عادة تكون الكتابة هي أبرز قضية تؤرق ذوات المبدعين؛ دائما ما يبحثون حول ضرورتها ما هيتها؛ فجميع أدباء العالم تساءلوا "لماذا نكتب؟" وجميع الشعراء عذبتهم طلة القصيدة وعزلة الشاعر؛ بدأت المشكلة منذ السنوات الأولى للكتابة ولا تزال تشغل بال الأدباء حتى وقتنا هذا. مؤخرًا؛ أطل الشاعر الفلسطيني موسى حوامدة بمقال أدبي جديد يبحث خلاله ماهية الشاعر المقال مفعم بالاستعارات كأسلوب يليق بكاتبه كونه شاعر ويليق بالموضوع الذي يناقشه كونه "الشعر. يقول حوامدة في مستهل مقاله الذي عنونه ب "ما نفع اليقين":"إن لم تكن ملعونًا أيها الشاعر فما نفع اليقين؟/ إن لم تكن نادرًا فما قيمة الحصى المتكرر في قاع المصبات والمحيطات؟/ إن لم تكن طازجًا وشهيًا فما نفع الحرارة وتقلبات الطقس، والمقامات والأحوال؟/ إن لم تكن مُبتَكراَ وخلّاقًا فما الضرورة لترديد الكلمات نفسها والحكمَ ذاتها والعبارات التقليدية عينها؟/ إيه أيُّها الشاعر ما نفع الغيوم إن لم تكن الريح سباقةً لتثوير المخيلة، خلابةً لتطويع المستحيل، وتشكيل المدى؟" أسئلة "حوامدة" كان غرضها عدة استنتاجات تجاه صفات الشاعر وما يجب أن يتحلى به؛ فيصل بقارئه إنه لا ضرر في وضع شعراء كبار عانوا التجاهل والتهميش وغابت عنهم الشهرة والأضواء؛ فتلك الأضواء لا تمنعم من أن يصبحوا نجوما تلألأ في سماء حالكة؛ فتلك اللعنة التي تصيبهم هي الطريق الأقرب إلى اليقين؛ الشاعر في نظر حوامدة طازجا وشهيا تستطيع مخيلته تطويع المستحيلة وتشكيل المدى. ثم ينتقل "وامدة" في مقاله من صيغة الاستفهام لصيغة الأمر فيقول: "اصعدْ طريقَك السماويَّ في كنس الفضاء، من صدأ اللغو والتأتأة والخطابات التي تبدأ بالمعروف، وتنتهي بالمألوف والروي والوافي الجاهزة، ولا تقول إلا المُقال والمحدَّدَ والنمطيَّ/ امنح البرقَ مبررًا للإشعاع، والرعد متسعًا للصواعق، والزلالزل طبقاتٍ للإنهيار/ شقَّ الماءَ بعصا التَّمرد والعصيان". ويختتم مقاله؛ قائلا: "أيها الجمهور، أفسح للشعراء طريق النبوة، ولا تعترف بغير ديانة الدهشة ووصايا الخفاء ولا تشعر بغير نار الروح، وحريق الكلمات". كلام حوامدة يؤكد على قدسية حالة الكتابة؛ وبالتالي وض هالة ضوء حول الشاعر؛ وبذلك يتماس حوامدة مع قصيدة كتبها الشاعر الأمريكي الألماني تشارليز بوكوفيسكي في قصيدته الشهيرة "تريد أن تصبح كاتبًا؟؛ والتي تيحدث خلالها عن فعل الكتابة؛ فيقول بوكوفيسكي: "إذا لم تخرج منفجرةً منك/ برغم كل شيء/ فلا تفعلها/ إذا لم تخرج منك دون سؤال/ من قلبك ومن عقلك ومن فمك ومن أحشائك/ فلا تفعلها".