. وهذا هو فعل القيامة فى حياتنا. وتساعدنا المرأتان فى إنجيل اليوم فى فهمٍ جديد للخوف، فعندما قال الملاك لهما إن المسيح قد قام، يقول الإنجيل: «تركتا القبر مسرعتين وهما فى خوف وفرح عظيم...». هناك اختلط الخوف مع الفرح، أن نعيش خوفنا بفرح، فرح الثقة بيسوع القائم من بين الأموات. إن القيامة انتصار للحياة على الموت، انتصار الخير على الشرّ، انتصار الرجاء على اليأس... علينا أن نثق بهذه القيامة، وأنها ستتحقق دائمًا ما دمنا نؤمن بالمسيح القائم من الموت... نحن أيضًا على مثال مريم المجدلية التى تسرع وتجيء إلى التلميذ الآخر الذى كان يسوع يحبّه، وهو يوحنا كاتب الإنجيل، وتقول لهما: «قد حملوا الرب من القبر ولا أعلم أين وضعوه!» نحن أيضًا لا نعلم شيئًا، ليست الأمور واضحة تمامًا بالنسبة إلينا. خاصّة فى زمن الوباء هذا، فنحن كثيرًا ما لا نعلم... وبناءً على قول مريم، يقوم بطرس ويوحنا ويسرعان إلى القبر وعندما يدخل التلميذ الذى وصل أولًا، يقول عنه الإنجيل إنه «رأى وآمن». القيامة تجعلنا نعرف كيف نرى، لكى نستطيع من خلال رؤيتنا أن نؤمن. أن ننظر بعيون الله إلى أحداث حياتنا، حتى المأسوية منها مثل زمن الوباء، ونستطيع أن نكتشف من خلالها حياةً جديدة ورجاءً جديدًا. وهذا هو اختلاف المؤمن عن الآخرين: إنه يرى ما لا يراه الآخرون ويسمع ما لا يسمعه الآخرون، كما يقول القديس بولس فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس: «ما لم تره عين ولا سمعت به أذن ولا خطر على قلب بشر، ذلك ما أعدّه الله للذين يحبّونه» (2/9). فلابدّ أن نؤمن لكى نستطيع أن نرى ما أعدّه الله لنا وخاصّةً فى قيامة ابنه. «أما مريم فكانت واقفة عند القبر تبكي»، تبكى على ما فقدته فى الماضي، ولكن يسوع يعيد إليها الحاضر والمستقبل بشخصه، فيناديها باسمها: يا مريم، وللحال تجيبه: رابوني، أى يا معلّم. انتبهت لحضوره «الآن» فى حياتها وأرادت البقاء إلى جانبه دائمًا، ولكن يسوع يوجهها نحو المستقبل ويقول لها: «لا تلمسيني... فذهبت وبشرت التلاميذ أنها رأت الربّ وأنه قال لها هذا». لنصلّ ليعطينا الربّ القائم من الموت نعمة الانتصار، نعمة أن نرى نؤمن، نعمة أن ننتبه لحضوره الآن وفى كل أوان.