يبدو السؤال عن حالة «داعش» الاقتصادية هو ضمن أسئلة كثيرة سؤالا صعبا، نظرا لأنه سؤال يدور فى إطار مفعم بالغموض والالتباس وعدم الوضوح. ومرجع ذلك بطبيعة الحال إلى غياب المعلومات الدقيقة، وعدم القدرة على سبر الموضوع المدروس بالطرق العلمية المنهجية، دون الرهان على الاحتمالات والاستدلالات المتعجلة والتقارير الصحفية المتحيزة، والمليئة بالتناقضات. ومع ذلك قام المركز الدولى لدراسة التطرف والعنف السياسى بنشر تقرير كامل على موقعه تحت عنوان: «الخلافة فى انهيار: تقدير للحظوظ المالية للدولة الإسلامية». ركز التقرير على تقدير موارد «داعش» خلال الفترة من 2014- 2016، واعتمد فى هذا التقدير على مصادر المعلومات المتاحة بشأن التمويلات التى يحصل عليها التنظيم فى سورياوالعراق. وتمثلت أهم النتائج فى أن التقديرات المتاحة حول تمويلات التنظيم تقديرات كثيرة ومتعددة للغاية، وبات من المستحيل تقدير حجم الأموال المتاحة أمام التنظيم بدقة. وهناك من المبررات الكثيرة التى تدعو إلى ذلك. يأتى على رأسها سرية التنظيم، ووجوده فى منطقة سوق سوداء، وعدم شمول التغطية المعلوماتية كافة مناطق التنظيم. فالمعلومات المتوفرة من وسائل الإعلام تغطى مناطق بعينها، وتغفل أخرى. وهو الأمر ذاته الذى ينطبق على الوثائق المسربة. فعلى الرغم من توفر وثائق تم تسريبها من التنظيم، وهى وثائق مالية، فإنها تتعلق بمناطق محدودة، وخلال فترة زمنية قصيرة. واشتملت أهم مصادر المعلومات التى اعتمد عليها التقرير على وثائق التنظيم المسربة، وشهادات المقبوض عليهم، والتقارير الحكومية، والمقالات الصحفية، والتحقيقات الإعلامية، ودراسات مراكز الفكر، والمقابلات التى أجريت مع الخبراء والمسئولين الحكوميين. وتمثلت أهم مصادر التمويل المعلومة فى الضرائب (الزكاة) والتعريفة الجمركية ومن النفط ومن النهب ومصادرة الأملاك والغرامات. ولم تتوفر أدلة على أهمية التمويلات الخارجية. وبالمثل فإن مبيعات الآثار والحصول على فدية من عمليات الخطف لا تمثل مصدرا أساسيا للدخل. وفى السنوات التى تلت عام 2014، بلغت العائدات السنوية للتنظيم أكثر من النصف حيث وصلت إلى 1.9 بليون دولار فى عام 2014، ووصلت إلى حد أقصى قدره 870 مليون دولار فى عام 2016، ولا يوجد أى دلائل حتى الآن على أن التنظيم قد استحدث سبلا جديدة للتمويل. وفى ظل هذا السير فى التراجع سينهار التنظيم لا محالة. ولعل النتيجة الأخيرة هى انعكاس لسوء الأحوال التى يمر بها التنظيم فى الوقت الراهن. إذ بحسب ما ورد من أرقام وتقديرات التحالف الدولى فى نوفمبر 2016، خسر التنظيم 62٪ من مناطقه فى العراق، و30٪ فى سوريا. وهذا له ترجمته فى السياق الاقتصادى، حيث يقل عدد السكان والأعمال التجارية التى تفرض عليها الضرائب وقلة الموارد الطبيعية مثل حقول البترول. وبحسب التقرير فإن هناك من الأسباب التى تدعو للقول بأن مصادر تمويل التنظيم فى طريقها للانهيار، خصوصا أن سقوط الموصل التى تمثل العاصمة التجارية لدولة التنظيم، سيمثل مصدر خطر كبير على تمويلات التنظيم. ولا يعتبر انهيار القدرات المالية للتنظيم دليلا على احتمال ضعف العمليات التى سيقوم بها التنظيم خارج حدوده. تفصيليا كانت النتائج على النحو التالى: بالنسبة للضرائب والرسوم، واستنادا إلى إجمالى إيرادات الزكاة المحددة بناء على استقراء العوائد الضريبية فى مدينة الموصل أكبر مدن التنظيم بصيف عام 2014، تلقى التنظيم مبلغا يتراوح ما بين 300 و400 مليون فى عام 2014، وعلى الرغم من خسارته لأراضى على مدار العام، زادت المتحصلات وتراوحت ما بين 400 و800 مليون دولار فى عام 2015. وبفقدان المدن التى احتلها التنظيم هذا معناه انخفاض الإيرادات فى عام 2016 لتصل إلى ما بين 200 و400 مليون دولار. وفيما يتعلق بالموارد الطبيعية، شهد عام 2014 عائدات نفط بلغت ما بين 150 و450 مليون دولار بناء على تقديرات الأرباح فى الأشهر التالية للاستيلاء على العديد من آبار النفط العراقية خلال الصيف. وأدى الاستغلال المستمر للحقول على مدار عام 2015 فى زيادة الربح ليتراوح ما بين 435 و550 مليون دولار. ومع ذلك، فإنه منذ إطلاق عملية الموجة العارمة الثانية فى 2015، تمكن التحالف الدولى من استهداف مواقع كاملة لاستخراج النفط من المصافى إلى الشاحنات الناقلة، فانخفضت الإيرادات بذلك الاستهداف، جنبا إلى جنب مع فقدان السيطرة على أسواق النفط الرئيسية فى شمال سوريا وغرب العراق، ما أدى إلى تقدير الأرباح لما يتراوح ما بين 200 و250 مليون دولار فى عام 2016. وتبين التقديرات أن عمليات الخطف قد بلغت أرباحها فى عام 2014 ما بين 20 و40 مليون دولار. فيما لم تتوفر بيانات حول عام 2015، إلا أن من المرجح أن يكون معدل الأرباح أقل من العام السابق، حيث إن معظم الرهائن قد تم الإفراج عنهم. وخلال عام 2016 حصل التنظيم على بعض الإيرادات من خطف الأهالى والحصول على فدية نظير إطلاق سراحهم، كان من بين هؤلاء المختطفين 230 من الآشوريين المسيحيين الذين تم الإفراج عنهم، ومن ثم بلغ حجم الإيرادات ما يتراوح ما بين 10 و30 مليون دولار. وبالنسبة لمورد الآثار فإن ما يقال عن أن هذا المصدر هو ثانى أكبر مصدر لتمويل التنظيم يبدو مبالغا فيه. إذ بدلا من أن يقوم التنظيم ببيع التحف، يكسب المال من بيع تصاريح الحفر وفرض رسوم العبور. ويعتبر الدخل المتولد من هذه الأنشطة هو أقل مصادر الدخل، ومن المرجح أن تنخفض إيراداته أكثر مع التقلبات الإقليمية ومنع التنظيم من الوصول إلى العديد من المواقع. وفيما يتعلق بالتبرعات الأجنبية، هناك بعض الأدلة على أن القاعدة تلقى تبرعات محدودة من دول الخليج خلال عام 2000. ويبدو واضحا أيضا أن الجماعات المتمردة الأخرى فى سوريا تلقى دعما خارجيا استفاد التنظيم منه بشكل مباشر وغير مباشر، خصوصا قبل عام 2013 عندما كان التنظيم مجهولا. وخلال الفترة الممتدة من عام 2014- 2016، لا يوجد أى أدلة دامغة على هذه التبرعات أو الدخل القادم من الخارج. وبالنسبة لأعمال النهب والمصادرة والغرامات، ومع توسع التنظيم فى عام 2014 باستيلائه على مساحة واسعة من الأراضى، حقق التنظيم إيرادات تتراوح ما بين 500 مليون دولار وبليون دولار من أعمال النهب، خصوصا فى الموصل، التى استولى عليها بالكامل فى يونيو من ذلك العام. وبناء على بعض الأدلة من وثائق ميزانية المحافظات، وصلت تقديرات عام 2015 و2016 إلى تقديرات منخفضة مع تراجع مساحة الأراضى التى يحتلها التنظيم (بنسبة 14٪ فى عام 2015 و23٪ فى عام 2016)، والخسائر الحاصلة بسبب تراجع عدد السكان الذين هم تحت السيطرة بناء على تقديرات ما قبل الحرب (بنسبة 4.8٪ فى عام 2015 و18.3٪ فى عام 2016)، علاوة على تناقص معدل المصادرات، حيث بلغت التقديرات ما بين 200 و300 مليون دولار فى عام 2015، وبين 110 و190 مليون دولار فى عام 2016. إن تقييم مالية تنظيم داعش بالأساليب التقليدية وفق مبدأ «مكافحة تمويل الإرهاب» يؤدى إلى تصورات خاطئة للغاية. فهذا التنظيم ظاهرة مختلفة جذريا بسبب الأراضى التى يسيطر عليها والفرص التى توفر له دخولا لا حصر لها. وخلافا لمعظم الجماعات الإرهابية لدى التنظيم سكان يمكن جمع الضرائب منهم، ولديه من الأراضى التى يمكنه استغلالها، سواء كان ذلك عن طريق استخراج الموارد الطبيعية، أو الاستيلاء على الممتلكات، أو نهب البنوك والمحلات التجارية. وهذا يعنى أن هذا التنظيم هو أقل الجماعات الإرهابية اعتمادا على المانحين الأجانب، والجمعيات الخيرية، أو استخدام النظام المصرفى الدولى. إن اعتماد التنظيم على السكان وعلى الأراضى التى يتم الاستيلاء عليها سوف يقلل مستقبلا من موارده. ووفقا للأرقام التى قدمها التحالف الدولى، فقد التنظيم الكثير من أراضيه وسكانه، وهذا يعنى أن لدى التنظيم عددا أقل من الناس والشركات، وسيطرة أقل على الموارد الطبيعية، خصوصا حقول النفط. وهناك إجراءات خاصة قام بها التحالف الدولى أثرت على تمويل التنظيم تأثيرا كبيرا. وكان من أهمها: «1» قرار الحكومة العراقية فى أغسطس عام 2015 بوقف صرف رواتب موظفى الحكومة فى الأراضى المحتلة من تنظيم داعش. «2» إطلاق عملية الموجة العارمة الثانية فى أكتوبر 2015 التى استهدفت البنية التحتية الأساسية للنفط ونظم النقل، والمستودعات النقدية. و«3» مواصلة الجهود للحد من التهريب عبر الحدود مع تركيا والمناطق التى يسيطر عليها الأكراد فى العراق. وباختصار، فقد انخفضت ميزانيات التنظيم وذلك دون اللجوء لتدابير تهدف لتجفيف منابع التمويل المفترضة بحسب المقاربة التقليدية التى تهتم بتتبع مصادر التمويل الخارجية أو مراقبة النظام المصرفى، ولكن فى الغالب بسبب الحملة السياسية وعسكرية الواسعة لعزل الحركة وإعادة الأراضى التى حصلت عليها. وبحسب صحيفة «دير شبيجل» الألمانية، فإن ما يقدمه التقرير من معلومات يغفل جانبا مهما، وهو حجم تمويل داعش للعمليات التى يجريها على الأراضى الأوروبية. فتنظيم بهذا الحجم بحسب التقديرات التى يقدمها التقرير المذكور، كم تبلغ الأموال التى يعتمدها للإنفاق على عملياته خارج الأراضى التى قام باحتلالها. وبحسب الصحيفة الألمانية، فإن العملية الإرهابية الكبيرة التى جرت فى فرنسا قد بلغت تكلفتها عشرين ألف يورو، فيما كان المبلغ المدفوع لإجراء عملية بروكسل زهيدا مقارنة بإمكانيات التنظيم المالية.