ردًا على ما أطلقه الكاتب العراقي كوهر يوحنان عوديش، في 7 مارس 2019، صرخة لتشكيل ما وصفه ب"مرجعية مسيحية بحجم المأساة"، علق البطريرك روفائيل ساكو، بطريرك الكلدان بالعراق، في بيان له اليوم، مؤكدا أن الموضوع بات ضرورة مصيرية، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من "القلة" الباقية من المسيحيين في العراق، ولكن السؤال المهم هو: كيف يمكن تحقيق ذلك على أرض الواقع؟ وإلى نص البيان: إن المشكلة الكبرى هي أن "البيت المسيحي" منقسم بسبب المصالح الذاتية الضيقة، والانتماءات الفئوية، وهجرة الكفاءات، واختلاف الرؤى، فإذا طلبنا توحيد صفوفنا في تسمية واحدة، على سبيل المثال "المكوّن المسيحي"، خرج من ينتقد ويرفض التسمية، ويطالب بتبني تسمية قومية: كلدانية أو آشورية أو سريانية أو أرمنية، إلخ. حاولتُ عدة مرات تشكيل مرجعية سياسية مسيحية من العلمانيين، فتمّ إجهاضها بسبب النزاع على الزعامة والانتماء إلى أجندات غير مسيحية تعمل لاسترضائها، كما في التلكؤ الحاصل بعودة المسيحيين إلى بطنايا وتكليف وإعمار بيوتهم. وقد حاولتُ إيجاد "تسمية" قومية تجمعنا، لكن جوبهت بإصرار على تسمية قومية واحدة من طرف واحد، والأنكى من ذلك خرجنا بتسمية "مركّبة" أراها مهينة. اليوم وضعنا السياسي سيئ: الأحزاب الكبرى قسّمتنا، وخطفت "الكوتا" وصادرت إرادة المكوّن المسيحي وحتى القومي. ونجد من بين هؤلاء وتحت ذريعة استحقاقات انتخابية، من يسعى للاستحواذ على كل المؤسسات الخاصة بالمسيحيين لصالحه، معتقدًا أن المنصب السياسي هو تجارة رابحة، أذكر أن أحد الأشخاص، كان قد رَشَّح نفسه لمجلس النواب، وزارني طالبًا دعمه لكي يحصل على بيتٍ وأموال لم يستطع الحصول عليها طوال عمره! إننا نسمع كل يوم انتقادات للكنيسة واتهامات ببيع كنائس وممتلكات وتسييس المقدس واختلاس الأموال. هذه شائعات عارية عن الصحة. أدعو من هذا المنبر كل من يمتلك أدلة ملموسة، ليقدّمها إلى البطريركية، وإني مستعد أن أحاسب أي رجل دين في نطاق كنيستنا الكلدانية بذلك؟ ثمة لجان مالية واجتماعية تتابع هذه الشئون في كل أبرشية بمهنية وشفافية. هذه اتهامات كلامية عدوانية. أما من هم في الخارج فانهم يعقّدون "المشهد المسيحي" في الداخل بإنتقاداتهم غير الدقيقة وغير المسؤولة تجاه الكنيسة والكلدانية بالذات. إني بكل صراحة أقول: لولا كنائسنا، لَماَ بقي في العراق اليوم سوى بضع مئات من المسيحيين، وذلك بسبب كل التحديات والضغوطات وخصوصًا التهجير القسري. ولكان الاستحواذ على مناطقهم وبيوتهم وعقاراتهم قد حصل كما حدث لليهود، من قدامى العراقيين بعد 1948. إن الكنيسة الكلدانية التزمت ضمن مسئوليتها بالتدخل في الشأن العام من أجل الدفاع عن حقوق العراقيين وحقوق المسيحيين والمطالبة بدولة مدنية وتفعيل المساوة في المواطنة، ولم تطلب يومًا ما إمتيازات مادية أو سياسية لها. من يُريد الخير للمسيحيين والعراقيين، لا ينتقد على الشبكة العنكبوتية، بل لتكن لديه الشجاعة والغيرة للعودة إلى العراق. وليبادر الى تشكيل مرجعية مسيحية أو قومية بمستوى المأساة، مثلما يسعى الإخوة الإيزيديون والتركمان والشبك، لكي يجمع الشمل، ويُطالب بتعديلات على الدستور والتشريعات المجحِفة بحقّنا. لذا ندعو المسيحيين إلى الاستفادة من أخطاء الماضي والحاضر والتفكير بطريقة جديدة، وإتخاذ خطوات شجاعة وملموسة، على أرض الواقع، بهدف الحفاظ على وجودنا وعيشنا المشترك وتاريخنا معًا كمسيحيين، كلدان وآشوريين وسريان وأرمن. نحن بحاجة الى تجاوز الفرقة وتوحيد الصف بإرادة واحدة، لبلورة رؤية واضحة لبقائنا في بلدنا وتواصلنا مع اخوتنا المسلمين ومع المكونات الأخرى. لربما مفيدٌ أن تتشكّل من كوادر علمانية مقتدرة مؤمنة بالحوار الشجاع والبناء، ما يمكن أن يعدّ "خلية أزمة" للنهوض بالمهام التالية: مختتمًا، تعميق الثقة وترسيخ قيم المواطنة الكاملة، والعدالة والمساواة والاحترام، وضمان شراكة حقيقية لجميع المكونات في العملية السياسية على قاعدة الكفاءة، وليس على أساس الانتماء العشائري والطائفي، والإسهام في تطوير مؤسسات الدولة لجهة رفاهية الشعب.