تعمل إيران على تخفيف خلافاتها مع الدول الآسيوية، أملًا فى خلق التوازن الدولى الذى يسمح لها بالفكاك من أثر العقوبات الدولية، ما دفعها أخيرًا إلى توقيع اتفاقية بحر قزوين مع دول القوقاز «روسيا، كازاخستان، أذربيجان، تركمنستان»؛ لتنظيم استغلال موارد بحر قزوين بين الدول، كما تحاول إيران أن تلعب دور المايسترو الاقتصادى فى آسيا للتوفيق بين معظم خطط التنمية، سواء طريق الحرير أو مشروع تطوير بحر قزوين. وكان الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» أعلن انسحاب الولاياتالمتحدةالأمريكية من الاتفاق النووى في مايو الماضى، بعد 3 سنوات فقط من توقيعه، وترتب على الانسحاب الأمريكى من الاتفاق النووى العديد من التبعات القاسية على الاقتصاد الإيراني؛ الأمر الذى فجر موجة من الغضب الشعبى بعد أقل من شهر من إلغاء الاتفاق النووي، ففى نهاية شهر يونيو 2018 شهدت البلاد احتجاجات ما يعرف بالبازار؛ ما هدد استقرار نظام الولى الفقيه الذى بات يعانى من اختلالات هيكلية جسيمة، متمثلة فى العديد من الأزمات الأخرى كأزمة القيادة. وفور انسحاب الولاياتالمتحدة من الاتفاق النووي، بدأت تتخذ سياسات أكثر صرامة إزاء النظام الإيراني؛ وهدد «ترامب» بفرض عقوبات على بعض الدول التى تتعاون مع النظام الإيراني، ما دفع شركات النفط العالمية إلى الخروج من إيران، مثل شركة النفط الفرنسية «توتال»، التى أعلنت يوم 20 أغسطس الماضى مغادرتها إيران، وتخليها عن مشروع تطوير المرحلة 11 لحقل بارس، رغم أن حصة توتال فى المشروع 50.1٪، فيما تمتلك شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC) نحو 30٪، أما شركة بتروباس الإيرانية فتمتلك 19.9٪. وإزاء العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني، لم تجد طهران بدًّا من إعادة تفعيل شراكتها مع محيطها الآسيوي، خاصةً شرق آسيا الذى يمثل قوى تنمويةً ضخمةً متمثلةً فى الصينوالهند ودول القوقاز. توجه السياسة الخارجية الإيرانية إزاء دول شرق آسيا ومنطقة القوقاز، لم يكن وليد العقوبات الأخيرة؛ حيث انتهجت إيران سياسة تعزيز علاقاتها مع الدول الآسيوية، كتعويض لأزماتها المتتالية مع الغرب وأمريكا والدول العربية على وجه الخصوص. وأطر التعاون بين طهران وجيرانها متعددة ومتشابكة إلى أبعد الحدود، ما بين علاقات ثنائية واتفاقات شراكة واستثمارات انتهاء، بمحاولات ترتيبات إقليمية تضمن تحقيق أعلى معدلات التبادل السلعى بين دول المنطقة؛ خاصة دور إيران فى تشكيل ممرات الشحن والتبادل التجاري. تعد منطقة آسيا الوسطى والصينوالهند من أكثر المناطق فى العالم الواعدة اقتصاديًّا؛ نظرًا لما تمتلكه من مؤهلات تجعلها الرائدة عالميًّا فى مجالات التنمية، مثل الوفرة السكانية والموارد الطبيعية والخبرات التكنولوجية المتقدمة، فضلًا عن الموقع الجغرافى، وبناءً على المقومات السابقة انطلقت المبادرات الاقتصادية الكبرى؛ لتعزيز فرص التنمية فى دول المنطقة مثل «مشروع طريق الحرير الجديد»، ومشروع إنشاء ممر شحن دولى بين الهند وأفغانستان وإيران؛ لتعزيز أهمية ميناء تشابهار الإيراني. وفيما يخص مشروع طريق الحرير الجديد، فقد أعلن الرئيس الصينى «شى جينبينغ» عام 2013 عن مبادرة «الحزام والطريق» التى تهدف لإعادة إحياء طريق الحرير القديم، وتسهيل عملية التواصل والترابط بين دول الشرق ودول الغرب، من خلال إنشاء وتشييد شبكات الطرق الكبرى والسكك الحديدية وأنابيب النفط وخطوط الطاقة الكهربائية بين جميع الدول الواقعة فى نطاق المبادرة. وتعد إيران من الدول الرئيسية والمحورية التى ستشملها المبادرة الصينية الجديدة؛ لذا تولى إيران عنايةً شديدةً بمبادرة «الحزام والطريق»؛ لاعتبارات عدة، أهمها: تطوير البنية التحتية الإيرانية وتشجيع فرص الاستثمار، خاصة فى مجالات الطاقة. وتحقيق الانفتاح الاقتصادى لإيران على العالم. والالتفاف على العقوبات الاقتصادية التى تفرضها أمريكا عليها من وقت لآخر تحت دعاوى مختلفة. وفرض الهيمنة الاقتصادية الإيرانية على دول المنطقة العربية باعتبارها المحطة الأكثر استراتيجية فى المبادرة. ومن المؤكد أن ثمة سياسات بعينها ستتبعها طهران؛ لإنجاح دورها فى مشروع طريق الحرير الجديد، ومنها تخفيف حدة التوتر فى العلاقات مع دول الجوار، خاصةً باكستان التى يشملها الطريق الجديد، وتقليل حجم تدخلاتها فى بعض الدول. وأهم عقبتين تواجه الطريق حاليًّا هما التوترات السياسية بين دول المبادرة من ناحية، ومن ناحية أخرى الاضطرابات الأمنية فى بعض الدول، خاصةً الدول العربية مثل سوريا والعراق، المتسبب فيهما التدخلات الإيرانية.