«لعبة تمنح الممارسين لها شعور الثقة بالنفس والفخر وتقوية الروابط الأسرية، إلى جانب إقامة روابط مجتمعية جديدة».. هكذا يتم وصف لعبة التحطيب التى أشعلت حماس جمهور ساحة أبى الحجاج الأقصري، حيث مهرجان التحطيب في نسخته العاشرة، الذى اختتم فعالياته الفنية في جو من البهجة والفرحة، السبت الماضي. يعرف الكثيرون، وخاصة ممارسى ذلك الفن، أن التحطيب كان في البداية شكلا من أشكال الفنون القتالية، لكنها تحولت مع مرور الوقت إلى فن راق يجذب أنظار الجمهور بشكل دائم. كانت النسخة العاشرة من مهرجان التحطيب الذي تنظمه الإدارة المركزية للشئون الفنية، التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، أطلقت في 24 ديسمبر الجاري، وأخرج حفل الافتتاح الفنان أحمد الشافعي، بحضور الدكتور أحمد عواض، رئيس الهيئة، وتحت رعاية الفنانة الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزير الثقافة، والمستشار مصطفى ألهم، محافظ الأقصر. بدأت فعاليات اليوم الأول، بتقديم سامر التحطيب، الذى شاركت به فرق التحطيب وشيوخ اللعبة الممثلة لمحافظات الصعيد «بنى سويف، المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا، الأقصر»، وقدمت الفرق فنون لعبة التحطيب وكيفية توارثها عبر الأجيال، وتأكيد هويتها بمنطقة جنوب مصر، من خلال الممارسة اليومية لها، كلعبة للرجال وفى المناسبات الكبرى والأفراح. أعقب ذلك تقديم فقرات عرض الافتتاح، وسط حضور جماهيرى من أبناء المدينة وزائريها من الأجانب، وقدمت فرق الفنون الشعبية بمحافظات «بنى سويف، المنيا، أسيوط، سوهاج، قنا، الأقصر»، بالإضافة لمجموعة المزمار بفرقة النيل للآلات الشعبية عرضا استعراضيا مزجت من خلاله الرقص بالعصا، وبمشاركة لاعبى التحطيب من الفرق وشيوخ اللعبة. وجذب اليوم الثانى للمهرجان حضورا جماهيريا من المصريين والأجانب لمشاهدة سامر التحطيب للفرق المشاركة من محافظات صعيد مصر وشيوخ اللعبة وعروض فرق الفنون الشعبية. وأعقب السامر، تقديم فرق الفنون الشعبية المشاركة في المهرجان رقصاتها الاستعراضية، وعرضت فرقة بنى سويف رقصتى «النحاس، جريد النخل»، أما فرقة المنيا فقدمت رقصة «بنت البلد»، ثم أدت فرقة أسيوط استعراض «الآلات»، كما قدمت فرقة سوهاج رقصة «الربابة»، في حين قدمت فرقة قنا «الفرح القنائى»، واختتمت فرقة الأقصر للفنون الشعبية الاستعراضات بتقديم رقصة «الصعيدي» بالإضافة لأغانى الكف. حرض رئيس الهيئة، الدكتور أحمد عواض، على التواجد أثناء اليوم الثالث للمهرجان، ومشاهدة سامر التحطيب لتوضيح كيفية لعبها في منطقة الصعيد، أعقبها عروض الفرق الفنية التى قدمت رقصاتها التراثية المختلفة، والذى بدأ بالتحميلة من مزمار وإيقاع فرق الآلات الشعبية المشاركة في المهرجان. وقدمت فرقة الأقصر للآلات الشعبية فقرات غنائية متنوعة، كما قدمت فرق الفنون الشعبية عدة رقصات استعراضية منها يا جريد النخل العالى لفرقة المنيا للفنون الشعبية، رنة خلخال لفرقة سوهاج، التنورة لفرقة أسيوط، الفرح لفرقة قنا، واختتمت فرقة الأقصر للفنون الشعبية العروض باستعراض التحطيب، بالإضافة إلى عرض فنى لفرقة الأقصر للآلات الشعبية، لأغانى «الكف الصعيدي». وشهد اليوم الرابع من المهرجان حلقة سامر التحطيب وبمشاركة شيوخ اللعبة والتى بدأت من الساعة الرابعة وحتى الساعة السابعة مساء، أعقبها تقديم عرض فنى لجميع فرق الفنون الشعبية المشاركة بالمهرجان يمزج بين فن التحطيب ولعبة العصا. وقد سجلت منظمة اليونسكو لعبة التحطيب المصرية ضمن قائمة التراث غير المادى في العام 2016، وجاء ضمن بيان المنظمة أن «لعبة التحطيب كانت تُمارس في مصر القديمة كشكل من أشكال فنون القتال الفردية، ثم فقدت لعبة التحطيب دورها الأصلى وأصبحت لعبة احتفالية مع الاحتفاظ بشيء من الرمزية والقيم المرتبطة بوظيفتها الأولى». وتمارس اللعبة أمام الجمهور ويشترك فيها غريمان بيد كل منهما عصا طويلة، فيجاول ويشاول أحدهما الآخر بلا عنف بما يحاكى المبارزة بينما تصدح في الخلفية الموسيقى الشعبية، ولا بد من التحكم تمامًا بحركة العصا إذا لا يُسمح بتاتًا بأن تمس العصا جسد الغريم وتلحق به الأذى، وجميع الممارسين هم من الذكور سواء كانوا من الكبار أو من الشباب، ومعظمهم من سكان الصعيد، لا سيما من المناطق الزراعية، حيث يستخدم السكان عصا التحطيب في حياتهم اليومية ويعتبرونها رمزًا للرجولة، وتستند قواعد اللعبة على مجموعة من القيم مثل الاحترام والصداقة والشجاعة والقوة والشهامة والفخر. وتمارس لعبة التحطيب في المجال الاجتماعي العام والخاص، وتقام المباريات أحيانًا لتشجيع اللاعبين الجدد أو لتنظيم أمسيات خاصة تتنافس فيها عدة محافظات على الفوز باللعبة قد تستمر قرابة الأسبوع. وتنقل المهارات والتقاليد الخاصة بهذا التراث داخل العائلات والأحياء السكنية لكل راغب في التعلم، وتمنح لعبة التحطيب الممارسين لها ثقة بالنفس بفضل ما اكتسبوه من مهارات والشعور بالفخر وهم يعرضون هذه المهارات أمام الملأ، كما أنها تساهم في تقوية الروابط الأسرية وبناء علاقات مجتمعية جيدة.