«لى الذراع»، طريقة أتبعها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان منذ فترة كبيرة مع دول الاتحاد الأوروبي، خاصة حينما يريد الموافقة على سياساته التى لا ترضيهم، والتى كان آخرها تدخله السافر في إدلب السورية، والتى يطلب من أوروبا دعمه فيها، بعد خسارته عددًا من جنوده في المعارك الدائرة هناك. الرئيس التركي، أكد السبت 29 فبراير الماضي، أن بلاده ستبقى الحدود مفتوحة أمام موجات اللاجئين الراغبين في الوصول إلى أوروبا، كما أوضح سليمان صويلو، وزير داخليته إن نحو 37 ألف مهاجر غادروا حدود البلاد بولاية أدرنة نحو أوروبا. تدفق اللاجئين نحو أوروبا يعود بالعديد من الأضرار على دول القارة العجوز، وعلى رأسها اليونان، والتى قد يؤثر هذا الأمر عليها في عدة مجالات منها الاقتصاد والسياحة، ويصبح ورقة ضغط بيد «أردوغان» ضدها. التنقيب عن الغاز في المتوسط بالطبع يعتمد «أردوغان» على اللاجئين ك«ورقة ضغط» ضد دول الاتحاد الأوروبى عامة، إلا أن هذا يؤثر بشدة على اليونان أكثر، خصوصًا أنها على الحدود مع تركيا، وقد يستغل النظام التركى هذا الأمر للضغط على أثينا لقبول تنقيبها عن الغاز في شرق البحر المتوسط، في المناطق التى تخضع لسيادة اليونان وقبرص. في يونيو 2019، قال أليكسيس تسيبراس، رئيس الوزراء اليوناني، إن بلاده وقبرص ستضغطان على شركائهما في الاتحاد الأوروبى لمعاقبة تركيا إذا ثبت أنها بدأت عمليات تنقيب عن الغاز غرب قبرص، غير أن هذا التصريح يعد بلا نتيجة، خصوصًا أن دول الاتحاد إلى الآن عاجزة عن مواجهة «أردوغان»، ودائمًا ما ترضخ لتهديداته. قضايا خلافية بجانب التنقيب عن الغاز، هناك عدد من القضايا الخلافية بين البلدين، من بينها إعلان اليونان وقبرص رفضهما أكثر من مرة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. كما أن اليونان تحتضن معارضين أتراكًا وأكرادًا مطلوبين من قبل الحكومة التركية، على وقع محاولة الانقلاب المزعومة على «أردوغان» في يوليو 2016، ومن الممكن أن يصبحوا «ضحية» من أجل توقف أردوغان عن إرسال اللاجئين، خاصة أن الرئيس التركى جدد مطالبته بتسليمهم وعدم التساهل مع أعضاء التنظيمات التى وصفها ب«الإرهابية»، أثناء زيارته إلى أثينا، فبراير 2019. العلاقات «اليونانية التركية» تدهورت منذ خمسينيات القرن الماضي، على وقع الخلاف حول جزيرة قبرص، وطرد اليونانيين من أنقرة في الستينيات، وغزو أنقرة لشمالى قبرص عام 1974، بالإضافة إلى المواجهة بين البلدين حول بحر إيجة، والذى تقع به جزر متنازع عليها من قبل البلدين مثل «كارداك». الاستغلال السياسي «أردوغان» الذى يستغل الوقت دائمًا لصالحه، لا يُستبعد أبدًا أن يكرس جهوده على هذه الفرصة الثمينة، ليحصل على ما يريده من اليونان، خصوصًا أنه بالنظر إلى الوقائع والأحداث السابقة، فإن الرئيس التركى اعتاد أن يأخذ ما يريد من دول الاتحاد الأوروبى بهذه الطريقة. وجود اللاجئين على الحدود اليونانية، من الممكن أن يكون بعد ذلك شبه دولة في تلك المنطقة، من شأنها أن تكون منبع قلق وخوف لأوروبا بأكملها، والتى تخشى دائمًا من تدفقهم إليها. ومن المتوقع أن تتسبب قضية اللاجئين في خسائر اقتصادية لليونان، نتيجة الانشغال بهذا الأمر عن مشاريع الطاقة والسياحة، بالإضافة إلى المواجهات التى تحدث بين الشرطة وسكان الجزر، الذين يرفضون بناء مخيمات جديدة للاجئين. كما أن القضية ستصعد من حالة الخطاب السياسى من قبل الطرفين، بالإضافة إلى استمرار المناوشات والاعتراضات العسكرية التى تقوم بها السفن التركية واليونانية ضد بعضهم البعض في بحر إيجه. هل هناك حرب؟ تؤكد المؤشرات أن الأمور تتجه إلى مواجهة عسكرية بين تركيا واليونان، غير أن هذا الأمر مستبعد نوعًا ما، خصوصًا أن البلدين أعضاء بحلف الناتو، والذى لن يسمح لأعضائه بقتال بعضهما البعض، ما قد يفضى إلى قبولهما تهدئة التوتر المتصاعد بينهما، الذى بالطبع لن يحدث دون مصلحة تعود على «أردوغان».