هل جربت من قبل أن تواجه جريمة بشعة وفى الوقت ذاته عاجز عن منعها؟ أن تُسابق الزمن مُتسلحًا ببضع مُكالمات هاتفية؟ بل، هل وضعت نفسك مرة فى موضع هؤلاء القابعين خلف هواتف أرقام الطوارئ، والذين اعتادوا العجز أمام كل كارثة يسمعون صوتها بينما هُم ملزمون باتباع بروتوكولات العمل الصارمة؟! كل هذه الأنفاس المتوترة يُمكنك أن تحبسها فى غرفة واحدة مع الممثل السويدى جاكوب سيدرجرين، بطل الفيلم الدانماركى Den Skyldige أو «المُذنب»، الذى يقضى المُتفرج ما يقرب من 84 دقيقة مُتابعًا له وهو يُجسّد حالة مختلفة صنعها سيناريو المخرج الدانماركى جوستاف مولر، بينما يتجول بين غرفتين هما قوام مركز تلقى اتصالات الطوارئ فى شمال البلاد تحسبًا لكارثة إنسانية. يحكى الفيلم الذى كان عرضه الأول فى يونيو من العام الجاري، وجاء العرض الأول له بالشرق الأوسط ضمن الاختيار الرسمى خارج المسابقة بالدورة الثانية من مهرجان «الجونة» السينمائى فى نهاية سبتمبر الماضي، حول الضابط «آسجر هولم»، الذى يُجسّده سيدرجرين، والذى يقضى فى ملل ونفاد صبر يومه الأخير كمُتلقٍ لمكالمات الطوارئ على الرقم 112، التى نُقل للعمل فيها لحين انتهاء محاكمته بسبب خطأ مهني، قبل ساعات من محاكمته الأخيرة التى استعد لها ليعود كضابط تحقيقات مرة أخرى. يتمنى آسجر نهاية العمل الروتينى البطيء، فيرد على المكالمات بملل يليق بما تم تخفيضه من راتبه، فيستخف بهدوء من أزمات المتّصل بهم الطفيفة، مثل من يتصل به لانقلاب دراجته؛ لكن فجأة يصله اتصال من امرأة تعرضت للاختطاف، لم يكد يتلقى بضع كلمات حتى انقطع الاتصال بشكل مفاجئ. يبدأ آسجر البحث عن المرأة وخاطفها، ينسى أن دوره يقتصر على تلقى الاتصالات وتحويلها إلى آخرين يتولون مسئولية فحصها، وعبر عدة مكالمات بين مركز الطوارئ الرئيسى، ومنزل المرأة التى استطاع الوصول إلى رقمه، وصديق آخر فى مركز الشرطة هو «راشد»، الذى ظهر عبر الهاتف وأدى دوره المخرج الدانماركى لأب فلسطينى عمر شرقاوي، سباق مع الزمن لمنع جريمة بشعة أيقن من شواهدها عبر ما روته له المرأة فى المكالمة. تكمن براعة الفيلم، الحاصل على أكثر من 13 جائزة عالمية فى مهرجانات «صنداس وزيورخ وروتردام ومونتريال... وغيرها»، والذى بدأ عرضه التجارى العالمى فى 19 أكتوبر الماضى بالولايات المتحدة، فى تصويره بالكامل فى موقع تصوير واحد هو مركز تلقى اتصالات الطوارئ، فقط يجلس آسجر وحوله بضعة زملاء، بينما تلعب أصوات المرأة «إيبن» التى جسدتها الممثلة جيسيكا ديناج، وزوجها «ميكيل»، وطفلتها الصغيرة «تيلدا» ذات الصوت المذعور دومًا كل التنوع فى الأحداث. يمزج الموسيقى أوسكار سكيفر فى الفيلم بين الموسيقى التصويرية والأصوات القادمة عبر سماعة الهاتف، مع انفعالات الضابط الملول الذى تحوّل إلى باحث نهم عن المرأة، فيأخذنا من سيارة مسرعة إلى مسرح جريمة دموية متساوية فى المصداقية عبر المشاعر القوية التى تحملها كلماتهم، وتعبيرات وجه الضابط الذى يشعر بأزمة نفسية كبيرة، لذا، تأتى لحظة الحقيقة بالنسبة للضابط الذى كان قد اتفق مع زميله على شهادة مزيفة فى المحكمة من أجل عودته لمنصبه كمحقق، حينما يُدرك فى المُكالمة الأخيرة أن هناك من يرتكب الجريمة دون أن يُدرك ذلك، بينما هو كان يعرف أن ما أقدم عليه خطأ لكنه استمر فيه وحاول إخفاء أثره وتزييف الحقيقة.