تظل قضية العبث بالآثار والتراث عرضًا مستمرًا، فنحن نملك أقدم وأندر المبانى والقطع الأثرية فى العالم، حيث نجد أن القاهرة وحدها تملك آلاف القطع التراثية والمبانى الأثرية التى لا مثيل لها، ولكنها فقدت بريقها بفعل قوى الإهمال وغياب برامج الترميم وإعادة التأهيل كما هو معمول به فى العالم كله. وزارت «البوابة نيوز» سور مجرى العيون، لترصد حجم الانتهاكات التى تعرض لها السور على مرأى ومسمع من الجميع، ولا أحد يهتم بالتاريخ المصرى وتراثه. وفور أن تطأ قدماك بالقرب من السور بميدان السيدة عائشة، تجد أشخاصًا يتبولون عليه، والمؤسف أن كل هذا يحدث بجوار المكتب التابع لهيئة الآثار، بالإضافة للمخلفات التى انتهكت تاريخ السور وقيمته التاريخية.
القمامة تملأ سور مجرى العيون وتحول السور إلى مركز لمروجى المواد المخدرة، إضافة إلى استخدامه لتربية الحيوانات والقاء مخلفات مصانع الغراء والجلود، بعدما كان يمد المصريين بالمياه فى السابق. وقام الكثيرون بالكتابة عليه، أو لصق لافتات للترويج عن سلعهم ونشاطاتهم المختلفة، واحتل العديد من الأهالى السور لعمل مشاريع مختلفة، من ورش تصليح وسمكرة السيارات، إلى المقاهى و«نصبات» الشاى، ويقوم الأهالى أيضًا بحرق القمامة بجواره الأمر الذى أدى إلى تشويه شكله الحجرى الجميل. السكان يشكون الإهمال ويقول الحاج «إبراهيم»، 67 عامًا، إنه سعد كثيرًا وقتما بدأ مشروع تطوير وترميم السور، ليعود لسابق عهده، ولكن سرعان ما توقف المشروع، ورغم عودة المشروع مرة أخرى، بعد نقل المدابغ إلى منطقة «الروبيكى»، فإنه أبدى خشيته من توقف المشروع مرة أخرى، خاصة أن العديد من المدابغ ما زال موجودًا فى مكانه حتى يومنا هذا. ويضيف الحاج إبراهيم: «لقد قمت باللعب أعلى السور فى صغرى، فهو لا يعتبر بالنسبة لى ذا أهمية أثرية وتاريخية كبيرة وحسب، بل يحمل أجمل ذكريات الطفولة التى عشتها، وأمر من أمام السور كل يوم وكبرت فى السن وأنا أنظر إليه، وهو يتهاوى يومًا بعد يوم». وحذر الحاج إبراهيم من أن إهمال السور سيحمل الدولة مبالغ طائلة بدون جدوى، قائلا: لا أعلم المبالغ التى تم صرفها على تطوير السور المرات الماضية، ولا المبلغ الذى تم صرفه على المدابغ الجديدة، التى لم يتم نقل إلا عدد قليل منها حتى الآن، ولكن ما أعلمه جيدًا أن كل هذه المماطلات والتأخر فى إنقاذ السور من الضياع ليس إلا إهمالًا من المسئولين وأن كل يوم يمر على السور سيكلف الدولة مبالغ إضافية للتطوير، وأخشى أن يصل السور إلى حالة لا يمكن فيها إنقاذه. وقال «أبوعدى» من اليمن، والذى يسكن بالقرب من السور بمنطقة فم الخليج، «السور له قيمة تاريخية عرفتها منذ وصولى لمصر، وأنا لا أتعجب من معاملة الأهالى للسور وحسب، ولكنى أستغرب تأخر الدولة فى إنقاذ السور حتى الآن». ويقول الأسطى «على»، صاحب ورشة تصليح سيارات بالقرب من السور، إن الأهالى يعلمون القيمة التاريخية للسور، ولم تمسه يده بسوء، فنحن ورثنا الورشة من آبائنا، ونعلم أن السور يعتبر بناء فريدًا من نوعه، ونحاول الحفاظ على المسافة التى نستطيع السيطرة عليها أمام الورشة حفاظًا على السور والشكل العام. وكان جهاز التنسيق الحضارى، بالمشاركة مع محافظة القاهرة، وهيئة الآثار، ووزارة السياحة، بدأ مشروع تطوير وترميم السور، وتم بالفعل صرف 25 مليون جنيه، ولكن المشروع توقف ولم يكتمل، لتعود حالة السور أسوأ مما كانت عليه فى السابق. خبراء: الوزارة عاجزة ويشير الدكتور محمد حسام الدين إسماعيل، عضو بلجنة التراث، والأستاذ بقسم الآثار جامعة عين شمس، إلى أن الدولة قامت بالعديد من المشروعات والخطط لتطوير سور مجرى العيون، والارتقاء به كونه قيمة تاريخية مهمة، ولكن المشكلة ليس فى الخطط التى تقوم بها وزارة الآثار، إنما هى عقول المواطنين أنفسهم من ناحية إلقاء القمامة بجوار السور ومعاملته معاملة خاطئة، فوزارة الآثار أصبحت عاجزة عن الاهتمام وتطوير المبانى والمنشآت الأثرية كما ينبغى، خاصة بعد توقف حركة السياحة التى كانت تمد الوزارة بالتمويلات اللازمة لتطوير وترميم المنشآت الأثرية. ويضيف «إسماعيل»: على الدولة أن ترتقى بعقول وثقافة المواطنين للحفاظ على المنشآت الأثرية، وحان الوقت لزرع أخلاق وثقافة داخل العقول من جديد لنعود لسابق عهدنا ونحافظ على تاريخ مصر وحضارتها. ويؤكد «إسماعيل» أن الدولة قامت مرات عدة بتطوير وترميم السور، ولكن القمامة ومخلفات المدابغ تنال منه مرة أخرى وكأننا داخل دائرة مغلقة لا يمكننا الخروج منها، لذا يجب إزالة العشوائيات التى تحيط بالسور بالكامل، وأن يتم نقلها إلى أماكن جديدة، كما فعلنا بمنطقة «الأسمرات»، والانتهاء بأسرع وقت ممكن من نقل المدابغ نهائيًا لمنطقة الروبيكى للحفاظ على السور. ومن ناحيتها، أشارت سهير حواس، وكيلة الجهاز للتنسيق الحضارى، وأستاذة العمارة والتصميم المعمارى بجامعة القاهرة، إلى أن وزارتى الآثار والبيئة ومحافظة القاهرة، مسئولة مسئولية مباشرة عن الحالة التى وصل إليها السور، وإن كان المواطنون يقومون بإلقاء القمامة ومخلفات المبانى بجوار السور، فهذا يدل على عجز تلك الجهات عن القيام بمسئوليتها على أكمل وجه. وقالت «حواس»: «أتحدى أن تكون أى جهة من تلك الجهات ضبطت أحدًا ممن يقومون بإلقاء القمامة والمخلفات بجوار السور، واتخذت ضده إجراء قانونيًا حقيقيًا، والتهاون مع المعتدين على السور يعطى الشجاعة لغيرهم لتقليدهم، حتى أصبح التعدى عادة يومية عند المواطنين». وتضيف: من المحزن أن جهات عظيمة مثل وزارتى الآثار والبيئة، ومحافظة القاهرة، غير قادرة على المحافظة على سور مجرى العيون الذى يعد قيمة أثرية عظيمة. وتساءلت «حواس»: أين مسئولو ومفتشو وزارة الآثار ووزارة البيئة؟ فعدم سيطرتهم على المنطقة والمحافظة على السور شيء مخزٍ، خاصة أننا منذ سنوات ونحن نناشد ونحذر من الإهمال الذى يشجع الأهالى من المساس بالسور وإلحاق الضرر به. وطالبت «حواس» المسئولين بتوضيح المشكلة الحقيقة، التى تقف وراء عدم قدرتهم على المحافظة على السور، وتركه عرضة للضياع. تاريخ السور والغرض من بنائه ويعد سور مجرى العيون، أقدم قناطر معلقة وفريدة من نوعها، وبنيت منذ أكثر من 500 عام فى عهد السلطان «قنصوه الغوري» لنقل المياه عبر مجرى المياه من السواقى الموجودة بمصر القديمة، إلى داخل قلعة صلاح الدين الأيوبى، فى آبار تم حفرها خصيصًا لهذا الغرض. ويبلغ طول السور 2200 متر بداية من «برج المأخذ» بفم الخليج، إلى قلعة صلاح الدين الأيوبى. وكان يتم رفع المياه من النيل إلى المجرى فوق السور، من خلال ست سواقى موجودة حتى الآن فوق برج المأخذ، وأطلق الأهالى على «برج المأخذ» اسم «السبع سواقي» لوجود ساقية سابعة أسفل البرج.