إصابات مباشرة بعدة مواقع في تل أبيب وانقطاع الكهرباء نتيجة الهجوم الإيراني    إيران تشن أوسع هجوم صاروخي على إسرائيل حتى الآن    قوات الحرس الثورى الإيرانى تُسقط 3 طائرات إسرائيلية فى زنجان وسنندج    عادل عقل: تعادل بالميراس وبورتو يشعل مجموعة الأهلى.. وفوز كبير للبايرن بمونديال الأندية    بعد 4 هزائم متتالية.. أمريكا تستعيد الانتصارات بالفوز على ترينداد وتوباجو بالكأس الذهبية    وسائل إعلام إسرائيلية: عدة مواقع في تل أبيب تعرضت لدمار كبير    أحمد السقا يرد على تهنئة نجله بعيد الأب.. ماذا قال؟    الشروق تجيب.. لماذا يتصدر الأهلي مجموعته بعد الجولة الأولى في المونديال؟    ميدو يتوقع خروج الهلال مبكرا من كأس العالم للأندية    «بكاء واعتذار».. تقرير يكشف تفاصيل ما حدث في أزمة تريزيجيه داخل الأهلي    إيران: مقتل 224 مواطنا على الأقل منذ بدء هجمات إسرائيل يوم الجمعة    ارتفاع قتلى الهجوم الإيراني على إسرائيل إلى 16 قتيلا    فيديو.. الأمن الإيراني يطارد شاحنة تابعة للموساد    خلال عودته من الديوان العام للاستراحة.. المحافظ يتجول بدراجة هوائية بشوارع قنا    مجموعة الأهلي.. نتيجة مباراة بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مراجعة اللغة الفرنسية الصف الثالث الثانوي 2025 الجزء الثاني «PDF»    انكسار حدة الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تعلن مفاجأة بشأن طقس الساعات المقبلة    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الإثنين 16 يونيو 2025    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    أحمد سعد يشعل حفل الجامعة الأمريكية، ويحيي الأوائل    وفاة تلميذ متأثرًا بإصابته بلدغة ثعبان في قنا    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    صرف الخبز البلدي المدعم للمصطافين في عدد من المحافظات    زيادة جديدة ب 400 للجنيه.. أسعار الذهب اليوم الإثنين بالصاغة وعيار 21 الآن بالمصنعية    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأثنين 16 يونيو 2025    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    رصاص في قلب الليل.. أسرار مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    مصرع طفلتين في حريق بمنزل أسرتهما بالزقازيق    ضبط موظف تحرش براقصة أرجنتينية في العجوزة والأمن يفحص    إيران تبلغ الوسطاء رفضها التفاوض على وقف إطلاق النار مع إسرائيل    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الإثنين والقنوات الناقلة    وزير الثقافة يشيد ب"كارمن": معالجة جريئة ورؤية فنية راقية    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    يسرا: «فراق أمي قاطع فيّا لحد النهارده».. وزوجها يبكي صالح سليم (فيديو)    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    رجال الأعمال المصريين الأفارقة تطلق أكبر خريطة استثمارية شاملة لدعم التعاون الاقتصادي مع إفريقيا    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    غرفة الصناعات المعدنية: من الوارد خفض إمدادات الغاز لمصانع الحديد (فيديو)    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"واشنطن وبكين" طبول حرب تجارية عالمية تدق الأبواب
نشر في البوابة يوم 17 - 05 - 2019

رغم استباقها بموجة من التفاؤل، إلا أن جولة المفاوضات التجارية الأخيرة نهاية الأسبوع الماضى بين أمريكا والصين فشلت، وبشكل كبير، فى تحريك الماء الراكد، أو تحقيق نتائج متقدمة بسبب فرض واشنطن باقة جديدة من الضرائب على البضائع الصينية.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
وفى سياق توجيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رسالة استباقية للصين، للإسراع فى إبرام اتفاقية تجارية مع إدارته وعدم انتظار بديل له فى الانتخابات الرئاسية عام 2020، قال ترامب فى تغريدة: «المشكلة الوحيدة هى أنهم يعلمون أننى سأفوز، وإذا تم إبرام الصفقة فى فترة ولايتى الثانية، فسيكون الأمر أسوأ بالنسبة لهم».
وخلص ترامب إلى أنه بالنسبة للسلطات الصينية «سيكون من الحكمة التصرف الآن»، على الرغم من أنه «يحب جمع الرسوم الثقيلة».
ويزيد الأمر سوءً ما أعلنه الممثل التجارى الأمريكى روبرت لايتهايزر فى بيان، أن ترامب أمر ببدء رفع الرسوم على جميع الواردات المتبقية من الصين، التى تقدر بنحو 300 مليار دولار، بعد يوم من رفع الرسوم من 10 إلى 25٪ على بضائع صينية بقيمة 200 مليار دولار، ما عرض المفاوضات بين البلدين لانتكاسة كبيرة فى ظل مساعى ترامب لخفض العجز التجارى بين أمريكا والصين، مع فتح الأسواق الصينية بشكل أوسع أمام البضائع الأمريكية، ودفع بكين إلى إدخال تشريعات لوقف الاستفادة بشكل غير شرعى من التكنولوجيات الأمريكية، والتعدى على الملكية الفكرية.
ما جعل الصين تأسف بشدة لاتخاذ الولايات المتحدة هذه الخطوة، وتعهدت بأن تتخذ «تدابير مضادة ضرورية»، ومن شأن هذه الخطوة، كما يرى الصينيون، أن تؤدى إلى تفاقم حالة عدم اليقين فى بيئة التجارة العالمية، وتزيد من التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وتؤثر سلبًا على المعنويات العالمية وتزيد من كره المخاطرة على الصعيد العالمي.
ويتعامل ترامب مع الأزمة بنوع من الهدوء الشديد، حيث صرح بأنه «ليس متعجلًا على الإطلاق» لاستكمال هذا الاتفاق، متيقنًا من الوصول لهدفه، قائلًا: «ستقدم التعريفات لبلادنا ثروة أكثر بكثير من أى اتفاق استثنائى من النوع التقليدي».
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب
أولًا: ملامح وتداعيات النزاع التجارى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية
بدأ النزاع التجارى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية بعد إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى 22 مارس من عام 2018 عن وجود نية لفرض رسوم جمركية تبلغ 50 مليار دولار أمريكى على السلع الصينية بموجب المادة 301 من قانون التجارة لعام 1974 التى تسرد تاريخ «الممارسات التجارية غير العادلة» و«سرقات الملكية الفكرية». وكرد انتقامى من الحكومة الصينية فقد فُرضت رسوم جمركية على أكثر من 128 منتجا أمريكيا أشهرها فول الصويا. وأصبحت الرسوم الأمريكية على ما قيمته 34 مليار دولار من البضائع الصينية فعالة فى السادس من يوليو 2018، وقامت الصين بفعل المثل على القيمة نفسها، وهذه الرسوم تمثل ما قيمته 0.1٪ من إجمالى الناتج المحلي.
ونتيجة لتلك الحرب التجارية المعلنة، وعلى المستوى الاقتصادي، فقد هوت العلاقات بينهما إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، وعلى الرغم من أن بعض التوترات شابت العلاقات بين البلدين خلال العقود الماضية، إلا أن حرب الرسوم الجمركية هى الأكثر شراسة منذ ثلاثينيات القرن الماضي.
ومنذ يونيو 2018، تبادل البلدان فرض الرسوم على سلع بمليارات الدولارات؛ مما ألقى بتأثيرات سلبية على أسواق العالم، وعطل سلاسل إمدادات المصانع وقلص صادرات المزارع الأمريكية، قبل التوصل إلى هدنة فى ديسمبر 2018 لمدة تسعين يومًا، عقب محادثات بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ونظيره الصينى شى جين بينج فى الأرجنتين فى ختام أعمال قمة مجموعة العشرين.
ونتيجة لذلك، فقد شهدت الصادرات الصينية تراجعًا يعد الأكبر منذ ثلاث سنوات، فى شهر فبراير الماضي، مما يزيد القلق بشأن معدلات النمو فى ثانى أكبر اقتصاد عالمي.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن الصادرات الصينية هبطت بنسبة 20.7 فى المائة منذ العام الماضي، إذ تكبدت الصين فى حربها الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية بعض الخسائر، كما هبطت الواردات بنسبة 5.2 فى المائة، وقد سببت هذه الأرقام هبوطًا حادًا فى أسواق البورصة الآسيوية.
ومن خلال حجم الرسوم المفروضة يتضح حجم الأزمة، خاصة أن تحرير التجارة وخفض التعريفات الجمركية والحواجز التجارية عمومًا بين الدول، كانت على مدى العقود الماضية، هى السبب المباشر لزيادة كبيرة فى حجم التجارة العالمية، ودعم سلاسل التوريد العالمية، ففى السابق، انخفض متوسط معدل التعريفات الجمركية على الواردات من قبل أعضاء منظمة التجارة العالمية من نحو 12.74٪ فى عام 1996 إلى 8.8٪ فى عام 2016، وارتفع حجم التجارة العالمية من 5 تريليونات دولار فى عام 1996 إلى 19 تريليون دولار فى عام 2013، غير أنه بالعودة لزيادة الرسوم وتعقيد التجارة، فإن التجارة العالمية تُدفع خطوات إلى الوراء.
وكان صندوق النقد الدولى قد حذر مبكرًا من خطورة الآثار الناجمة عن التصعيد فى الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، على الصناعات التحويلية فى أكبر اقتصادين بالعالم، مع تحول الطاقة الإنتاجية صوب المكسيك وكندا وشرق آسيا، علاوة على التأثيرات الناتجة عن خسائر الوظائف نحو واحد فى المائة من قوة العمل بقطاعى الزراعة ومعدات النقل فى الولايات المتحدة، وخمسة بالمائة فى صناعات تحويلية الصينية غير الإلكترونيات، مثل الأثاث والحلي. وأيضًا احتمالات خسائر القطاع الزراعى الأمريكى نتاج الانكماش الكبير المتوقع.
وفيما يتعلق بالجانب السياسي، فإن العلاقات الأمريكية الصينية التى احتفظت بقدر من الثبات والتوافق مؤخرًا، تواجه الآن مرحلة فارقة وفى حالة اختبار حقيقي؛ فمن الحرب التجارية ومحادثات السلام فى واشنطن، إلى التوترات فى بحر الصين، فقد دخلنا فى فترة من التنافس القوى والطويل الأمد بين الصين والولايات المتحدة، يعكس التحول فى السياسة الأمريكية الذى ستكون له انعكاسات كبيرة على العلاقات الثنائية، ليس ذلك فقط، ولكن تأثيرات أبعد على الأمن العالمي.
ولقد ساعدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، بدءًا من ريتشارد نيكسون وحتى باراك أوباما، فى ظهور الصين كقوة اقتصادية وفقًا لسياسة «التوفيق»، أو سياسة «التعامل البنَّاء» مثلما أطلق على سياسة الرئيس كلينتون، لكن من الواضح أن هناك استراتيجية جديدة يحاول ترامب فرضها قائمة على سياسة «المواجهة»، خاصة مع تزايد نفوذ الصين القوي، وهذا يتسق مع شخصية ترامب الذى ينقلب على كل الثوابت والاتفاقات منذ مجيئه للسلطة، فقد خرج من خمسة اتفاقيات دولية أهمها الاتفاق النووي، واتفاق المناخ، واتفاق الأسلحة التقليدية، وغيرها.
هذا التغيير الأمريكى يبدو أنه عميق وسيستمر إلى ما بعد رئاسة دونالد ترامب؛ لأن هناك إجماعًا فى واشنطن على أن السياسة السابقة مع الصين فشلت ويجب استبدالها عبر اعتماد نهج أكثر تشددًا، خاصة مع تأكيد ترامب بأن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية فى عام 2001 كان «خطأ مميتًا».
لكن هذا التحول الجذرى فى السياسة الأمريكية إزاء الصين يجعلنا أمام إشكالية كبيرة، فالصين ليست كوريا الشمالية أو إيران، وسيكون هناك تبعات كبيرة لتلك المواجهة، سواء على الطرفين أو الاقتصاد العالمى خاصة فى ظل سعى الصين لتشكيل تحالفات قوية ضمن مبادرة «الحزام والطريق»، ومنها جولة الصين فى أوروبا فى محاولة لضم إيطاليا للمبادرة، والتقارب مع فرنسا لتشكيل تنسيق أوروبي.
وبصرف النظر عن الإطار القانوني، وباعتبار أن قرار أمريكا برفع الرسوم الجمركية، يعد خرقًا لقواعد منظمة التجارة العالمية، إلا أن الحرب ما زالت مفتوحة، وسيتمسك ترامب بفرض مزيد من الرسوم دون اكتراث حتى ترضخ الصين.
ثانيًا: لمن الغلبة؟.. حسابات الربح والخسارة فى النزاع التجارى الأمريكى الصيني
ليس من السهل التنبؤ بمن سينتصر فى الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، غير أنه يمكن القول إن كل طرف يمتلك عددا من الأدوات التى يستطيع استخدامها فى مواجهة الآخر، والتى تعزز موقفه وفق مجموعة من الاعتبارات:
1- مدى قدرة الصين على التضييق على الشركات الأمريكية: تمتلك الصين تاريخا فى تبنى تشديد إجراءات الجمارك وفرض تدابير صارمة ورفع كلفة عمل الشركات الدولية على أراضيها، وهو ما يمثل مصدر قلق واضح للأمريكيين. لكن تظل هذه الاستراتيجية لها كلفتها الباهضة على البلدين، إذ ستحد من إمكانية استثمار المصدرين فى السوقين الأمريكية والصينية. كما ستحد من المنافسة وسترفع الأسعار وتقلل الخيارات أمام المستهلكين».
2- ميزان الضغوط.. فرص عزل الولايات المتحدة الأمريكية: خلافًا لما هو بالولايات المتحدة، حيث يُقيد منصب الرئيس دستوريا بفترتين رئاسيتين فقط، ألغت الصين مؤخرًا هذه القيود. وهذا يعنى أن الرئيس الصيني، تشى جين بينغ، لن يواجه أى ضغوط لتحقيق أى نتائج سريعة. ويشمل ذلك سعى إدارة الرئيس الصينى ببطء لتشكيل تحالفات تجارية مع دول أخرى وهو ما قد يؤدى إلى عزل واشنطن. ويرى محللون أن هذا يحدث بالفعل ضمن تحركات بكين الأخيرة إلى دول أخرى فى أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
3- إجراء خفض قيمة اليوان الصيني: إذا قررت الصين شن هجوم مباشر، يمكنها حينئذ خفض قيمة عملتها، اليوان. وسيكون لخفض العملة الصينية تأثير مضاعف، فضعف العملة يعنى صادرات صينية أرخص وأكثر تنافسية، وفى الوقت ذاته سيجعل المنتجات الأمريكية أعلى ثمنا، ولا سيما تلك المعرضة لتعريفات جمركية أعلى، لكن مع ذلك، فإن التلاعب بورقة العملة سيكون قرارا من الصعب اتخاذه.
4- الحد من أرصدة الديون الأمريكية: تحتفظ الصين بديون للحكومة الأمريكية بقيمة 1.17 تريليون دولار، ويتكهن بعض الاقتصاديين بأن الصين قد تحد من أرصدتها من تلك الديون للانتقام إذا ما شُنّ عليها هجوم آخر. فعلى مدار العقدين الأخيرين، اشترت بكين عشرات من سندات الخزانة الأمريكية كوسيلة للاستثمار الآمن، وجمعت الصين المليارات من فوائد تلك السندات.
غير أنه إذا قررت الصين تصفية كمية كبيرة من هذه السندات، فستتلقى الأسواق العالمية هزة كبيرة، إذ سيضعف الارتفاع الكبير فى معروض سندات الخزانة إلى حد كبير قيمتها، وسيجعل اقتراض المال باهظا للشركات الأمريكية والمستهلكين. ونتيجة لذلك، سيشهد الاقتصاد الأمريكى تباطؤًا شديدًا. لكن الأمر محاط بالمخاطرة الكبيرة؛ حيث إن انخفاض الأسعار سيوجه كذلك ضربة إلى الصين، ولن تجد بكين فى السوق بديلًا استثماريًا بنفس ضمانات السندات الأمريكية.
5- اعتبارات الإنتاج واليد العاملة: لا تستطيع الشركات الأمريكية إيجاد يد عاملة رخيصة تغنيها عن واردات الصين؛ وحتى الشركات الأمريكية القليلة التى تحظى بامتيازات ضريبية لبيع وارداتها من الصين بأقل الأسعار، ستحتاج إلى الرفع من الأجور وبناء شركات أخرى، بالإضافة إلى الضغط المتزايد على التضخم ومعدلات الفائدة. ونظرا للقدرة الإضافية الصغيرة المتوفرة، سيكون الاستثمار والتشغيل اللذان تحتاجهما الولايات المتحدة الأمريكية لتعويض السلع الصينية على حساب قرارات الشركات الأخرى التى كانت تحقق أرباحًا أكثر قبل الحرب الضريبية مع الصين. إذًا، فالولايات المتحدة الأمريكية لن تستثمر ولن تُشَغِّل عمالًا جددًا لمنافسة الصين، ما لم تكن متأكدة من استمرار الضرائب لعدة سنوات.
6- النفس الطويل واعتبارات الوقت: يعتبر الاقتصاد الصينى أكثر تنظيمًا من نظيره الأمريكي، كما أن الأسواق الصينية أكثر تماسكًا من نظيرتها الأمريكية، ففى الوقت الذى يمارس فيه الرئيس الأمريكى سياسات حمائية تقوم على العشوائية والارتجال، تنتهج الصين سياسة حكيمة فيما يتعلق بردود الأفعال، إذ يحكم ذلك خطط واستراتيجيات طويلة الأمد تأخذ بعين الاعتبار معدل النمو وحجم التضخم ونسب البطالة فى البلاد.
7- الاصطفاف والدعم: تشير مقدمات النزاع ومخرجاته إلى تخبط أمريكي، وعدم رضاء كامل عن سياسات ترامب، فى مقابل اتزان صينى يقوم على دراية مسبقة بطبيعة الاقتصاد الأمريكي، ومدى قدرته على الصمود فى ظل معطيات جديدة أفرزها فريق اقتصادى ليس الأفضل بين الإدارات الأمريكية التى تعاقبت على حكم البيت الأبيض. وتلك حقيقة يؤكدها عزوف غالبية الأمريكيين عن الاصطفاف خلف رئيسهم فى حربه التجارية، على عكس القيادة الصينية التى تحظى قراراتها ذات الصلة بالتفاف شعبي، ودعم غير محدود.
8- طبيعة النظام العالمي، ومبادرة الحزام والطريق: شهدت الصين خلال السنوات الأخيرة إصلاحات داخلية فى قطاعات كبيرة ومتنوعة، شملت إعادة هيكلة الاقتصاد والصناعة وفق استراتيجية جديدة تقوم على الطلب المحلى والحد من الاستثمار فى الخارج، وهى خطة قد تجعل البلاد أقل اعتمادًا فى المنظور القريب على التجارة الخارجية.
كما أن مبادرة الحزام والطريق الصينية تحظى بدعم إقليمى ودولى من عديد من دول العالم التى تجد فيها تعظيم للمنافع التجارية المشتركة، بعيدًا عن القواعد التجارية الأمريكية الصارمة.
إجمالًا، يمكن القول إن لدى الطرفين تفاهمات مشتركة حول العديد من القضايا، لكن هناك خلافات قوية، غير أن المشكلة تكمن فى أن تلك الخلافات تتعلق بشكل أساسى بقضايا أساسية مهمة لكل طرف، ولا يمكن تقديم تنازلات فيها، وهذا هو عنق الزجاجة.
غير أن الصين لديها العديد من الأدوات التى تستطيع الاستثمار فيها وتوظيفها خاصة بما لها من قبول على المستوى الاقتصادي، باعتبار أنها تنطلق من أرضية اقتصادية بحتة، بعيدًا عن التدخلات السياسية والضغوط الخاصة بملفات معينة والتى تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية. علاوة على الإجراءات الاقتصادية المماثلة التى يمكن أن تتخذها، وهو ما يجعلها فى موقف أكثر قوة نسبيًا ويعطيها القدرة على تجاوز تلك الحرب بنسبة خسائر أقل، فليس هناك منتصر فى تلك الحرب التجارية.
كما أنه، وبصرف النظر عن نتائج النزاع الأمريكى الصيني، فإن النمو الاقتصادى فى العالم يعتبر أصلًا «أقل توازنًا وأقل تناغمًا» فى تلك الفترة، وسيزيد من معاناته تلك الحرب التجارية التى يمكن أن تفضى فى نهاية المطاف لأزمة مالية عالمية جديدة، خاصة مع التوسع الاقتصادى ودخول ترامب فى نزاع تجارى مع كل الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة، بخلاف الصين، حيث برغم توصله لهدنة هشة مع الاتحاد الأوروبى والمكسيك، لكن تظل إدارته تجرى مفاوضات صعبة مع كندا. كما أن اليابان، التى تسجل الولايات المتحدة تجاهها عجزًا تجاريًا بقيمة 56،6 مليار دولار، باتت هدفًا لترامب عقب فروغه من الصين. وفى الأخير، فإن تلك الحرب الاقتصادية هى اختبار حقيقى للأطر النظرية التى تتحدث عن المدخل الاقتصادى فى الهيمنة، وأيضًا فرضيات موازين القوى العالمية ومعطيات العالم متعدد الأقطاب، بحيث سيفند تلك الحجج، بما يؤهلنا لرسم صورة شبه واضحة لطبيعة التفاعلات الدولية وموقع الصين منها، ومدى وجود تحول فى النظام العالمى القائم على التفوق الأمريكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.