يعد معبر "باب الهوى" الحدودي بين تركياوسوريا، المنفذ الشرعي الوحيد للعبور بين البلدين، وقبل أن تعلن تركيا إغلاقها لهذا المعبر منذ أسبوعين، كانت تعبر يوميا شاحنات محملة بالبضائع من الشمال إلى الجنوب، بينما ينتقل عشرات السوريين كل ساعة من الجنوب للشمال باحثين عن ملجأ وحياة جديدة بالمدن التركية، كل هذا انتهى قبل نحو اسبوعين مع قرار تركيا اغلاق المعبر. وقال الكاتب "تسيفي بارئيل" بصحيفة "هاآرتس" أنه بينما كان يزور باب الهوى قبل عدة اشهر، عرض عليه شاب سوري أن يقله بدراجته النارية عبر الحدود إلى سوريا، وأوضح الشاب السوري أنه لن يستخدم المعبر الرسمي، باب الهوى، إنما سيعتمد مدقات ترابية ومسارات التفافية شقها المهربون لانفسهم بين الجبال لعبور الحدود. وسأل برئيل "من سينتظرنا في الطرف الآخر؟"، فإجابه الشاب "من تريد أن ينتظرنا؟ إذا كنت تريد رجال الجبهة، مشيرا لشاب آخر، يمكن لهذا أن يأخذك اليهم، إذا كنت تريد الأحرار؟، هذا سيكلفك أكثر لأنهم أبعد قليلا، اذا كنت تريد الجيش الحر؟، هذه ليست مشكلة، فهم قريبون. السعر 50 دولار فقط". شكر برئيل الشاب وسلك باب الهوى لتركيا. "وأوضح برئيل، أن "الجبهة" التي تحدث عنها الشاب هي "جبهة النصرة"، منظمة سُنية متطرفة تشكلت في 2012 وقبل بضعة أشهر انضمت لمنظمة القاعدة، عبر فرعها الإقليمي المعروف باسم "دولة الاسلام في العراق والشام"، أما "الأحرار" فهي مجموعة إسلامية أخرى اسمها الكامل هو "أحرار الثورة"، ومع أن هؤلاء الأحرار يمقتون القاعدة، غير أنهم يمقتون الحركات الدينية الآخرى ومستعدون لان يقتلوا اعضاء منظمات دينية بذات الحماسة التي يقتلون فيها جنود النظام السوري. يتردد سؤال حول "هل يوجد أخيار واشرار، أم ربما كلهم يجلسون لجانب الشر؟" بين أجهزة الاستخبارات الغربية، العاجزين على تصنيف المنظمات الإسلامية في سوريا، ليتخيروا شريكا محتملا للحوار، فعندما تعلن واشنطن عن استعدادها التفاوض مع مجموعة تسمى "الجبهة الاسلامية" لضمها لمؤتمر جنيف 2 وتوحدها مع الجيش السوري الحر في كتلة معارضة مقاتلة واحدة، فانه من المستحيل أن تكون واثقة من أن بعضا من نشطاء تلك الجبهة ليسوا رجالا للقاعدة، خاصة أن جزءا كبيرا من نشطاء الجبهة كانوا مشاركين قبل عشرة أيام في قطع الرؤوس في بلدة عدرا في محافظة دمشق. وقال برئيل، أن خريطة المنظمات الإسلامية بسوريا كمتاهة متفرعة تكاد تكون بلا نهاية، ترتبط جماعاتها أحيانا مع جماعات سابقة لها، وتنفصل أحيانا عنها بغضب وعنف، وفي الطريق يخلفون تلالا من جثث المواطنين الذين لم ينجحوا في الفرار. وأتى برئيل ب"الجبهة الاسلامية" كمثال، فهي منظمة دينية متطرفة تعرف نفسها "بالمعتدلة"، وحتى شهر مضى، كانت جزء من الجيش السوري الحر، ثم نشبت خلافات كبيرة بين قيادة الجبهة وبين الجيش الحر، على خلفية توزيع المساعدات الخارجية والسلاح، حيث تدعي المنظمات الاسلامية أن قيادة الجيش الحر لا تعطيهم نصيبهم الذي يستحقونه، سواء المساعدة المالية أو كميات الذخيرة، وعلى هذه الخلفية قررت 11 منظمة دينية الإنسحاب من الجيش السوري الحر وإقامة جبهة خاصة بهم أطلقوا عليها "الجبهة الإسلامية"، والتي جاء في ميثاقها انها تضم 11 منظمة، وعمليا لم ينضم اليها سوى 7منظمات، أما باقي ال 11 منظمة فقد قرر بعضهم الانضمام لكتلة جديدة من المنظمات التي اقيمت قبل شهرين فقط وتحمل اسم "جبهة ثوار سوريا"، التي تضم 15 منظمة ومنها "كتائب شهداء سوريا" التي يترأسها جمال معروف. وقامت "جبهة ثوار سوريا" بمبادرة "الجيش السوري الحر" بعد أن سيطرت "الجبهة الاسلامية" على قاعدة الجيش الحر قرب باب الهوى، حيث صادرت وسائل قتالية، وبينما بدا أن "الجيش الحر" و"الجبهة الإسلامية" على وشك احتراب داخلي، جاء اليوم الرابع بنجاح الطرفان، بالإضافة إلى"جبهة الثوار" في الوصول لتفاهم والمصالحة والتوقيع على إتفاق تعاون. وتعهدت "الجبهة الاسلامية" في الاتفاق بالتعاون مع "الجيش الحر" واعادة السلاح والذخيرة التي أخذت، ولكنهم لم يتفقوا على إعادة توحيد المنظمات في صف واحد، وعليه ف"الجبهة الإسلامية" تحوي سبع منظمات، و"جبهة الثوار" تضم 15 منظمة، و"الجيش السوري الحر" منفردا يواصل مراقبة الجبهتين، ففي حال بدت نزعات استقلالية للسيطرة على الاراضي السورية، سيندلع احتراب داخلي. والجبهة الإسلامية "المعتدلة"،التي تتعاون مع الجيش السوري الحر، والمرشحة لأن تكون حليفة لواشنطن، فهي عبارة عن تكتل للمنظمات الإسلامية الهادفة لإقامة دولة شريعة في سوريا، حيث جاء في ميثاقها "هدفنا هو تعزيز الدين في أوساط الفرد والدولة، الحفاظ على الهوية الاسلامية، وبناء شخصية اسلامية كاملة. نحن نتطلع الى أن نبني سوريا كدولة تقوم على أسس العدل، الاستقلال والتكافل المتبادل بشكل يستوي مع مبادىء الاسلام". وتساءل برئيل، هل الجبهة الاسلامية فرع مميز عن حركة الإخوان، أم أنه أخ شقيق لطالبان، مشيرا إلى أن الولاياتالمتحدة ستحتاج لعدسة تكبير شديدة القوة ليلاحظوا الفروق، فالجيش السوري الحر متخوف من أن تحمل واشنطن كل منظمات الجبهة مسئولية الحرب في سوريا فتدير له الظهر، وهذا التخوف يدفع بعض قادة الجيش السوري الحر للتحدث علنا عن إمكانية التعاون مع الجيش السوري ضد نشطاء القاعدة وعمليا ضد عموم المنظمات الدينية العاملة في الدولة، ويجب أن لا ننسى دور المعارضة الكردية في القتال في سوريا، والتي تتشكل من ذراع سياسي وعسكري وتعمل في اطارها منظمة إسلامية تسمى "الجبهة الإسلامية الكردية"، التي تعمل دون تنسيق مع القوات الكردية الآخرى. يواصل وزير الخارجية الامريكي "جون كيري" الإدعاء بأنه لن يكون للرئيس السوري مكان بنهاية الحرب الأهلية، غير أنه لم يحدد من يحل محله، اليقين الوحيد هو جدول القتلى، الجرحى واللاجئين الذي يواصل تغذية هذه الحرب، ويبدو أن الأسد هو الأمل الوحيد المتبقي لسوريا.