على بعد خطوات من «الغيط والترعة» وأنت تتأمل فى جمال تكوين الريف المصري، لن تجد أبسط من «عم مغاوري» هذا الرجل الستينى الذى يفترش الأرض ويمارس مهنة ربط أقفاص الجريد وتثبيتها بأسلاك المعدن الرقيقة ليزيد عمرها الضعف، ورغم كونه سكرتيرا سابقا بالتربية والتعليم، إلا أنه لم يستغن قط عن تلك الصنعة التى ورثها عن والده، وعمل بها لمدة 50 عامًا لتعينه على صعوبات الحياة وتربية أولاده الأربعة حتى وصل ببناته الثلاث إلى بر الأمان، ومازال يكافح من أجل نجله الأصغر «آخر العنقود»، طالب الثانوى الذى يتمنى والده رؤيته فى أفضل حال. عن صنعته يقول «عم مغاوري» البالغ من العمر 60 عامًا والمقيم بإحدى قرى القليوبية، إنها لن تنقرض أبدًا، رغم تطور صناعة الأقفاص وأساليب حفظ الخضروات والفواكه، وكأنه فضل الصمت وتحدثت بدلًا منه خبرة السنين التى قضاها فى تلك المهنة، حيث تفسد بعض أصناف الخضروات إذا تم حفظها أو تخزينها فى أقفاض البلاستيك أو ال«كراتين» مثل «الطماطم»، كما أن خوص الجريد يستخدمه المنجد لحشو الكراسى والأنتريهات، لأنه أفضل من الإسفنج. وعن زيادة الأسعار قال: «أنا مش قلقان على حال البلد حتى مع الأسعار اللى كل شوية تزيد دي، ومش خايف من بكرة ولا بفكر فى مستقبل ولادى طول ما ربنا موجود، زمان يا بنى لما الكفار حاصروا المسلمين سنتين أو تلاتة مماتوش من الجوع وعاشوا على ورق الشجر لحد ما الحصار خلص وبقوا هما قادة القوم فى عصرهم». ويختتم «الحياة علمتنى الصبر وشوفت منها كتير ياما ومش عيب أبدًا إنك تشوف شغل تانى جنب وظيفتك عشان تقدر تصرف على بيتك وعيالك، لكن العيب إن ابنك أو حد من بيتك يكون محتاج حاجة وأنت متحاولش حتى تجيب لهم الحاجة دى ومتسعاش عشان توفرها، وقلة الأصل إنه يكون معاك وتضيق العيشة على الناس اللى مسئولين منك».