هل كان شديد العبقرية أم مجنون أم أن مرضه بالصمم أثر علي قواه العقلية ؟ إنه فرانشيسكو جويا Francisco de Goya الرسام الاسباني الشهير والذي يصفه البعض بصاحب اكثر اللوحات سوداوية في التاريخ، ويأتي على رأسها اللوحة الشهيرة "ساترن يأكل أبناءه" حيث يصفها البعض بأنها اللوحة الأبشع في تاريخ الفن على الإطلاق وليس في مشوار جويا الفني فحسب. كانت هذه اللوحة البشعة تندرج تحت مجموعة من اللوحات تسمى اللوحات السوداء (Pinturas Negras) وهي تسمية أطلقت على أربعة عشر لوحة رسمها الرسام الإسباني فرانشيسكو جويا في السنوات الأخيرة من حياته (من 1819 - إلى 1823)، على جدران منزله الشهير باسم (Quinta del Sordo) أو "منزل الرجل الأصم" حيث تعكس اللوحات نظرة جويا إلى البشرية وخوفه من الجنون. ويعتقد أن السبب في قيام جويا برسم تلك اللوحات هو إحساسه بالهلع والهيستيريا الناجم عن الصمم الذي أصيب به منذ أن كان في السادسة والأربعين من عمره، بالإضافة إلى الظروف السياسة المعاصرة له من الحروب الفرنسية على إسبانيا والإضرابات الداخلية في المجتمع الإسباني التي تلت سقوط الحكومة. استخدم جويا الألوان الزيتية لرسم اللوحات على جدران غرفتي الطعام والجلوس في منزله، واحتوت الرسومات على مواضيع خيالية كئيبة. ولم تكن هذه اللوحات بتكليف من أحد، ومن المرجح أن جويا لم يكن ينتوي عمل معرض خاص بلوحاته السوداء وإنما رسمها جويا لنفسه، ولم يطلق جويا أية أسماء على لوحاته السوداء لذلك تمت تسمية مجموعة اللوحات بهذا الاسم بواسطة المؤرخين الفنيين. ولد الرسام الشهير فرانسيسكو دي جويا في 30 مارس 1746، في بلدة Fuendetodos بإسبانيا. بدأ دراساته الفنية عندما كان مراهقا في روما - إيطاليا لتعزيز مهاراته بدءًا من العام 1770، ثم عاد إلى إسبانيا للعمل من أجل البلاط الملكي الإسباني بتكليف من أحد النبلاء، وقيل عنه أنه خلق الأعمال التي انتقدت المشاكل الاجتماعية والسياسية في عصره. أمضى جويا بعضًا من شبابه في مدينة ساراجوزا "سرقسطة" وهناك بدأ يدرس الرسم في سن الرابعة عشرة وتتلمذ علي يد الفنان خوسيه مارتينيز لوزان، وكان في بداياته يقوم بنسخ أعمال لفنانين عظام مثل دييجو رودريجيز دي سيلفا فيلاسكيز ورامبرانت فان رين. في وقت لاحق، انتقل جويا إلى مدريد حيث ذهب للعمل مع الإخوة فرانسيسكو ورامون في المرسم الخاص بهما ثم ما لبث أن شعر أنه بحاجة إلى تطوير مهاراته فاتخذ قرارًا بالسفر إلى إيطاليا عام 1770. وفي روما درس جويا الأعمال الكلاسيكية هناك ثم بعدها قدم لوحة فنية قام برسمها إلى المسابقة التي عقدتها أكاديمية الفنون الجميلة في بارما وعلى الرغم من إعجاب المحكمين بعمله إلا أنه فشل في الفوز بالجائزة. بعدها عاد جويا لإسبانيا مرة أخرى واستطاع الحصول على عمل لحساب العائلة المالكة في إسبانيا عن طريق تصميم نماذج للمفروشات المنسوجة لمصنع في مدريد وقد ظهرت هذه الأعمال في صورة مشهد من مشاهد من الحياة اليومية مثل "المظلة" (1777) و"بائع الفخار" (1779)، ثم فاز جويا بعدها بمنصب للعمل كرسام للبلاط الملكي وأخذت شهرته في الارتفاع ونال القبول في الأكاديمية الملكية ل سان فرناندو في العام التالي حيث بدأ جويا في تأسيس سمعة جيدة كفنان بورتريه وحاز على العديد من المناصب في لجان الدوائر الملكية الحاكمة وقدم أعمالًا مثل "دوق ودوقة أوسونا وأطفالهم" عام (1787-1788) حيث برزت في هذه اللوحة مهاراته في إبراز أصغر العناصر والتفاصيل في وجوههم وملابسهم. في عام 1792 أصيب جويا بالصمم التام بعد معاناة من مرض غير معروف إلا أن البعض يرجع هذا المرض إلى نوع من أنواع التسمم بالرصاص الذي كان يوجد في تركيبة الألوان التي يستخدمها، وبعدها بدأ العمل على لوحات عديدة تركزت في أغلبها على رسم النساء في جميع مناحي الحياة ووضح خلالها تغيير أسلوبه إلى حد ما كذلك. وفي هذه الفترة استمر في الازدهار مهنيا وكان يلقب بمدير الأكاديمية الملكية وذلك عام 1795 وقيل إنه قد يكون جزءا من المؤسسة الملكية، لكنه على الرغم من هذا لم يتجاهل محنة الشعب الإسباني في أعماله، وخلق سلسلة من الصور تسمى " Caprichos " وذلك في عام 1799، والتي عرضها كتعليق على الأحداث السياسية والاجتماعية من فساد جشع وقمع والتي كانت متفشية في البلاد، وقد قام برسم لوحة لعائلة الملك تشارلز الرابع حوالي عام 1800 والتي لا تزال واحدة من أعماله الأكثر شهرة. وقد علق بعض النقاد وقتها بأن هذه اللوحة تبدو كصورة كاريكاتورية أقرب منها إلى الواقع، كما قام بتوثيق الغزو الفرنسي لإسبانيا عام 1808 عن طريق نابليون بونابارت في لوحاته حتى استعاد ملوك إسبانيا أراضيهم عام 1814 وخلد هذا النضال في لوحة تسمى "الثالث من مايو" حيث يصور العمل الانتفاضة في مدريد ضد القوات الفرنسية. بعد أن هدأت الأحداث قليلًا ونظرًا لتوتر علاقته بالملك فردناند السابع أصبح المناخ السياسي يحث جويا على أن يذهب طوعا إلى المنفى في عام 1824على الرغم من سوء حالته الصحية، واعتقاده أنه قد يكون أكثر أمنا خارج إسبانيا، فانتقل جويا إلى بوردو بفرنسا حيث قضى ما تبقى من حياته في الرسم وشملت بعض من أعماله في وقت لاحق صورا لأصدقاء يعيشون في المنفى معه، إلى أن توفي في 16 أبريل 1828 في بوردو بفرنسا.