تنطلق، اليوم الجمعة، في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية، وسط أجواء من الارتياح والترقب في نفس الوقت. فبعد أشهر طويلة من هيمنة الأحداث السياسية على جدول أعمال الدورة الأوليمبية الشتوية، يتحول التركيز مجددا على الرياضات الجليدية والثلجية، وذلك عندما يعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انطلاق الدورة خلال مراسم الافتتاح التي تقام في ملعب "فيشت ستاديوم" اليوم الجمعة. ويرى كثيرون أن "سوتشي 2014" هي "دورة بوتين"، وهو أمر لا يخلو من عنصر السخرية، وذلك في ظل دعوات بمقاطعة الأولمبياد، والمخاوف من وقوع أعمال إرهابية، وانتقادات بسبب ارتفاع تكاليف الإنشاءات، والعديد من القضايا الأخرى السلبية التي تصدرت أخبارها عناوين الصحف. ويأمل الألماني توماس باخ، رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية الجديد في أن تعود الدورة إلى أحضان الرياضيين مرة أخرى، حيث قال: "تقام دورة الألعاب الأوليمبية من أجل الرياضيين، والأولمبياد الشتوي بات مستعدا لاستقبال أفضل رياضيي الألعاب الشتوية في العالم". وأوضح باخ أن إقامة أول أولمبياد شتوي في روسيا سيكون "علامة فارقة"، حيث يشارك عدد كبير من الدول، 87 دولة في المسابقات، وهو رقم قياسي جديد للأولمبياد الشتوي، وكذلك يتابعها أكثر من 200 دولة للدورة عبر شاشات التلفزة، وهو رقم قياسي آخر. ولكن الدورة الشتوية تأتي أيضا كعمل موثق ودعاية تميزان رئاسة بوتين، فمنذ تولدت الفكرة لدى الرئيس الروسي في مقره الرئاسي الصيفي على ساحل البحر الأسود، وحتى بداية رحلة الشعلة التي قطعت مسافة 65 ألف كيلو متر، ومسافة أخرى في الفضاء، بدا واضحا أن بوتين يريد استغلال البطولة كعرض خاص له. ويأمل الرئيس الروسي أن تمضي البطولة التي تستمر أسبوعين ونصف الأسبوع دون ما يعكر صفوها قبل أن يتم إطفاء الشعلة في 23 فبراير الجاري وتسليم علم الدورة إلى مدينة بيونج تشانج الكورية الجنوبية التي تستضيف الأولمبياد الشتوي عام 2018. وأنفقت روسيا على استعدادات إقامة الدورة ما يقرب من 51 مليار دولار وهو ما أثار عاصفة من الانتقادات ضد الحكومة الروسية من قبل بعض أعضاء في الحركة الأوليمبية. وأثارت قضايا حقوق المثليين والحملات التي تستهدف الناشطين الحقوقيين، والأضرار البيئية، والفساد المستشري، والظروف البائسة لعمال البناء الذين عملوا في تشييد الملاعب، والضوابط الأمنية المشددة، علامات استفهام على خلفية إقامة الأولمبياد في روسيا. وقد أسفر هذا كله عن غياب واضح لبعض الزعماء عن حفل افتتاح البطولة الذي يقام بملعب "فيشت ستاديوم" الذي بلغت تكاليف إقامته نحو من 750 مليون دولار. ويتوقع حضور أكثر من 40 رئيس دولة وحكومة مراسم الافتتاح، ولكن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قرر عدم الحضور. وأرسلت الولاياتالمتحدة بعثة ذات مستوى منخفض تتضمن رياضيين بارزين من مثليي الجنس مثل بطلة تنس السيدات بيلي جين كينج وبريان بويتانو صاحب الميدالية الذهبية الأوليمبية في رياضة التزلج على الجليد. وتزايدت حدة التوتر قبل إقامة البطولة بأسابيع، حيث وقعت هجمات إرهابية في مدينة فولجوجراد في ديسمبر الماضي، والتي نفذها متشددون من منطقة القوقاز، هددوا بتنفيذ مزيد منها خلال الفعاليات الأوليمبية. ولدى روسيا حاليا قوة أمنية قوامها أربعون ألف رجل أمن منتشرون داخل الحديقة الأوليمبية في سوتشي، وحولها وأيضا في جبال كراسيانا بوليانا. ودعمت الولاياتالمتحدة وفدها الرياضي المشارك في البطولة بسفينتين للبحرية الأمريكية في البحر الأسود على متنهما 600 بحار. وتعتبر أولمبياد سوتشي أول دورة أوليمبية تقام في عهد توماس باخ الذي خلف البلجيكي جاك روج في رئاسة اللجنة الأوليمبية الدولية في سبتمبر الماضي، والذي أعلن دعمه لاستضافة روسيا للأولمبياد، ولكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن الأولمبياد تحتاج لدراسة لتأثيرها في المجتمع. وتبدو الظروف مثالية أمام الرياضيين للتألق حيث من المتوقع أن تكون حالة الطقس مستقرة نوعا ما، حيث تأمل سوتشي في عدم حدوث مشكلات متعلقة بالطقس والتي شابت أولمبياد فانكوفر عام 2010. وقد يكون منتجع سوتشي من أكثر الأماكن دفئا في تاريخ دورات الألعاب الأوليمبية الشتوية، ولكن السلطات الروسية خططت لذلك أيضا ببرنامج "الثلج المضمون" حيث قامت بتخزين ألواح ثلجية كافية لمواجهة أي نقص في الجليد. ويأمل المسئولون الأوليمبيون في أن تأتي الدورة خالية من أي فضائح خاصة بتعاطي المنشطات، بعدما أعلن عن إجراء عدد قياسي من الاختبارات للكشف عن المنشطات، بلغ 2453 اختبارا قبل انطلاق الفعاليات وأثنائها. ويعتبر شون وايت رمز رياضة التزلج بلوح التزلج، والسلوفينية تينا ماز لاعبة التزلج المتعرج (التززل الالبي) وزميلتها الألمانية ماريا هويفل-ريسيخ، وسيمون أمان البطل الأوليمبي لرياضة القفز التزلجي وأولى أينار بيورندالين لاعب البياثلون من أبرز النجوم المشاركين في الاولمبياد. وتتطلع الدولة المضيفة إلى تصدر جدول ترتيب الميداليات وتحقيق نتائج أفضل من دورة فانكوفر، عندما اكتفت بالمركز الحادي عشر. ولا يعد شعار أولمبياد سوتشي قاصرا على أنها الأسرع، والأعلى، والأقوى، ولكنها الأصغر سنا، وكذلك الأكثر تكلفة.