ظهر الشريف الرضي كعالم متبحر وفقيه لا يشبهه أحد، في القرن الرابع الهجري، واشتهر بكتابه "نهج البلاغة" الذي جمع فيه خطب ومقولات الإمام علي بن أبي طالب، الذي قدم لها وشرحه بن أبي الحديد، وأيضا الإمام الأستاذ محمد عبده. وفي كتابه "تلخيص البيان في مجازات القرآن" الذي حصد "جائزة تحقيق التراث 2019"، عن مجمع اللغة العربية بالقاهرة "مجمع الخالدين"، بتحقيق الدكتور عشري الغول والدكتور أشرف غنام، حيث يعرض الرضي لمجمل ما وقف عليه في القرآن الكريم من عجائب الاستعارات وغرائب المجازات التي هي أحسن من الحقائق، مبينا أن اللفظة التي وقعت في القرآن مستعارة لو وقعت في موقعها لفظة "الحقيقة" لكان موضعها نابيًا بها ونصابها قلق التركيب. جمع الرضي 361 حديثًا عن النبي الأكرم، اشتملت على المجاز أو الاستعارة أو نكتة بلاغية، وقد شرح في ذيل كل حديث منها المجاز أو الاستعارة بشكل مختصر، وقد طبع هذا الكتاب مرارًا في مصر والعراق وإيران، لكن طبعته المحققة طبعت في مصر بمطبعة الحلبي سنة 1391 ه_ 1871م"، بتحقيق طه عبد الرؤوف سعد، وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة الفارسية. ويعتبر الرضي في طليعة المفسرين الذين اعتنوا بتفسير القرآن الكريم تفسيرًا بلاغيًا فمن يقرأ مقدمة كتابه "تلخيص البيان في مجازات القرآن" الصغيرة بألفاظها الكبيرة بمعانيها ودلالاتها، يشعر أنه أمام فقيه عالم ملم بما أنتجته أفكار البلاغيين من بحوث وتقريرات بلاغية، وأنه قد استغل معرفته هذه في تدوين كل ما كتب ونظم من مصنفات. يشار إلى أن مؤلف الكتاب الشريف الرضي كان تلميذا لأكابر علماء عصره حتى أصبح أديبا بارزا شهيرا، وفقيها متبحرا، ومتكلمًا حاذقًا، ومفسرًا للقرآن وشارحًا للحديث النبوي، فكان متعلما ذلك من شقيقه الاكبر المرتضي الذي فاض علمه عليه فقال عنهما علماء الدين: "لولا الرضي لكان المرتضى أشعر الناس، ولولا المرتضى لكان الرضي أعلم الناس". وأغرق الرضي نفسه في دراسة الفقه وأصوله وأصول الكلام على طريقة مخالفيه، فالعلماء في القرون السالفة ما كان يقنعهم غير الإحاطة بأحاديث الفريقين وفقههم معا، وبالأصول التي تبنى عليها، تكميلًا للنفس وتتميمًا للتهذيب وإعلاء لمنار الإحتجاج، كما أنّ سوق المناظرة كانت رائجة وخطة الجدل في الإمامة والكلام متسعة. ولعل ما يؤكد رغبته في ذلك زيادة على ما ذكرنا، ابتلاؤه بالنظر في المظالم وما يجري في مجراها، ليعرف الفقه على تلك الأساليب المتّبعة عند كل فرقة كقانون للدولة الذي لابد من معرفته.