زارت عدسة "البوابة" متحف الفنان العالمي بدر عبدالمغني، من أبناء واحة الفرافرة والذي جسد الحياة القديمة بتفاصيلها بالواحة، وتراثها، بل والعادات والتقاليد وطريقة الأفراح والحصاد والحياة اليومية العادية لابن الواحة القديمة. متحف بدر عبارة عن منزل مبني بالطوب اللبن مكون من 20 غرفة، تم استخدام الطوب اللبن والرمال في تشييده وعمل محتوياته لرسم ونحت أشكال فنية تصوّر الحياة التقليدية في الواحة والذي يروي من خلاله ملامح خاصة لحياة الآباء والأجداد، إضافة إلى العديد من المنحوتات الحجرية التي تحاكي حركة سكان الواحة اليومية، فهذا يدلي بدلوه في البئر لتناول شربة ماء، وآخر ينتظر صديقا له، وثالث يزرع أرضه بالطريقة البدائية، وذلك بهدف الحفاظ على تراث الواحة من الاندثار. وتصل مساحة المتحف إلى قرابة 500 متر مربع، وهو يضم حديقة خلفية أشبه بالبانوراما الشعبية، حيث تحتوي على العديد من المنحوتات الطبيعية المصنوعة من الأشجار وجذوع النخيل، إضافة إلى العديد من المنحوتات الحجرية التي تحاكي حركة سكان الواحة اليومية، فهذا يدلي بدلوه في البئر لتناول شربة ماء، وآخر ينتظر صديقا له، وثالث يزرع أرضه بالطريقة البدائية. يقول الفنان بدر عبد المغني، وهو مدرس يعمل بالقطاع التعليمي بمركز الفرافرة، الفكرة بدأت بمعاونة صديق له يعمل مدرس لغة إنجليزية، إذ اقترح عليه أن ينشئ مكانًا لعرض أعماله على الناس والاحتفاظ بتراث الواحة وتجسيده من خلال تماثيل بالرمال أو لوحات فنية، وتم إقامة المتحف سنة 1992، وأصبح الآن هو أحد أهم المزارات السياحية المعروفة في الواحة. وأكد "عبدالمغني"، أن المتحف يضم بعض التماثيل التي تمثل شخصيات واقعية موجودة بالفعل في الواحة، فيما تضم غرف المتحف عددًا من الرسومات واللوحات من واقع البيئة المحيطة، إضافة إلى غرف أخرى تضم عددًا من الرسوم السيريالية والفنون التشكيلية والابتكارية من الأحجار الموجودة في البيئة المحيطة بواحته، مع إدخال تعديلات بسيطة عليها لتمثل نوعًا من أنواع الحياة، حيث تتشكل كوجه رجل تارة، أو امرأة تارة أخرى. ولفت إلى أن غرف المتحف تجسد مشهدًا من مشاهد الحياة اليومية لسكان الواحة، فهذه تجسد بمقتنياتها ورسوماتها طبيعة أعراس القرية، وتلك تروي طقوس مغادرة الحجيج الواحة في طريقهم للأراضي المقدسة، فيما تضم الثالثة مشاهد للأنشطة اليومية التي يمارسها سكان الواحة من كبار السن، مثل لعبة السيجة التي تعد اللعبة الشعبية الأولى هناك، فيما تضم الغرفة الرابعة نماذج للمشغولات اليدوية التي تقوم بها سيدات الواحة. وهناك غرفة بالمنزل تسمى غرفة الأحزان، وتضم تلك الغرفة عدة جداريات ولوحات فنية وتماثيل تمثل القيود التي واجهها في حياته، والظروف الصعبة التي ألمت به، وهو يقول عنها: "هذه الغرفة هي أقرب غرف المتحف إلى قلبي". وقال "عبدالمغني" إن إحدى الغرف تحتوي على أهم مقتنيات ابن الواحة بالفرافرة القديم، وبعضها مازال يستخدم حتى الآن، فمثلا "القلابة"، وهي مصيدة مصنوعة من الحبال وجريد النخيل لصيد الطيور والحفاظ عليها حية داخل المصيدة، وهناك "الداكون" وهو عبارة عن عصا مصنوعة بشكل عصا الهوكي الحديثة، ولكن من خشب الأشجار، وكرة مصنوعة من ألياف النخيل والحبال وهي لعبة قديمة جدا بالواحة، ويقال إنها أصل لعبة الهوكي ونقلها الاجانب قديما للخارج. أما "الفخ" فهو مصيدة كبيرة مصنوعة من الجريد والألياف، وهي لصيد الطيور ذات الحجم الكبير مثل الصقور، وهناك "العقلة" وهي مصيدة صغيرة مجوفة ومصنوعة بشكل مخروطي من خوص وجريد النخيل لصيد الغزلان، وهناك مصنوعات من جريد النخيل داخل هذه الغرفة تسمى "المعمورة أو المقلون" وهي لحفظ الخبز أو العيش او الطعام. وقال: إن صناعة اللوحة تتم من خلال وضع غراء أبيض وصمغ مشمش، وبعد ذلك يبدأ في توزيع "الرملة"، وأول خطوة هي وضع الخلفية، والسماء والأرض والجبال، وبعد ما تجف ثاني يوم يحدد الحياة فيها، مثل البيوت والصحراء، والخطوة الثالثة تتمثل في التفاصيل الدقيقة للشخصيات، مشيرًا إلى أن جميع اللوحات مرسومة بالرمال الطبيعية. ويضيف "عبدالمغني" أن الغرفة الأولى من غرف المعرض تجسد أهم الأعمال التي يمتهنها أهل الواحة، ومنها صناعة الخوص والأقفال وعصر الزيتون الذي تناول الفنان مراحله بداية من تجفيف الزيتون إلي عصره في الخيش، وتجميع الزيت الناتج عنه وتسخينه علي الأدوات الفخارية قبل تخزينه، كما يتناول الحياة اليومية للسيدات متضمنة أعمالهن في صناعة الخبز، وتبدأ من طحن الحبوب في الرحايا مرورا بعجنها وخبزها في الفرن، مضيفا: "حرصت علي تجسيدها بنفس شكلها في الواقع، كما ركزت علي أهم عادات وتقاليد أهل الواحة في الأفراح، إذ أجسد في إحدى اللوحات المرسومة بالزيت ليلة الحناء، وفيها أتناول لحظة تزيين العروس وتلطيخ جسدها بالحناء، وفي المقابل تناولت العريس وهو أمام حلاق الواحة تتساقط عليه "النقوط"، وفي أخري ليلة الزفاف، وفيها تظهر فرقة الطبل البلدي والمزمار والحجالة أمام هودج العروس، يحيطها المعازيم حاملين الأدوات المنزلية "جهاز العروس"". والمتحف يحتوي علي مجموعة أخري من اللوحات التي جسد فيها الفنان الصراعات السياسية التي يعيشها الفلسطينيون، وتعكس الصراع الداخلي للإنسان المعاصر. وأشار "عبدالمغني" إلى أن سور المتحف حفرت عليه العديد من الجداريات، التي تناولت رحلات أهل الواحة في الصحراء والجمالة والرعي في حين يحيط بالمتحف من الخارج صحراء استخدمت فيها وجوه أهل الواحة، وكأنها ثمار علي الأشجار في إشارة إلي العائلة والعلاقات الأسرية المترابطة، التي يتميز بها أهل الواحة. واختتم "عبدالمغني" حديث مع "البوابة" قائلا: إنه يقيم معرضًا لأعماله مرتين كل عام على الأقل، وتأتيه دعوات من مراكز ثقافية أجنبية ودار الأوبرا، منوهًا أن الزوار أغلبهم من طلبة المدارس المصريين والأجانب، كما جرى تكريمه من عدة جهات غربية ودول أوروبية وروسيا ومنظمات دولية وقومية وكتبت عنه صحف عالمية وعربية.