حالة العشق التى يذوب فيها المشاهد بصوت أو ذكريات أو أداء فنان بعينه لا تحدث كثيرا، ولكن الأمر إذا ما تعلق بفنان اسمه ممدوح عبدالعليم فإن ذلك يصبح أمرًا عاديًا جدًا. عبدالعليم الذى رحل عن دنيانا تاركًا خلفه أدوارًا لا يمكن أن تنسى، أصبح تميمة حظ لنجاح أى عمل يتواجد به، فمنذ اللحظات الأولى التى ظهر بها وهو يحمل على وجهه ملامح النجاح والاختلاف، يضحك ويبكى، صارم، خفيف الظل، منوفى وصعيدى كل تلك الأشياء فى آن واحد. فالفنان الذى ولد بالقاهرة فى نهاية الخمسينيات ودخل التليفزيون فى سن صغيرة حتى استعان به المخرج نور الدمرداش فى مسلسله الشهير «الجنة العذراء» مع الفنانة كريمة مختار، بدأ مشواره فى التمثيل فعليًّا عام 1980 وهو شاب فى مسلسل «أصيلة» إلى جانب الفنانة كريمة مختار ثم توالت أعماله التليفزيونية، وفى عام 1983 بدأ التمثيل فى السينما فى فيلم «العذراء والشعر الأبيض». إلا أن عبدالعليم أصبح ملتصقًا أكثر بالأدوار الصعيدية التى قدمها منذ رحلته مع صفية التى حاولت قتله بعد أن قتل زوجها فى مسلسل «خالتى صفية والدير»، والذى جسد خلاله شخصية حربى الشهيرة، وهو العمل الذى جعل عبدالعليم يقوم برحلة طويلة فى القطار منطلقًا من القاهرة إلى قنا لم تكن سهلة على شاب تربى بالمنوفية، وعمل بمجال الفن، ولم تطأ قدماه من قبل إحدى محافظات الصعيد ذات المناخ الصعب، فقنا لمن عاش بها أو زارها تتسم بالمناخ الشتوى القارس بسبب درجة الحرارة التى تنخفض لأقصى درجاتها فى شهرى يناير وفبراير كل عام، ودرجة الحرارة التى ترتفع لتقترب من ال50 درجة صيفًا، وهو ما يجعل فكرة التصوير بها أمرًا صعبًا بل مستحيلًا، ولكن عبدالعليم لم يخش ذلك، بل وافق على الفور حينما رشحه المخرج الكبير الراحل إسماعيل عبدالحافظ لأهم شخصياته الدرامية، والذى استمر إنتاجه من 1993 لعام 1994 بالأماكن الحقيقية ومنها صحراء دير «مار جرجس» بقرية المحروسة أو قرية «البلالى»، كما أطلق عليها سابقًا لاشتهارها بصناعة الفخار، والتى تقع على بعد 15 كيلومترا جنوب محافظة قنا والمعروف عنها فى ذلك الوقت أنها قرية خالية من الإمكانيات ووسائل الراحة. وبدأت زيارة عبدالعليم للقرية، ومعرفة طريقة حياة شبابها حتى التقى بأحد الأشخاص هناك والقريب فى طيبته من شخصية حربى، وتعلق به للغاية، وأصبح من الأشخاص المقربين منه، كما روى لنا أحد أبناء القرية، حتى أصبح صديقًا لأهالى القرية جميعا، لدرجة أن البعض وصفه بالعمدة لسماحته وقوة شخصيته. وبعد انتهاء التصوير بالدير والقرية، وقف الأهالى يودعونه، ووعدهم بأنه لن ينسى قريتهم وفضل أهلها عليه. وجاءت لعبدالعليم فرصة أخرى ليتملك قلب الصعايدة جميعًا، وذلك من خلال بطولته لمسلسل «الضوء الشارد» الذى أصبح من أهم الأعمال الدرامية الصعيدية، التى قدمت فى تاريخ الدراما المصرية لبراعة عبدالعليم فى تقديم شخصية «رفيع بيه العزايزى» كبير العزايزة، الذى يحافظ على مكانة عائلته بعد موت والده كبير العائلة، فأصبح أهالى قنا والصعيد أكثر حبًا وتعلقا به لدرجة، أن البعض منهم أطلق اسمه على الكثير من أطفال القرية الذين ولدوا أثناء عرض المسلسل، ومن المواقف التى لا تنسى أنه أثناء عرض المسلسل، وفى إحدى الندوات فى الصعيد، وقف عبدالعليم بسبب كثرة الحضور هو والفنانة رانيا فريد شوقى لتحية الجميع، بعد أن احتجب عن الناس، فى الوقت الذى لم يتمالك عبدالعليم نفسه من الضحك حينما سأله أحد الحضور عن سر ضربه ل «نفيسة» وهو الدور الذى قامت به رانيا فريد شوقى بقوة وهى حامل قائلًا: والله ضربتها بالراحة، وكنت خائف من المخرج، فصفق الجميع ولم يتمالك نفسه من الضحك. ولم يكن الحظ حليفًا لعبدالعليم فى مسلسل «الحب موتًا» الذى شاركته البطولة فيه الفنانة جومانة مراد، حيث لم يلق العمل أى رد فعل قوى من الصعيد، لأن العمل لم يكن قويًا وأحداثه بعيدة عن الواقع، ليشارك بعدها فى مسلسل «المصراوية» الجزء الثانى. ومع رحيل عبدالعليم عن دنيانا فى يناير 2016 ترك مكانًا كبيرًا فارغًا لا يمكن أن يملأه أحد غيره، لتبقى رحلة المنوفى الذى تزعم قبائل هوارة من أجمل الرحلات التى من الممكن أن تحكى للأجيال المقبلة بعيدًا عن الأدوار التى جسدها.