تعمل كل خلية في أجسامنا على مدار 24 ساعة بانضباط وفق دورة الليل والنهار. ويقوم الدماغ بدور منظّم الوقت للحافظ على تزامن الساعة الداخلية لخلايا الجسم مع العالم الخارجي بحيث تضبط الشهية والنوم والمزاج وأشياء أخرى كثيرة. غير أن بعض الأبحاث الحديثة تظهر أن هذه الساعة البيولوجية قد تكون مكسورة في أدمغة الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب، حتى بالنسبة لنشاط جينات الخلايا داخل الدماغ. وتعتبر هذه الدراسة التي أجرتها جامعة ميتشغان والأكاديمية الوطنية للعلوم أول دليل عملي على أن الإيقاع اليومي يتغير في دماغ المصابين بالاكتئاب، وأنها تعمل خارج التزامن مع دورة اليوم المعتادة. وجاء هذا الاكتشاف عن طريق غربلة كميات هائلة من البيانات المستقاة من عقول أشخاص متبرعين مكتئبين وآخرين غير مكتئبين. ويمكن أن تؤثر هذه النتائج على تشخيص العلاج لمرضى الاكتئاب الذين يقدرون بحوالي 350 مليون شخص حول العالم. ويكشف هذا البحث الواسع عن إيقاع يومي لم يكن معروفًا من قبل لنشاط جينات في مناطق معينة من الدماغ، كاشفًا عن دور حاسم وموسع للساعة البيولوجية في الدماغ. وقد وجد الباحثون أن نشاط الجينات في الدماغ العادي في وقت معين من اليوم يكون دقيقًا ومميزًا للغاية إلى درجة يمكن استخدامه لتقدير توقيت وفاة المتبرع بالدماغ. وتفيد دراسة توقيت توقف الساعة البيولوجية في الطب الشرعي. وعلى النقيض من ذلك، في حالة المرضى باكتئاب شديد، تعطّل إيقاع الساعة إذ بدا النشاط الجيني خلال ساعات اليوم كما لو كان ليلًا، والعكس صحيح. وقد استخدم فريق البحث عقول متبرعين تمّ الحصول عليها بعد وقت قصير من الوفاة، إلى جانب معلومات سريرية واسعة النطاق عن هؤلاء الأشخاص، وتمّ تشريح الخلايا بواسطة أشعة الليزر لقياس نشاط الجينات. وقاد فريق البحث الدكتور جون لي، الأستاذ المساعد في علم الوراثة البشرية بجامعة ميتشغان، ويصف كيف سمح هذا التحليل بالتنبؤ بدقة بساعة وفاة الأشخاص غير المكتئبين قائلًا: "كان هناك حقًا لحظة اكتشاف"، فقد تمّ تحليل 12 ألف جين في أدمغة 55 شخص من غير المكتئبين. وبيّن التحليل كيف يختلف نشاط الجينات على مدار اليوم. بينما أظهر التحليل اختلافًا في نشاط الجينات لدى 34 من المكتئبين. ويضيف الدكتور لي: "أظهرت الجينات في أدمغة غير المرضى بالاكتئاب تزامنًا مع الإيقاع الزمني لليوم ودورة الليل والنهار، بينما بدت أنشطة جينات المرضى بالاكتئاب وكأنهم يعيشون في منطقة زمنية مختلفة عن تلك التي عاشوا وماتوا فيها".