ينشط مرض الإيدز في مصر في عدد من المناطق الممنوع الإقتراب أو التصوير منها وكأنها ثكنة عسكرية نظرًا لخطورة المرض وخوف الأصحاء من انتقال الفيروس إليهم، كما أن هناك عزلة شديدة يعانيها المتعايشون مع الفيروس رغم أنهم بشر عاديون يعيشون مثل الناس ويأكلون ويشربون ويعملون، لكن وضعهم القدر تحت وطأة مرض لا يرحم. "البوابة نيوز" حاولت اقتحام هذا العالم للتعرف على تفاصيل أكثر عنه من المتعايشين معه وما يواجهونه من صعوبات في العيش وسط شعب يعاملهم بتمييز شديد وبعزة مميتة، واجهنا صعوبات كثيرة وذلك لأن وزارة الصحة التي تنادي بعدم الوصم والتمييز وانخراط المتعايشين في المجتمع والواقع العملي هي أول من اتبع طريق التمييز وعمدت الى عدم الإدلاء بأية معلومات عن المرضى، مما اضطرنا للجوء لجمعيات أهلية لجأ إليها المتعايشون كبديل لوزارة الصحة. وفي النهاية وصلنا لحالات قررنا من خلالها نقل الواقع المرير لمصابي الإيدز، ولاحظنا أنهم يدلون بمعلومات كاذبة فيما يتعلق بأسمائهم وعناوينهم السكنية لعدم الوصول إليهم أو نشر أسمائهم وعناوينهم ومن ثم العزلة المجتمعية بين أقرانهم وجيرانهم وخلطائهم في العمل، ولكنهم أدلوا بمعلومات صادقة فيما يتعلق بإصابتهم بفيروس نقص المناعة الإيدز وكيفية التعايش معه، وانخراطهم في المجتمع وحياتهم الأسرية وغير ذلك. خالد م – 34 سنة – متعايش مع الإيدز منذ 10 سنوات وهو متزوج ولديه 3 أولاد منهم بنتان توأم أنجبهما بعد إصابته بفيروس نقص المناعة، ويحيا حياة زوجية كاملة دون انتقال العدوى لأسرته لأنه التزم بالاشتراطات الطبية والصحية والنصائح التي وضعها له الأطباء المعالجين له. وعن سبب إصابته بالمرض أكد على أن علاقاته غير المحمية بالأجنبيات اللائي كان يتعامل معهن أثناء فترة عمله في شرم الشيخ بداية حياته العملية هي السبب الرئيسي لإصابته بالإيدز، حيث أصيب نتيجة تلك العلاقة مع إحدى الأجنبيات المصابات بالفيروس، مشيرًا إلى أن زوجته رفضت الطلاق منه بعد علمها بإصابته وفضلت العيش معه وسط بيتها وأولادها وتقيم معه علاقات جنسية محمية، ويعامله عدد كبير من أصدقائه الذين يعلمون بإصابته معاملة طبيعية تماما دون خوف منه لأنهم يعلمون أسباب الإصابة ويتعاملون في حدود الوقاية من الفيروس. واشار إلى أنه يتلقى العلاج على نفقة الدولة حيث إنه غير مشترك في التأمين الصحي ويتكلف علاجه ما يزيد على ألف دولار شهريًا، واتهم بعض الأطباء بالخوف من انتقال العدوى إليهم من المرضى لذلك يعزفون عن معالجة المرضى رغم علمهم الكامل بأن المرض لا ينتقل بالتلامس أو التعامل اليومي العادي. وأبدى استياءه من تعامل المجتمع السلبي وانعزال المرضى عنه للدرجة التي تدفع بعض الأسر لطرد أبنائهم المصابين من الإقامة معهم وتركهم للشارع وبالتالي فقد يتسببون لنقل الفيروس لغيرهم أو تركهم للمجتمع الذي لن يكون أقسى عليهم من أسرهم. الحاج محمود أ – 65 سنة – يستلقى على السرير في أحد المستشفيات التابعة لوزارة الصحة حيث تنتابه حالة من الغيبوبة المتواصلة نتيجة الإصابة بالإيدز وأمراض كبر السن الأخرى، وعندما يفيق وجدناه ينادي نجله المرافق له ويطلب منه مغادرة المستشفى ونقله للبيت قائلا: أريد أن أموت في بيتي وسط أولادي، ثم يغيب عن الوعي مرة أخرى. ويقول نجله أحمد عن سبب إصابة والده بأنه أجرى عملية جراحية في أحد المستشفيات الجامعية منذ 10 أعوام واحتاج لنقل دم تبين بعد ذلك أنه كان السبب في إصابته بالإيدز حيث كان ملوثًا بالفيروس، ولم تظهر عليه الإصابة إلا منذ 6 أشهر فقط بعد أن تردد على عدد من المستشفيات للتعرف على سبب عناء والده المتواصل، ومنه هذه المستشفيات الدمرداش والحسين الجامعي والسيد جلال، لكن أحد الأطباء نصحه بتحليل فيروس الإيدز في مستشفى حميات العباسية، بعدها تأكد من إصابته بالمرض بعد أن انتابته حالة إعياء شديدة نتيجة الإسهال المستمر لأنه أحد أعراض المرض. وعلى السرير المجاور كان يوجد مريض آخر - رفض ذكر اسمه – عمره 55 سنة – وأصابته حالة نفسية سيئة للغاية وهو يؤكد لنا على أنه أصيب نتيجة تعاطيه المخدرات والتي كان يتعاطاها عن طريق الحقن حيث انتقلت له العدوى بعد تلوث الحقنة التي حقن بها من شخص آخر مصاب بالإيدز. وقال إن أفراد أسرته يخافون من التعامل معه أو مجرد لمسه ويرتدون القفازات عند السلام عليه وقت زيارتهم له في المستشفى "وهنا بكى بكاء شديدًا وانتابته حالة حرقة شديدة معبرا عنها بقوله – وكأني أصبحت جربان – ". س . م – 40 سنة – كان يعمل في ليبيا قبل 15 سنة وأصيب بسبب علاقة غير شرعية مع امراة إفريقية كانت مصابة بالفيروس، لكنه لم يكتشف إصابته إلا بعد 10 سنوات وبدأ في تلقي العلاج على نفقة الدولة ويكلف 4 آلاف جنيه شهريا. ومن المآسي التي تعرض لها "س" هي أن أسرته تعرضت للانهيار بعد أن تركته زوجته وأخذت معها طفليهما وتركته وحيدا يعاني المآسي، كما يعاني من نفور كل من يعرف بمرضه من الناس والأصدقاء والجيران حتى أنه تمنى الموت الذي أصبح عنده أفضل من الحياة. سيدة تدعى "م. ع" – 38 سنة – مصابة بفيروس نقص المناعة الإيدز منذ 10 سنوات – ولم تعلم بإصابتها إلا منذ أشهر عديدة فقط وكان سببها هو نقل الدم إليها خلال عملية جراحية كانت قد أجرتها في أحد المستشفيات، وتنتابها حاليا نوبات إغماء متكررة بين الحين والآخر، وتشير إلى أن أعراض المرض بدأت بوجود بقع لونها بني على الجلد وورما في أجزاء متفرقة من جسدها، وقال لها أحد أطباء الأمراض الجلدية بأن هذه البقع دليل على إصابتها بأحد أمراض الأوعية الدموية، فذهبت إلى مستشفى الحوض المرصود المتخصص في الأمراض الجلدية في مصر فنصحها أحد الأطباء بإجراء تحاليل "إتش أي في" والتي تعني فيروس نقص المناعة، وفيروس سي، فأجرتها في معامل خاصة كلفتها 400 جنيه وأتت النتيجة سلبية، إلا أنها أعادت التحاليل مرة أخرى في المعامل المركزية بوزارة الصحة والتي أثبتت إصابتها بالإيدز، وأن تحاليل "سي دي فور" التي توضح كفاءة جهاز المناعة بأنها مصابة بضعف المناعة وأن درجتها 264 من ألف، وبعدها بدأت في تلقي العلاج على نفقة الدولة من وزارة الصحة شهريا وبتكلفة تزيد على 3 آلاف جنيه في كل مرة. وقالت إن أسرتها لا تعلم معنى إصابتها ب "إتش أي في" ولكنها تعلم أنها مصابة بفيروس في الدم، ولكن حالتها النفسية والمعنوية منهارة للغاية، ورغم أنها ترضى بقضاء الله – حسب قولها – إلا أنها تعيش على حلم هو اكتشاف علاج فعال للإيدز حتى تعود لممارسة حياتها الطبيعية كأم لطفلين وزوجه لرجل رفض التخلي عنها رغم ظروفها الصعبة.