ما بين العزل والتعايش مع المجتمع وما بين التعاطف ووصمة العار يظل مريض الإيدز يعانى الألم النفسى إضافة إلى الألم المرضى، حالات عديدة تتألم كثيرا بسبب نظرة المجتمع لهذا النوع من المرض وطريقة التعامل معه والعزل عن أقرب الأشخاص إليه. أكتوبر تفتح ملف مرضى الإيدز لتتعرف على معاناة هؤلاء وكيفية التعامل مع أزمتهم الصحية والمجتمعية.«أكتوبر» ترصد الجهات المنوطة بإعداد القادة والكوادر الشبابية بأفكار حماسية غير تقليدية، رافعين شعار «التأهيل من أجل التمكين» وفى سطور تحقيقنا التالى. .. قالت زينب أحد المتعايشين بالفيروس: أصبت بالمرض عن طريق زوجى ولكن لم نكتشفه إلا بعد مرور عام من الإنجاب لأن المولود أيضًا كان مصابًا بالفيروس فقد كان ابنى دائما مريضًا ولم يكن أحد يعرف التشخيص الحقيقى وبعد عناء ورحلة طويلة مع الأطباء والتحاليل طلب إجراء التحليل المتخصص بالمعامل المركزية التابعة لوزارة الصحة وأكد إصابة الطفل بالفيروس على خلفية إصابتى أنا وزوجى بالفيروس ولكن اكتشافنا لمرض الطفل كان «بعد فوات الأوان» فقد توفى. وأضافت: مررت بحالة نفسية سيئة للغاية بعد معرفتى بإصابتى ووفاة ابنى ولكن مع الوقت بدأت التعايش وممارسة حياتى بشكل طبيعى وخاصة بعد حضورى اجتماعات مع الأطباء فقد بدأت نظرتى للمرض تتغير كثيرًا ففى البداية ومع الصدمة وعدم المعرفة والجهل بالمرض الأمر كان صعبا ولكن بعد التدريبات والمحاضرات علمت أن التعامل مع المرض بسيط وأنه لا يضر أحدًا من خلال التعاملات اليومية الطبيعية وأنه يمكن أن أمارس حياتى بطريقة طبيعية وأن أتعامل مع الناس لأنى لا أضرهم، وأضافت إننى بدأت بدعم المرضى الجدد ومساعدتهم لتخطى صدمة المرض، وتابعت ما يؤلمنا أن نظرة الكثير من الأطباء حتى الآن تتعامل معنا بالوصم فهناك أطباء لا تقبل التعامل وعلاج المتعايش مع الفيروس وخاصة فى حالات الجراحة فنضطر أن نخفى إصابتنا بالفيروس وندعى أننا مرضى فيروس «بى» على الرغم أنه أشد خطورة من «الإيدز» ومع ذلك الأطباء يتقبلون مريض فيروس «بى» عن نقص المناعة، لأنه للأسف الناس تتعامل معنا على أننا وصمة عار مما يجعلنا لا نصارح بإصابتنا بالمرض لأن من سيعرف سوف ينفر منا بسبب انعدام المعلومات الصحيحة عن المرض داخل المجتمع. قال محمد مريض بالإيدز: اكتشفت إصابتى عام «2000» فقد اكتشفت المرض بنفسى وقمت بعمل التحاليل لأنها طواعية وليست إجبارية بمعامل وزارة الصحة وكان فى تلك الفترة الفكرة السائدة أن من يكتشف أنه مصاب بالمرض يعزل تماما كما أنه كان لا يوجد دعم للمريض سواء علاجا أو مراكز مشورة باستثناء زيارة مدير البرنامج الصحى لمكافحة الإيدز بوزارة الصحة ليمنحك بعض النصائح، مضيفًا: بدأت بعد ذلك بمطالبة مدير البرنامج برغبتى فى أن أقابل مصابين مثلى وقد تم ذلك بالفعل فى 2003 حيث قام المدير بتشكيل مجموعة دعم فى الخط الساخن وبالفعل بدأنا التعامل والمطالبة بحقوقنا فى العلاج والحياة وقابلتنا العديد من الصعوبات ومازلنا نعانى من صعوبات مثل نقص بعض أنواع الأدوية لفترات ومن الصعب التصريح بالإصابة فى العمل أو بين الأصدقاء لأن هناك من كان يتم فصلهم من عملهم بمجرد علمهم بإصابة الموظف بالمرض والنبذ داخل المجتمع، لذلك لابد من وجود متابعة دورية لمريض الإيدز وعمل فحوصات باستمرارية تتبع وزارة الصحة لأن المصاب بالفيروس هو أكثر عرضة للإصابة بأى مرض آخر بسبب ضعف مناعته، ولابد من التقدم فى مصر تجاه هذا المرض مثل تونس والمغرب ونقوم بتبادل الخبرات معهم. أما سامى فقال: أصبت بالمرض من خلال الدم لأننى ممرض بقسم غسيل الكلى وقد جاء اكتشافى للمرض من خلال دعابة مع أصدقائى فى سحب عينة الدم وتحليلها ومن ثم ظهرت النتيجة على الجهاز إيجابية وجاء الدكتور المتخصص وعلم بإصابتى وطلب منى أن أقوم بتحليل فيروسات بمعمل خارجى وبعد ذلك قام بمصارحتى بأنى مصاب بالفيروس فأصبت بصدمة شديدة جعلتنى أتغير كثيرًا وأصبحت إنسانًا «بلا هوية» وتركت خطيبتى ومن ثم أقنعنى أخى أن أقوم بعمل التحليل مرة أخرى بالمعامل المركزية وتأكدت أنى مصاب بعد إعادة التحليل داخل هذه المعامل أكثر من مرة وبدأت أنضم إلى مجموعات دعم المتعايشين وهذه المجموعات بتقوم بدور مهم جدًا فى تلك الفترة بسبب الحالة النفسية للمصاب، التى يحتاج فيها للتعاطف والدعم المعنوى ممن حوله، وأضاف: نقوم بعمل فريق يسمى «النسور» من خلال مجموعات الدعم فالنسور مجموعة من المتعايشين مع الإيدز يقوموا بمساعدة المتعايشين الجدد والإلمام بمعلومات جديدة عن المرض وهدفه الاعتماد على الأفكار الجديدة لمواجهة المرض ولابد من الاعتراف بحقوقنا كمواطنين داخل المجتمع ومعاملة مريض الإيدز كأى شخص مصاب بمرض آخر دون وصم وخاصة أنه أقل خطورة من أمراض أخرى يتم التعاطف والتعامل معها ويجب الاهتمام بالحالة النفسية للمصاب لأن مصاب الإيدز «شخصية حساسة للغاية». قال دكتور ناصر هاشم نائب رئيس مجلس إدارة الشبكة المصرية لمكافحة الإيدز والمدير التنفيذى لجمعية رؤية للتنمية المتكاملة: إن فيروس نقص المناعة البشرى والمعروف باسم HIV هو المسبب لمرض الإيدز والعلاقة بينهما تكمن فى أن مرض الإيدز هو آخر مرحلة من مراحل تطور المرض فى جسم الإنسان، لذلك نطلق على المصاب بهذا الفيروس -متعايش مع الفيروس– لأن الشخص المصاب يمكنه التعايش مع الفيروس المسبب لنقص المناعة لسنوات طويلة دون ظهور أية أعراض مرضية، مما يمكنه من ممارسة حياته بشكل طبيعى جدا، وبهذه الطريقة يتحول هذا المرض الخطير إلى مرض يمكن التعايش والالتزام بها مثل التغذية الصحية السليمة والحفاظ على الحالة النفسية الجيدة والالتزام الكامل بالأدوية التى يعمل على عدم تكاثر الفيروس. أضاف: باتت معلوماتنا الطبية حول فيروس نقص المناعة البشرى HIV فى وضع أحسن بكثير من الماضى الذى كنا نحمل فيه أفكاراً مغلوطة ومفاهيم خاطئة عن الفيروس، هذا الأمر الذى جعلنا نمارس كافة أشكال الوصم والتمييز تجاه المتعايشين مع هذا الفيروس دون أن نعطى لأنفسنا فرصة للتأكد من معلوماتنا. وأكد أنه فى قضية الإيدز نستطيع أن نرصد الكثير من المشكلات والتحديات التى يعانى منها المتعايشون مع فيروس نقص المناعة البشرى فى مجالات كثيرة، ولكننا لن نبذل مجهودا كبيراً لنتوصل إلى أن المعاناة الكبرى فى حياة أية متعايش هى الوصم والتمييز الذى يتعرضون له بشكل كبير جداً فى مختلف مناحى حياتهم اليومية، مضيفًا: وبالطبع ترجع مشكلة الوصم والتمييز للنقص الحاد فى المعلومات الصحيحة بين أفراد المجتمع حول فيروس نقص المناعة البشرى ومرضى الإيدز يتعرضون لكثير من الانتهاكات والذى يمكن لأى من العاملين فى مجال المكافحة أنهم يكتبون عنه لو أرادوا، فهى لكل متعايش وفى كل يوم وفى كافة مجالات الحياة وليس لنا من سبيل للقضاء على كافة أشكال الوصم والتمييز غير أن تعمل كافة الجهات المعنية على تصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة حول طرق انتقال الفيروس المسبب لمرض الإيدز. وأوضح أن أهم تلك المعتقدات المراد تغييرها والتى أثبت العلم أنها غير صحيحة بالمرة هى الاعتقاد بأن الإصابة بمرض الإيدز تنتج عن (الممارسات غير الشرعية) لأن المعلومة الطبية الصحيحة تقضى بأن العبرة فى انتقال الفيروس من شخص مصاب إلى آخر هو أن يكون أحد طرفى العلاقة مصابًا أو حاملاً للفيروس دون النظر إلى شرعية العلاقة من عدمها. أضاف: مصر لديها فرصة عظيمة للقضاء على خطر الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرى تكمن فى أن معدلات انتشار الفيروس بين عموم السكان منخفضة جداً، فإذا أصبح لدينا (حكومة ومجتمع مدنى وإعلام) إرادة حقة فى القضاء على فرص انتشار الفيروس بين السكان استطعنا ذلك فعلاً من خلال نشر الوعى المجتمعى حول مرض الإيدز وفيروس نقص المناعة البشرى وطرق انتقاله الصحيحة وطرق الوقاية منه، وبالفعل هناك مجهودات يتم تنفيذها على الأرض من خلال قطاعين رئيسيين وهما القطاع الحكومى والقطاع المدنى، فبات هناك دور تكاملى مبنى على التنسيق المشترك فيما بين القطاع الحكومى متمثلا فى البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز التابع لوزارة الصحة وبين منظمات المجتمع المدنى والهيئات الدولية، فنحن جميعا نعمل كجزء من الاستجابة الوطنية لمكافحة فيروس نقص المناعة البشرى «الإيدز»، ضمن استراتيجية وطنية. وأشار إلى أن مجال مكافحة الإيدز فى مصر يواجه الكثير من التحديات على أصعدة مختلفة منها أن مكافحة مرض الإيدز ليست ضمن أولويات الدولة نظراً لأن معدلات الانتشار بين مجموع السكان مازالت منخفضة، وفى ظل ضعف الإمكانيات المتوافرة لدى الدولة بات عليها تحديد أولوياتها التى من المؤكد تأتى مكافحة الإيدز فى ذيلها، مشيرًا إلى أنه على مستوى المجتمع المدنى تأتى قضية نقص التمويل الموجه لمكافحة الإيدز فى المرتبة الأولى التى تعانى منها مؤسسات المجتمع المدني، هذا بالإضافة إلى قلة عدد الجمعيات العاملة فى مجال مكافحة الإيدز ذلك بالطبع خوفاً من الوصم والتمييز الذى ينسحب بالتبعية حتى على العاملين فى هذا المجال، وقال نحن نأمل فى أن يتمتع المتعايش فى المستقبل بمزيد من التمكين على أصعدة مختلفة. أكد د. وليد كمال مدير البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز التابع لوزارة الصحة أن مصر دولة ذات معدل انتشار منخفض بالفيروس، ولكن المؤشرات والبيانات توضح الخطر الموجود، ولابد أن نأخذ بعض الإجراءات السريعة لتواقى الخطر، والحد من انتشار الإصابة بالإيدز، مشيرًا إلى أن الأعداد الحقيقية للمصابين بالإيدز تختفى بين جموع المواطنين، لأنه مازال هناك حاجز الوصم، والتمييز الذى يحول دون سعى طلب بعض المصابين للعلاج من الإيدز، والذى نعتبره موجودًا بنسبة عالية جدا فى المجتمع المصرى نتيجة لبعض المعتقدات، والأعراف والعادات الاجتماعية، ويمثل الحاجز الرئيسى فى مصر تجاه الأفراد والمعرضين للخطر، إلى جانب أن هناك بعض المعتقدات الخاطئة الخاصة بالعزل أو الطرد. والبرنامج يقوم بإعادة تحديد أولويات الخطط المستقبلية، ونأمل أنه بحلول عام 2030 أن نكون على خط واحد مع الاتجاه العالمى للقضاء على الإيدز كمشكلة صحة عامة. وأوضح «مدير البرنامج الوطنى» أن رحلة الشخص المصاب بالإيدز تبدأ بعمل تحليل للتأكد، ومعرفة إذا كان مصابًا، وفى هذه الحالة يتجه إلى مركز المشورة، والفحص الاختيارى وهو تابع لوزارة الصحة، وموجود فى 18 محافظة تقدم خدمة التحليل بالمجان بسرية كاملة، مشيرًا إلى أن مركز المشورة يقدم طرق العلاج وكيفية الحماية من الإصابة وكيفية الحفاظ على حياة الإنسان لنهاية العمر، والرعاية وحماية الأسرة وشركاء الوطن والمحيطين، وعدم تتطور العدوى، والعلاج متاح بالمجان لكل المصابين وهو عبارة عن أدوية مضادة للفيروسات لتحسين حياتهم. وعدد حالات الإصابة بمرض الإيدز المسجلة فى مصر بلغ رسميا 4325 حالة إصابة وهناك اتصال دائمًا بين المصابين ومراكز المشورة لتقديم الرعاية والعلاج بدون الملاحقات الأمنية، وتشير التقديرات إلى وصول العدد إلى 7500 حالة ولكن العدد الحقيقى غير مرصود، نتيجة لقصور فى المعرفة ووجود فئات مخفية بين طيات المجتمع. وقال: إن مرض الإيدز مثل أى مرض مزمن، يعامل من خلال المنظومة الصحية الموجودة ويتاح للناس تقبل الإيدز كمرض، ولا يتم ربطه بالسلوك، وهناك ممارسات فى المجتمع لا يتم محاربتها كسلوك ولكن يتم محاربتها عند إصابة الشخص بالإيدز، ويبدأ الربط بين السلوك والمرض ومحاربة الشخص ذاته. ومن جانبها قالت الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر: مرضى الإيدز يتعرضون للعديد من الصعوبات داخل المجتمع مما يصيبهم بحالة من مخاصمة المجتمع الذى ينفر منهم فقد ناقشت بجنوب إفريقيا الوضع الاجتماعى والبعد النفسى لمريض الايدز وأكدت أنه إنسان له حقوق فى المجتمع أى كان طريقة إصابته لأن هناك مفاهيم مغلوطة على أن الإيدز لا يأتى إلا «من الطرق غير الشرعية» ولكن هناك وسائل أخرى كثيرة ينتقل من خلالها الإيدز ولذلك أى ما تكون الطريقة التى أصيب بها فلابد من الاهتمام بمريض الإيدز لأنه فى أشد الحاجة إلى الدعم النفسى. وأضافت: من الممكن من مال الزكاة أن نساهم فى علاج مريض الإيدز لأنه أصبح إنسانًا ضعيفًا يحتاج إلى العلاج والدعم ومواساته حتى لو كنت لا أنظر إلى مصدر المرض، وأشارت إلى أن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان فى قوله تعالى «ولقد كرمنا بنى آدم» فبنى آدم عندما يصاب بمرض تهتز كرامته وتهتز مناعته فى المجتمع ولذلك الإنفاق عليه ومساندته وتقديم كافة أنواع الدعم له لا حرج فيه. ودعت المجتمع لتصحيح المفهوم الخاطئ تجاه مريض الإيدز ويجب أن نترفق به ونواسيه ونعينه على مرضه وأن نقدم له العون المادى والنفسى وان نشد على يديه ونواسيه ونعينه على مرضه وان نشد على يديه حشد على يديه حتى يتعافى إذا أراد له الخالق العافية.