26 ألف مستند وبراءة اختراع مكدسة في مخازن لا تتعدى مساحتها 200 متر - غرفتا الفاحصين لا تكفي 30% من الموظفين.. وشبكة المعلومات والسيرفرات لا تحمل سوى 3 صناديق فقط "لا يوجد مكان لدينا لتسجيل براءات الاختراع.. ولدينا أزمة في عددها وعندنا ملفات كثيرة جدا لها ولكن للأسف معظمها داخل المكاتب المغلقة لدرجة أنني قمت بمخاطبة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية للتنسيق فيما بيننا منذ عامين ولكن لم يهتم أحد.. واختراعات الناس مكدسة في ممرات مفيش أضيق منها.. حتى الفاحصين والموظفين مش لاقي ليهم مكان يمارسوا فيه عملهم..". بتلك العبارات المنفعلة استقبلني المهندس عادل السعيد حسن عويضة رئيس مكتب براءات الاختراع التابع لأكاديمية البحث العلمي لمجرد أنني سألته عن عدة استفهامات وحاولت الوصول للإجابة، لماذا يقطع المخترع المصري مشوارا طويلا للحصول على براءة اختراع وتكليفه مصروفات ورسوما لا عدد لها ولا حصر بجانب تكاليف النماذج التي يقوم بتصنيعها لابتكاره؟ وكيف تسمحون لفاحصين غير مؤهلين بمناقشة أفكار بعيدة عن مجالات تخصص كل مخترع؟ ولماذا عددهم صغير لا يتجاوز المائة؟ لم أنته من كلامي، حتى بادرني المهندس "عويضة " قائلا "دعني أطلعك على حقيقة المكان الذي نعمل فيه"، كانت فرصة حقيقية لدخول عالم تسجيل براءات الاختراع، حملت معي كاميرتي وأسرعت خلفه بمنتهى الحماس ليكشف لي عن جانب آخر لم نلتفت له من قبل، عبرنا ممرا ضيقا يربط بين مكتب رئيس البراءات وجدت لافتة مكتوبا عليها غرفة استقبال طالبي براءة الاختراع، وهي حجرة صغيرة تأخذ شكل مثلث، لا يوجد بها سوى منضدة صغيرة و3 كراسي، وتلك الغرفة الرطبة الصغيرة تستقبل مقدمي الطلبات ويقوم الموظفين بمراجعه الاوراق والبيانات، وعلي احد جدران الغرفة يوجد شباكين لاستلام الطلبات، وفي مواجهتها شباكان آخران لطلب الأبحاث ومركز المعلومات. وبجوار غرفة الاستقبال توجد غرفة الشئون القانونية التي تعمل طوال عام كامل وفق جدول زمني حددته اتفاقية باريس بمراجعة كل المستندات والأوراق التي قدمها المخترع والبحث على جميع قواعد البيانات العالمية بحثا عن كل ما يمكن أن يتشابه مع الاختراع الذي قدمه حتى لا يتم إصدار براءة يوجد مثيل لها في العالم، بالإضافة لمراجعة الوثيقة التي أكد رئيس مكتب براءات الاختراع أن 95% من طالبي الاختراع المصريين لا يجيدون كتابتها. وعندما سألت عن كيفية متابعة جميع الاختراعات في العالم؟ أخذني إلى غرفة جانبية صغيرة جدا ولا تتعدى مساحتها عشرة أمتار لا يوجد بها سوى جهاز كمبيوتر محمول على صندوق من الألومنيوم طويل يضم مئات الأسلاك لشبكة المعلومات، متصلة بصندوقين ماركة "Dell" و"HP" في كل منهما سبع سيرفرات متصلة بالإنترنت وبالشبكات الدولية لمكاتب الاختراع في العالم. خرجنا من غرفة الشبكات إلى ممر آخر طويل وضيق لا يتعدى عرضه المتر ونصف المتر، إلى غرف الفاحصين، قطعا توقعت أن غرفة بها 100 فاحص يغطون 72 مجالا بحثيا ستكون مناسبة ومريحة لفحص ومناقشة المخترع في أفكاره، لكنني وجدتها تتكون جناحين فقط كل جناح لا تتعدى مساحته 30 مترا فقط، وبكل جناح 15 ستاند به جهاز كمبيوتر ومجموعة من الملفات وعشرات الجداول التي تحدد طبيعة ويوم عمل الفاحص، خاصة أن الموقع مؤهل لاستقبال 30% فقط من الفاحصين، وعلى استحياء كان هناك بجوارهم ممر أضيق وأضيق للتظلمات، مجرد ستاند طولي وبجواره أربع كراسي وكومة من الملفات. لم تنته الرحلة عند هذا الحد فكما قال المهندس عويضة "لم تر الأهم بعد"، فعدنا إلى نفس الممر الضيق إلى غرفة كتب عليها "مخازن الاختراعات"، وبمجرد أن فتح رئيس مكتب براءات الاختراع باب الغرفة هالني ما رأيت، غرفة لا تتعدى 200 متر، تم تقسيمها إلى ممرات خشبية ذات أرفف لحفظ الملفات لا تتعدى أطوالها 30 سنتيمتر، ورغم أن الحواجز الخشبية ارتفعت إلى عنان سقف الحجرة المستطيلة، إلا أنها لم تكف على الإطلاق جميع الملفات، حتى إن بعض الطلبات تم وضعها على الأرض بجوار الأرفف. الغريب أن مكتب براءات الاختراع تحايل على ضيق المساحة التي تحمل أكثر من 26 ألف براءة اختراع، فصنع ممرات بحجم وارتفاع الغرفة، ولم يترك أي مساحة فراغ سوى 50 سنتيمتر فقط ليسمح للموظفين بالانتقال بين الأرفف بحثا عن أي طلب أو براءة اختراع أو وثيقة محددة، وتم تحديد كل رف بسنة محددة وكل صف من الأرفف بشهر محدد لسهولة البحث والفرز. وقد أكد المهندس عادل عويضة أن مكتب مصر رغم تلك الإمكانيات يعد ضمن من أفضل 14 مكتبا على مستوى العالم، حيث إنه متخصص في البحث والفحص للدوليين ضمن 148 دولة عضو باتفاقية التعاون بشأن البراءات، مبينا أن هناك دولا متقدمة لم يتم اختيارها مثل المكتب إنجلترا وفرنسا وإسبانيا والنمسا، أما المكاتب التي حصلت على سلطة البحث والفحص منها المكتب الأمريكي والأوروبي والسويدي والألماني والنمساوي والكوري والصيني والياباني. وأوضح أن التعامل مع مقدمي الطلبات يتم يدوياً، لأن القانون المنظم يلزم المكتب بتسليم الإخطارات بالبريد بعلم الوصول، وفي مصر للأسف الشديد لا يمكن الوثوق بالبريد ولا يعتمد عليه، أما الإجراءات التي تتضمن تقديم الطلبات، حتى صدور البراءات فهي الكترونية. وحول الحماية التي يقدمها المكتب للمخترعين، أكد على أن براءة الاختراع محلية، فلا توجد حماية دولية للاختراعات، لكن في الوقت نفسه لا تمنح براءات جديدة قبل التأكد من عدم وجود الاختراع سابقة لنفس موضوع طلب البراءة بقاعدة البيانات الدولية قبل منح البراءة، لكن قبل ذلك لا بد من تحديد عناصر الحماية للاختراع، مشيرا إلى وجود شروط لمنح البراءة، هي أن يكون طلب البراءة جديدا وقابلا للتطبيق الصناعي وابتكاري وتمنح البراءة لمدة 20 سنة، ويستثنى الشرط الثالث فى حالة نماذج المنفعة، التي تعطي حماية لمدة 7 سنوات وهدفها تشجيع صغار المخترعين.