أعرب عديد من المفكرين والاستراتيجيين الإسرائيليين، عن اعتقادهم بأن إنجاز اتفاق "جنيف" الأخير حول مسألة إيران النووية سيعيد تشكيل تحالف براجماتي "سعودي - إسرائيلي" لصد محاولات تغيير ميزان القوى الإقليميّة، واعتبر بعضهم أن هذا الاتفاق وحَّد المصالح الإسرائيلية – السعودية كما وحَّد العدو الاستراتيجي متجسدا في إيران، ولكن يرى المحلل السياسي "دوري جولد" أنه في ضوء الدور التاريخي للسعودية في النزاع العربي – الإسرائيلي، تبدو فكرة تحالف سعودي – إسرائيلي غير معقولة. وأبرز "جولد" تفاصيل موقف المملكة العربية السعودية الذي غيّر موازين القوى في حرب أكتوبر 1973 بقيادة الملك فيصل، مشدِّداً على أن السعودية هي التي أشهرت سلاح النفط في وجه الغرب عندما أقرت تطبيق مقاطعة النفط على الغرب، وهي الخطوة التي منحت العالم العربي قوة سياسية، وأخضعت إسرائيل التي قدمت في المقابل تنازلات سياسية، واضاف: "وفي بداية الألفية - في أثناء موجة العمليات الانتحارية في إسرائيل - موّلت السعودية من 50 إلى 70 % من ميزانية حركة حماس، ضمن أمور أخرى كان يجري تمويلها عن طريق المملكة، من خلال الجمعيات الخيرية"، وجدير بالذكر هنا أن ما ذكره "جولد" من عمليات انتحارية كان مصاحبا لانتفاضة الأقصى التي أشعلها رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، "آرييل شارون". وقال "جولد" - في صحيفة "يسرائيل هايوم" - إن إسرائيل نجحت خلال عقد التسعينيات في تحقيق اختراقات سياسية في "الخليج الفارسي" - يقصد الخليج العربي - حيث فتحت لها مكاتب اقتصادية في قطر وعُمان، ولكنها فشلت في تحقيق مثل هذه الخطوة مع السعودية، وبرّر "جولد" التوقعات بالتقارب السعودي - الإسرائيلي عقب اتفاق جنيف، قائلا إن السعودية اعتمدت خطّاً براجماتيا لخدمة مصالحها الحيوية خلال القرن الماضي، ووضع هذا الخط كلاًّ من إسرائيل والسعودية في جانب واحد من المعادلة السياسية، حيث اضطرت الدولتان إلى "مواجهة دول تسعى للهيمنة على إقليم الشرق الأوسط". وأشار "جولد" إلى ما قاله العميل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه"، بروس رايدل، والخبير في شؤون الشرق الأوسط - في مقال له - حول الكيفية التي جعلت كلاًّ من السعودية وإسرائيل في الجانب الآخر من المعادلة السياسية في مواجهة سياسة التوسّع لمصر الناصرية، موضحا أنه في العام 1962، وأثناء حرب اليمن، أيّدت مصر بقيادة جمال عبد الناصر الانقلاب العسكري ضد حكومة الإمام في اليمن، الذي أشعل مؤيدوه حرب شوارع ضد النظام الجديد هناك، في حين أيدت السعودية الإمام واحتضنت الموالين له على أراضيها، فأرسل "عبد الناصر" قوة ضمت أكثر من 60 ألف جندي، وأغار سلاح الجو المصري على أهداف في المدن السعودية قرب حدود اليمن، وأوضح "رايدل" أن السعودية تحالفت مع إسرائيل لتقديم المعونة لقوات الإمام في اليمن، حيث نقلت الطائرات الإسرائيلية المساعدات السعودية إلى قوات الإمام خلال الأعوام 1964 – 1966، وأشرف على العملية برمتها رئيس المخابرات السعودي "كمال أدهم"، ثم انسحبت القوات المصرية من اليمن عام 1970، وكانت تلك هي الفترة التي تغلّبت سياسة البراجماتية السياسية السعودية على نفورها الأيديولوجي من مجرد وجود دولة إسرائيل. كما أشار "جولد" إلى ما كتبه الباحث "يتسحاق ريتر" من معهد القدس للدراسات الإسرائيلية - في كتاب له صدر قبل عامين، تناول فيه مواجهة الشيوخ المسلمين لمسألة السلام مع إسرائيل خلال العقدين الأخيرين - حيث أشار إلى فتاوى الشيخ "عبد العزيز بن باز" مفتي السعودية، والذي دعا المسلمين في 1989 إلى تقديم المساعدة ‘لى الجهاديين الفلسطينيين، إلا أنه في فتواه في 1994 سمح باتخاذ سياسة مصالحة مع إسرائيل بما في ذلك تبادل السفراء، إذا كان الأمر يخدم المصلحة القومية للزعيم المسلم، ومع أن "ابن باز" كتب عن هدنة مع الدولة اليهودية يمكن إلغاؤها مع تغيير موازين القوى الإقليمية، إلا أن الفتوى كانت خطوة أولى في تفكير جديد في المملكة". وأوضح "ريتر" أن موقف "عبد العزيز بن باز" كان متعارضا مع موقف الشيخ يوسف القرضاوي، الزعيم الروحي للإخوان المسلمين، وبعد 11 سبتمبر 2001 - والتي شارك فيها 15 مواطنا سعوديا - أدارت السعودية ظهرها لحركة الإخوان المسلمين التي حظيت بدعمها منذ بداية الستينيات، حيث إنهم ومن خلال دعم السعودية لهم نجحوا في اختراق المؤسسة التعليمية، والجمعيات الخيرية العالمية السعودية، ومن هناك نشروا الأيديولوجيا الدينية الكفاحية، وفي العام 2002 هاجم الأمير "نايف" - الذي كان يتولّى في حينها منصب وزير الداخلية السعودي - جماعة الإخوان المسلمين علناً، وتحدّث عن أهمية "مكافحة التطرف الأيديولوجي"، حيث تم حظر نشر كتب سيد قطب، وقلصت السعودية من مساعداتها لحركة حماس - الفرع الفلسطيني للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين - كما هاجم زعماء دينيون سعوديون "حزب الله" الشيعي، خلال حرب لبنان الثانية عام 2006، بينما أيدها الإخوان المسلمون في مصر، والقرضاوي في دويلة قطر الخليجية. ثم عاد "جولد" ليوضح أن إيران أصبحت اليوم هي الدولة الساعية إلى الهيمنة الإقليمية ومهددة الاستقرار في الشرق الأوسط، حيث تعمل على محاصرة المملكة العربية السعودية من خلال دعمها لتمرد الشيعة الزيديين باليمن، وتمرد الشيعة في البحرين، ودعم الحكومة العراقية برئاسة نوري المالكي الشيعي، والتدخل المباشر في الحرب الأهلية في سوريا بواسطة قوات الحرس الثوري الإيراني ومقاتلي حزب الله، هذا بالإضافة إلى التسلل الإيراني للشيعة السعوديين القاطنين شرقي المملكة، حيث أنشأت هناك فرعا ل "حزب الله"، وهو ما يشبه تماما محاصرتها لإسرائيل بدعمها لحركة حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان. ومن جهته، قال الكاتب "ديفيد شايين" - في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية - إنه بالتوازي مع عدم استقرار الأوضاع الناتجة عن الربيع العربي، يتعزز الوضع الاستراتيجي لإيران، موضحا أن اتفاق جنيف حقق لإيران رفع بعض العقوبات الاقتصادية ومنحها شرعية دولية، وهو ما سيجعل دول "الخليج الفارسي" في معضلة كبرى، خاصة وأن الحلفاء الغربيين - وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية - خيّبوا آمال تلك الدول الخليجية بعدم التدخل في الحرب الأهلية في سوريا، وفي التوقيع على اتفاق "جنيف"، ويعلم السعوديون أنهم يحتاجون إلى حلفاء جدد لصد الخطر الإيراني. وأوضح "شايين" أن الإيرانيين يعلمون ضعف دول الخليج، ويحاولون استغلال ذلك الضعف للتحالف معها واكتساب زعامة الشرق الأوسط، حيث يكثف المسؤولون الإيرانيون من زياراتهم إلى دول الخليج، ليلتقوا بمختلف التيارات السياسية وإقناعهم بأنهم الدرع الحامي لهم وليسوا تهديدا كما يتمّ تصوير وتسويق الأمر. وتدرس السعودية مسألة الشراكة والتحالف الفاعل مع روسيا، على الرغم من أن روسيا تُعدّ السند الدبلوماسي لإيران في مسألتي: البرنامج النووي والأزمة السورية، إلا أنهم يرون فلاديمير بوتين الرجل الأقوى على الساحة الدولية اليوم، أما تحالف السعودية مع إسرائيل فتقف المسألة الفلسطينية عقبة في طريقه، وكان سيسهل على السعوديين أمر المضي فيه، لو أن إسرائيل قبلت بالمبادرة السعودية لحل النزاع العربي - الإسرائيلي. وعلى إسرائيل السعي الجاد للتقارب مع السعوديين، فالتهديد الإيراني يقلق السعوديين أكثر بكثير من المسألة الفلسطينية، وكما وقّع السادات اتفاق سلام مع إسرائيل - انطلاقا من الفهم بأن التحالف مع إسرائيل أفضل من استمرار النزاع - كذلك يمكن التوقيع على اتفاق مشابه مع المملكة العربية السعودية.