للعقيدة الإسلامية أثر بالغ فى نفوس معتنقيها لسماحتها وملاءمتها للنفس البشرية، وهو الذى انعكس بشكل كبير على الفنون فى شتى مجالاتها، كان أبرزها العمارة الإسلامية. فعلى مدار شهر رمضان المبارك تأخذكم «البوابة» فى رحلة بين مساجد مصر وأضرحتها، لنتعرف على تاريخ نشأتها، وتأثيرها الروحانى فى قلوب مُرتاديها. كان ياما كان بقلبى سهم لا بقلبك صائب.. رميت به من سحر أغينها النجل تنام خلى البال مما يحسه.. شبح عيناه بالسهد لا الكحل يُعد مشهد السبع وسبعين من أهم المساجد بمدينة أسوان، والذى يقع ضمن جبانة أسوان، التى تحتفظ بعدد كبير من القبور، والتى يمتد تاريخها من القرن الثانى للهجرة حتى نهاية العصر المملوكى، وبهذه الجبانة توجد أول محاولة لإقامة القباب على الأضرحة فى مصر فى العصر الفاطمى. وازدهرت مدينة أسوان فى العصر الإسلامى، بعد انتشار الإسلام فيها منذ بدء ظهوره، فقد عثر بها على شاهد قبر يرجع إلى عام 31 هجريًا، كما عُثر أيضًا على شواهد قبور أخرى مكتوب عليها الاسم، وظلت أسوان منذ الفتح حتى القرن السادس الهجرى طريقًا إلى عيذاب، حيث تبحر السفن إلى الحجاز والهند، واشتغل أهلها بالتجارة خاصة العطارة، وسن الفيل والصمغ وريش النعام، والتمر. وقد سكن أسوان واستوطن بها بنو الكنز، وهم من نسل ربيعة بن نزار، وقدموا مصر مع خلافة المتوكل على الله العباسى عام 240 هجرية، فى أعداد كبيرة، حيث نزلت طائفة منهم فى أعالى الصعيد، كما كان بها بنو الكنز أمراء أصائل من ربيعة، وهم أهل فتوه ومكارم ممدحون، وصنع لهم الفاضل أبوالحسن على بن عرام الأسوانى سيرة وذكر مناقبهم وحالهم وجمع أسماء من مدحهم، وكانوا مشهورين بالمكارم والإحسان، وقد وصل بنو الكنز فى القرن السادس الهجرى إلى أعلى درجات الثراء والقوة، ما جعلهم يعتقدون أن فى استطاعتهم مناوءة الدولة الأيوبية واسترجاع خلفاء الدولة الفاطمية، ما جعلهم يقصدون القاهرة بغرض إعادة الدولة الفاطمية. ومسجد «السبعة وسبعين وليا» بناه بنو الكنز فى العصر الفاطمى بالقرب من قباب وأضرحة موثاهم من الشخصيات الورعة التقية، كما يتمتع المسجد بالتصميم المعمارى الفاطمى، فهو يتكون من شكل رباعى تبغ مساحته 12 مترًا مربعًا، يقسمه صفان من البوائك إلى ثلاثة أروقة، وتتكون كل بائكة من عمودين من الجرانيت تعلوها عقود تقوم فوقها قباب ضحلة، وقد غطى المسجد بتسع قباب، وللمسجد مدخلان فى مواجهة حائط القبلة يؤديان إلى ردهة بعرض المسجد تتقدم الأروقة. ويشبه مسجد «السبعة وسبعين وليا» مشهد ابن طباطبا بالقاهرة، غير أن الدعائم ذات التخطيط المتعامد قد حل محلها أعمدة من الجرانيت فى أسوان، كما أن المحراب فى المسجد مستدير من الخارج، وهذا ما يجعل المشهد يرجع إلى العصر الفاطمى. يقول الأدفوى فى وصف أسوان: «وقد خرج من أسوان خلائق كثيرة لا يحصون من أهل العلم والرواية والأدب، ويقال إن قاضى قوص ذهب مرة لزيارة أسوان فخرج لاستقباله أربعمائة راكب بغلة للقائه، وكان بها ثمانون رسولًا من رسل الشرع، كما أخبرت عن مخطوط فيه اسم أربعين شريفًا خاصًا ومخطوط آخر فيه سبعون شريفًا دون غيرهم، كما حصلت على مخطوط به أسماء أربعين من أبناء الصحابة مؤرخ بعد العشرين وستمائة».