لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    رئيس الوزراء: الفترة المقبلة تشهد تخفيضات جديدة في أسعار الدواجن والخضراوات    KGM الكورية توفر سياراتها بالمنطقة الحرة تأييدًا لمبادرة الحكومة المصرية    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    القادة العرب بقمة البحرين يدينون امتداد العدوان الإسرائيلي إلى رفح الفلسطينية    أحمد الطاهري: بيان القمة العربية تضمن المحاور الرئيسية لكلمة مصر    وزير الداخلية السلوفاكي: منفذ الهجوم على رئيس الوزراء تصرف بمفرده    أوكرانيا تتهم القوات الروسية بجرائم حرب بالقرب من خاركيف    «كارثة متوقعة خلال أيام».. العالم الهولندي يحذر من زلازل بقوة 8 درجات قبل نهاية مايو    إسباني محب للإنذارات.. من هو حكم مباراة النصر والهلال في الدوري السعودي؟    ضبط سيدة تدير كيانا تعليميا وهميا للنصب على المواطنين بالقاهرة    نقابة المهن الموسيقية تنعى زوجة الفنان أحمد عدوية    لهذا السبب مسلسل «البيت بيتي» الجزء الثاني يتصدر التريند    طريقة عمل البطاطس المحشية باللحمة المفرومة بمكونات بسيطة    "الصحة" تنظم فاعلية للاحتفال باليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد .. صور    كيف تؤثر موجات الطقس الحارة على الصحة النفسية والبدنية للفرد؟    "هُتك عرضه".. آخر تطورات واقعة تهديد طفل بمقطع فيديو في الشرقية    أخبار الأهلي: شوبير يكشف مفاجآة في مفاوضات الأهلي مع نجم الجزائر    تفاصيل اجتماع وزيرا الرياضة و التخطيط لتقييم العروض المتُقدمة لإدارة مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية    هالة الشلقاني.. قصة حب عادل إمام الأولي والأخيرة    جامعة الفيوم تنظم ندوة عن بث روح الانتماء في الطلاب    السفير المصري بليبيا: معرض طرابلس الدولي منصة هامة لتسويق المنتجات المصرية    17 صورة من جنازة هشام عرفات وزير النقل السابق - حضور رسمي والجثمان في المسجد    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    وكيل الصحة بالشرقية يتفقد المركز الدولي لتطعيم المسافرين    عاجل.. انتهاء موسم نجم برشلونة بسبب الإصابة    قطع مياه الشرب عن 6 قرى في سمسطا ببني سويف.. تفاصيل    ننشر حركة تداول السفن والحاويات في ميناء دمياط    إطلاق مبادرة لا للإدمان في أحياء الجيزة    «زراعة النواب» تطالب بوقف إهدار المال العام في جهاز تحسين الأراضي وحسم ملف العمالة بوزارة الزراعة    الجمعة .. انطلاق نصف نهائي بطولة العالم للإسكواش بمصر    فنانات إسبانيات يشاركن في الدورة الثانية من ملتقى «تمكين المرأة بالفن» في القاهرة    محافظ المنيا: قوافل بيطرية مجانية بقرى بني مزار    جامعة المنوفية تتقدم في تصنيف CWUR لعام 2024    العربية: مصر تواصل تكوين مخزون استراتيجي من النفط الخام بعشرات المليارات    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    موعد عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات فلكيًا.. (أطول إجازة رسمية)    تأكيدا ل"مصراوي".. تفاصيل تصاعد أزمة شيرين عبد الوهاب وروتانا    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    توقيع بروتوكول تجديد التعاون بين جامعة بنها وجامعة ووهان الصينية    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    بالفيديو.. الطاهري: مصر صوت العقل والأكثر دراية بالألم والخطر الذي يمر به الإقليم    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    خارجية البحرين: القاهرة حريصة على نجاح قمة المنامة.. ونقدر الدور المصري    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    «القاهرة الإخبارية» ترصد آخر الاستعدادات للقمة العربية في البحرين قبل انطلاقها    كولر يحاضر لاعبى الأهلي قبل خوض المران الأول فى تونس    «الإفتاء» تحسم الجدل حول مشروعية المديح والابتهالات.. ماذا قالت؟    عبد العال: إمام عاشور وزيزو ليس لهما تأثير مع منتخب مصر    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"أدب الهامش ومواقع التواصل الاجتماعي" بحث جديد لمحمد سيد ريان
نشر في البوابة يوم 29 - 12 - 2016

شارك الكاتب والباحث في مجال الثقافة الرقمية، محمد سيد ريان، في الدورة الحادية والثلاثين للمؤتمر العام لأدباء مصر، الذي انتهت فعالياته مؤخرا ببحث هام يحمل عنوان "أدب الهامش ومواقع التواصل الإجتماعي"، وكان من ثمار هذا البحث صدور توصية خاصة من أمانة المؤتمر ب"حث المؤسسات الثقافية على خلق آلية ثابتة لتسويق المنتج الثقافي".
"البوابة نيوز" تواصلت مع الكاتب لنشر هذا البحث الهام وفيما يلي نصه:
مقدمة
تعد ثقافة المجتمعات هي اخر ما تبقى من الهويات القديمة وتراثها وأصولها الحضارية وهي حائط الصد الأخير ضد طغيان موجات العولمة الثقافية ومحاولات الإختراق الثقافي والفكري وصعود نجم ما يسمى بالمواطن العالمي في مقابل المواطن الملتزم بثقافة مجتمعه وقيمه وتاريخه.
ارتبطت نشاة الدول بالمركزية، فالمركز هو العاصمة وهو الجهاز الإداري بكل بيروقراطيته وأجهزته التنفيذية والأمنية، الذي لا يستوعب إلا في حالات نادرة وقليلة في أغلب الأحيان من هم في الهامش.
كما أثر الاهتمام بالمركز علي حساب الهامش على الطرق والمواصلات والخدمات والمرافق الممتدة إلى الأقاليم البعيدة، فقد كان له عظيم الأثر علي الثقافة وأبرز الأمثلة في هذا الاتجاه هو الحالة المصرية، فالكاتب والمثقف المركزي العضوي المقيم في القاهرة كان هو الأقرب إلى الانتشار وتحقيق المجد الأدبي – ربما كان الكثيرون منهم أقل موهبة – من غيرهم من أدباء الأقاليم والهامش الذين لم يستطيعوا أن يحققوا ذلك إلا بالإقامة بالقاهرة.
وهكذا ظل لمدينة القاهرة أهميتها للأدباء والكتاب والمفكرين والمثقفين عامة، فهي المسرح الحقيقي للأحداث في معظم الأعمال الأدبية العربية، وهي المدينة التي تمثل الواقع بكل شخوصه وهمومه وآماله وطموحاته، والمدينة المركز بالنسبة لكل القادمين من الأقاليم والمدن والقرى والنجوع هي "مصر " ؛ وما زالت رغم وسائل الاتصال الحديثة تجذب مزيدًا من الشعراء والأدباء للإقامة والاستقرار فيها ونشر باكورة أعمالهم.
ولعل أبرز من منحوا القاهرة جانبًا كبيرًا من إبداعهم فصعدوا بها للعالمية هو أديب نوبل نجيب محفوظ فقد كانت القاهرة بأحيائها وشوارعها وأزقتها هي البطل الحقيقي في روايات نجيب محفوظ وقد استطاع بذلك أن يفعل مع القاهرة كما فعل ديكنز فى مدينة لندن وجوبس فى دبلن واديث وارتون فى نيويورك.
الإنترنت وثقافة الهامش:
كان لانتشار شبكة الإنترنت في دول العالم مع بداية الثمانينات دور كبير في الربط الشبكي بين دول العالم، وسهولة نقل البيانات والمعلومات؛ بينما كانت البداية الحقيقية للإنترنت في العالم العربي في أوائل التسعينيات وكان في مقدمة الدول التي ظهر بها ثم تزويدها بخدمة الإنترنت هي: تونس والكويت ومصر ثم تلتها باقي الدول العربية بمرور الوقت وتوافر البنية التكنولوجية لاستخدام الإنترنت.
ومع ظهور الإنترنت وانتشار خدماته بمعظم القرى والنجوع بدأت الطفرة الحقيقية في أن يصل أديب الهامش سواء في الصعيد أو في سيناء أو الصحراء إلى التواصل مع المؤسسات الثقافية المختلفة بالعاصمة دون أن يغادر مكانه عن طريق إرسال أعماله بالبريد الإلكتروني إلى دور النشر والمجلات الثقافية، وربما يتم التوقيع الإلكتروني على التعاقد المبرم بينهما عبر الإنترنت.
اما الثورة الحقيقية في هذا المجال فجاءت من مواقع التواصل الإجتماعي وخصوصا فيس بوك وتويتر ويوتيوب، فقد أصبح الكاتب المقيم في الاقليم البعيد اكثر انتشارا من الاديب المقيم في العاصمة ويظهر ذلك في عدد معجبينه ومتابعيه علي الموقع، وأصبح الفنان الذي لا يجد مراكز أو مسارح أو قاعات لعرض فنه وإبداعه الغنائي والموسيقي يستطيع أن ينشيء قناة علي اليوتيوب ليعرض فيها إنتاجه ويجد من يتابعونه وربما يستطيع بعدها أن ينافس الفنانين في العاصمة ويتفوق عليهم.
ويجب أن نؤكد على تأثيرات الوسائط الاجتماعية على الثقافة المعاصرة في عدة ثنائيات كالتالي:
1.النشر والانتشار
2.الاتصال والتواصل
3.الإنتاج والتفاعلية
النشر والإنتشار
من أهم خصائص مواقع التواصل الاجتماعي هو نشر المعلومات والتطبيقات والمواد النصية والسمعية والبصرية علي شبكة الإنترنت، ومن هنا تأتي فكرة الانتشار السريع والفعال لتلك التطبيقات علي نطاق واسع بما يحقق ثراء المعرفة البشرية والثقافة الإنسانية.
الاتصال والتواصل
يتم الإتصال علي الإنترنت عبر شبكات الكمبيوتر Networks بأنواعها المختلفة معتمدة في ذلك على تكنولوجيا الاتصالات السلكية واللاسلكية.
ومن شبكات الكمبيوتر Computer Network إلي شبكات التواصل الاجتماعي Social media ينشأ التواصل الاجتماعي والثقافي بما يتغلب علي العوامل الجغرافية والاقتصادية التي غالبًا ما تحول دون ذلك.
♦ الإنتاج والتفاعلية:
سمة مواقع التواصل الاجتماعي إنتاج وسائل ووسائط تسهل من وصول الرسالة الإعلامية وتحسن من صياغتها وأدواتها والقائمين عليها.
كما انها تقوم بإضافة منتجين ومبدعين جدد عن طريق سهولة التعامل مع ادواته، وعلي سبيل المثال يقوم كثير من الشباب بإعداد صحف إلكترونية توجد علي الإنترنت كمبادرات شبابية وعادة ما تحقق نجاحًا منقطع النظير بالمقارنة بصحف أخرى تلتزم المهنية والحرفية.
أما التفاعلية وهي أهم سمات الإعلام الجديد فهي تقوم على تبادل المعلومات بين الأشخاص وتعزيز النشاط والتفاعل بينهم.
وينبغي الإشارة غلي انه لا بد من الاهتمام بالسياسات الثقافية الجديدة وقضية المحتوى على الإنترنت، خاصة أن عدم وجود محتوى جيد أو حتى وجود محتوى هلامي غير ناضج شيء سيعود بنتيجة سيئة علي الجيل الجديد، فعلى الرغم من أهمية الشبكات الاجتماعية والإخبارية إلا أنها بدون صياغة جيدة وثقافة تقوم على أسس وأخلاقيات المجتمعات تصبح ترسيخ لقيم مادية لا تضع مجالا للإنسان أو قيمه أو طموحاته أو مستقبله الشخصي والمهني.
تبقي نقطة مهمة وهي أن ثقافة الهامش هي آخر ما تبقى من الهويات القديمة وتراثها وأصولها الحضارية وهي حائط الصد الاخير ضد طغيان موجات العولمة الثقافية ومحاولات الاختراق الثقافي والفكري وصعود نجم ما يسمى بالمواطن العالمي global citizen في مقابل المواطن الملتزم بثقافة مجتمعه والتزاماته.
وفي هذا المجال من الممكن الاستفادة من الأساليب التكنولوجية والشبكات الاجتماعية كوسيلة للربط والوحدة في ظل التنوع، فنحن لدينا فرصة ذهبية وهي تواجد الشباب بصورة كبيرة علي الانترنت وهم طاقة يمكن إستغلالها بصورة جيدة ليشكلوا حائط صد ضد كل محاولات التشتيت والتفرقة بعيدًا عن قضايا الأمة الحقيقة والمصيرية، وحين نستطيع تجاوز تلك الخلافات نستطيع تحقيق القوة الحضارية للعرب كما يذكر المفكر الدكتور محمد جابر الأنصاري، والتي تعود أسباب نكستها وتراجعها إلي تكوين العرب السياسي وافتقاد عنصر الوحدة وكذلك التدخل والمؤامرة الأجنبية ونطرح سؤالا طرحه منذ سنوات إلى أي مدى سنستطيع إثبات قدرتنا على إدارة السياسة، وبخاصة إدارة السياسة المحلية ؛ هذا هو سؤال اللحظة التاريخية الحالية، فهل نستطيع في الإجابة عليه وننجح في إدارة المرحلة القائمة والمرحلة القادمة.
جدير بالذكر ان الفترة الأخيرة شهدت تزايدًا كبيرًا في الصفحات الشخصية للأدباء والكتاب والمثقفين وبدأ الجمهور يلاحقهم علي "فيس بوك"، ولعل ذلك ساهم بقدر كبير في تغيير الصورة النمطية للكتاب واندماجهم في المجتمع عبر الفيس بوك، وساعد ذلك أيضا على متابعتهم لأصداء كتابتهم ومواقفهم عبر التعليقات التي ينشرها المتابعون على صفحاتهم لتشكل تغذية راجعة ونقاشات ثرية حول الانتاج الأدبي والفكري لهؤلاء الكتاب.
أما دور النشر والمكتبات فقد أطلقت الجروبات والصفحات للدعاية للكتب والإصدارات الحديثة باستغلال كل أساليب التسويق الإلكتروني والدعاية من بوسترات وتصميمات وشعارات تجذب الزوار ونجحت دور النشر الجديدة في ذلك على عكس دور النشر القديمة والمؤسسات الحكومية التي ما زالت لا تعتمد على الفيس بوك ولكن تعتمد علي اساليب الدعاية التقليدية مثل الصحف والمجلات المطبوعة.
♦ المهمشين بين التاريخ والأدب:
في كتابه "التاريخ الشعبي لمصر في فترة الحكم الناصري: رؤية جديدة من وجهة نظر المهمشين" يشير الدكتور خالد أبو الليل إلى أن فكرة خلق التاريخ الشعبي أو التاريخ من أسفل تعني التفكير بشكل جزئي فيمن هم "محجوبون عن التاريخ"، ولكن المؤرخين الشفاهيين أيضا يضعون في اعتبارهم الطرق المختلفة لإدراك التاريخ وتنميتها بوصفها نتيجة لخبرات تاريخ الحياة، إن المؤرخين الشفاهيين لا يريدون- فقط- أن يرسموا خريطة لجوانب حياة المهمشين وانعدام قوتهم، ولكنهم يريدون– أيضا- تسجيل حالات المقاومة والخضوع، إنهم يودون رصد المحاولات الناجحة وغير الناجحة لخلق التغيير بواسطة المجتمع الأقل قوة، ويعني "التاريخ من أسفل" أيضا العمل على مشاركة قطاع أكبر من المجتمع فى إنتاج التاريخ.
ويتضح مما سبق أهمية دراسة التاريخ الإجتماعي للجماعات المهمشة، وفي هذه الحالة لا يمكن الاعتماد على كتب التاريخ وحدها، حيث إن المنطلق الأساسي الذي انطلق منه هؤلاء المؤرخون هو التأريخ للقادة مع تهميش عامة الناس، وللأفراد مع تجاهل الجماعات الشعبية، إنه تاريخ النخبة وليس تاريخ المهمشين، هنا تبرز أهمية استخدام الأدب في التاريخ الاجتماعي والشعبي فهو يرصد أفكار ومشاعر تلك الفئات المهمشة سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا.
♦ المهمشين والثقافة في عصر الجماهير الغفيرة:
رؤية مهمة حملها المفكر الكبير الدكتور جلال أمين في كتابه " عصر الجماهير الغفيرة 1952 – 2002 " حيث يوضح الكاتب تأثير مهم لظاهرة الزيادة السكانية والجماهير الغفيرة بالمدن الكبري على الثقافة وهي نقيض ثقافة الهامش التي ظلت على نقائها واحتفاظها بأصولها فيذكر أنه قبيل الحرب العالمية الثانية كانت تصدر في مصر مجلتان ثقافيتان رفيعتا المستوى هما: "الرسالة" و"الثقافة"، ولم تكن أي منهما تطبع وتوزع أكثر من ألفي نسخة، ومع ذلك كان لهما تأثير عظيم في مصر والعالم العربي، تغير الأمر في أعقاب الحرب، وبدأتا تواجهان خسارة متزايدة، وأصبحت كل منهما تشكو من ضآلة حجم الطلب عليها بالنسبة لنفقات الطباعة، لم يكن عدد القراء قد انخفض بالطبع، بل بالعكس، فقد ازداد بداهة مع ازدياد عدد السكان والمتعلمين، ولكن المشكلة لم تكن في الحجم المطلق للطلب على المجلتين بل في حجمه النسبي، ففي الوقت الذي ازداد فيه عدد قراء المجلتين الرفيعتين زاد أيضًا، وبنسبة أكبر بكثير، عدد قراء نوع آخر من المجلات والجرائد الأكثر سطحية والأكثر استجابة لغرائز القراء.
وربما يفسر ذلك ما أوضحه المؤلف في موضع آخر وهو النقمة المتعلقة بالثقافة، ذلك أن هذا الاتساع الكبير فى السوق، هو نفسه، قد جعل من المربح جدا أن تنتج ثقافة متوسطة المستوى، بمعنى أنها ثقافة تستجيب للقاسم المشترك الأعظم بين جمهور غفير من الناس، وهذ القاسم المشترك ليس للأسف بأفضل الأشياء أو أعمقها أو أنبلها، أو أجملها أو أكثرها ذكاء، بل هو فى أغلب الأحيان أكثر الأشياء استجابة لغرائز الإنسان الدنيا: الجنس أولا، والعنف ثانيا.
قد يقال: ألا يعنى اتساع السوق أيضا، وجود سوق متسعة كذلك للأشياء الجميلة والنبيلة والذكية... إلخ؟ ألا تسمح ضخامة حجم السكان، مع ارتفاع مستوى الدخل، بوجود عدد كبير أيضا من المتعلمين وواسعى الثقافة ومن ذوى الذوق الراقي والحس المرهف، أكثر مما تجده فى مجتمع صغير السكان ومنخفض الدخل؟ بلى، هذا صحيح بالطبع، ولكن المهم هنا ليس العدد المطلق بل العدد النسبى، فالذى يحدد نوع الثقافة التى سوف تسود فى النهاية ليس هو العدد المطلق لمن يطلب هذا النوع من الثقافة أو ذلك، بل الحجم النسبى لكلا النوعين، فإذا كانت نسبة طالبي الثقافة الهابطة أعلى بكثير من نسبة طالبي الثقافة الرفيعة، حتى ولو كان عدد طالبي الثقافة الرفيعة كبيرًا كعدد مطلق، فلا بد أن تسود الثقافة الهابطة.
وهنا يوضح الكاتب أن القول بأن الرأسمالية تنفي الثقافة، يلمس أيضا جانبًا مهمًا من الحقيقة، إذا أخذنا الثقافة بالمعنى الضيق، أى بمعنى الإنتاج الفكرى والفنى، فكما سبقت الإشارة أن الإنتاج الواسع هو عدو الثقافة الرفيعة، إذ يعتمد على الاستجابة لما يشترك فيه الناس جميعًا، وينفر مما لا يستجيب إلا لنوازع الصفوة، إذ أن هذا النوع الأخير قليل الربح وغير مضمون العائد، ولكن ثقافة الجماهير، يمكن أن توصف، دون أن نبتعد كثير عن الحقيقة بأنها لا ثقافة أو أنها نفي للثقافة أصلًا، فالمسرحيات الهزلية التى لا تطلب من المشاهد قدرات أكبر من القدرة على الضحك على سقوط الممثل على وجهه، أو ضرب ممثل لآخر على قفاه، أو ظهور ممثل على خشبة المسرح بالملابس الداخلية ... إلخ، وأفلام الإثارة التى تعتمد على تعرية الممثلة لجسمها أو على الإشارات الجنسية المتكررة طوال الفيلم.. إلخ، هذه المسرحيات أو الأفلام يمكن أن توصف ليس بأنها مجرد ثقافه هابطة بل بأنها ليست ثقافة أصلا.
وهنا ينبغي أن نشير إلي أن التحديات، والعقبات، والمشكلات السياسية، وحقوق الإنسان، والتطورات الدولية، والتوقعات الاقتصادية، والحروب والفتن، والفساد الحكومي، والنمو المتزايد في أعداد السكان؛ ومن ثم الزيادة في أعداد المهمشين سياسيًا، وزيادة الفجوة التكنولوجية، والتفاوت الكبير في مستوى المعيشة كان لها دور كبير في الاتجاه نحو دراسة ظاهرة المهمشين في عصرنا الحالي، كما أثرت زيادة اعداد مستخدمي الإنترنت بالأقاليم البعيدة فلعبوا دورًا مهمًا وشكلوا فكرًا، ورأيًا معارضًا أو مؤيدًا، وانتجوا ممارسات فكرية وثقافية وأدبية مهمة.
♦ المهمشون وتسويق المنتج الثقافي بين الواقع والافتراضي:
يأتي الاهتمام في الوقت الحالي بمجال التسويق الإلكتروني في قطاع الثقافة كنتيجة حتمية وتطور طبيعي تفرضه سنن الحياة والواقع وحل مهم لقضية الهامش والأطراف ؛ ولعل ظهور تطبيقات التجارة الإلكترونية والتسويق والترويج الإلكتروني ساعد علي سقوط النظرية السائدة حتى وقت قريب وهي نظرية التركيز علي المنتج أو السلعة وتقوم بوصف ملامح المنتجات المختلفة ومدي تأثيرها وكفاءتها وفاعليتها وسلوك المستهلك تجاه المنتج وعلاقات العرض والطلب وكذلك دراسات المنافسين والصمود والحفاظ علي الإستمرارية والبقاء في ظل التحديات المحلية والإقليمية والتحولات العالمية نحو السوق الكبير والرؤية الأوسع والعالم الأشمل والخدمات الأفضل ؛ وهكذا تغير فكر الشركات والمؤسسات من التركيز على المنتج إلي التركيز على السوق والعميل والأهم التقنيات والأدوات المستخدمة في الجذب والدعاية والترويج للمنتج أو الفكرة الجديدة.
يقصد بالمنتج الثقافي كل ما يصدر عن أفراد أو جماعات أو مؤسسات أو جهات رسمية أو مبادرات تتضمن أفكار ورؤى لها طابع ثقافي سواء كان ذلك كتابًا أو فيلمًا أو مقطوعة موسيقية أو مسرحية أو لوحة فنية، ويتضمن الإبداع الثقافي: ( الأدب – النقد – الفكر – الفن - الثقافة العلمية – الإبداعات الجديدة).
ويرتبط مصطلح المنتج الثقافي بمصطلح آخر وهو "الصناعات الثقافية" وهو مصطلح عميق الصلة بثقافة الهامش، وحسب تعريف اليونسكو فإن المنتجات الثقافية تكون حاملة للهوية والقيم والدلالات، وفي الوقت نفسه عوامل تنمية اقتصادية واجتماعية، ويقتضي صون التنوع الثقافي وتعزيزه تشجيع قيام صناعات ثقافية مزوَّدة بوسائل إثبات ذاتها على المستويين المحلي والعالمي.
ويتصل ذلك أيضا بمفهوم الإبداع الثقافي ويقصد به إنتاج رؤي وأفكار ومبادرات جديدة في مواجهة التحديات والتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية.
في عالمنا العربي يعاني المنتج الثقافي بمختلف أنواعه من مشاكل تسويقية كبيرة، وينعكس ذلك علي معظم المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة ودور النشر والتوزيع ؛ ولذلك تتجه الأنظار حاليًا في ظل الطفرة المعلوماتية، ومع التقدم التكنولوجي الكبير، وزيادة الاعتماد على وسائط التواصل الاجتماعي ومحركات البحث إلى أهمية تفعيل دور التكنولوجيا في المجال الثقافي.
♦ المفاهيم المغلوطة في الحقل الثقافي عن عملية التسويق:
هناك الكثير من المفاهيم الخاطئة والمغلوطة والتي تساهم في إعاقة التفكير في حلول إبتكارية للخروج من النفق المظلم، وتنتشر تلك الأفكار والافتراضات بين الكثيرين من المثقفين وأشباه المثقفين.
♦ التسويق والإبداع لا يجتمعان:
يعتقد الكثير من المثقفين أن منطق التسويق يختلف تمامًا عن منطق الإبداع، فالإبداع له معايير ومواصفات تقوم على طرح رؤى ثقافية وفنية قد لا تناسب ذوق أغلبية الناس، وهذا خاطئ لأن المبدع يتوجه بعمله للناس ولا ينبغي له أن يعيش منعزلًا في برج عاجي، فالكاتب والفنان هو المحرك الثقافي لمجتمعه، والتسويق لعمله هو وسيلته لتوصيل رسالته.
♦ التسويق يتم بعد الانتهاء من المنتج الثقافي:
يعتقد البعض أن التسويق يتم بعد خروج المنتج الإبداعي للنور بصورة نهائية، وهذا مفهوم خاطئ ويؤدي لنتائج سيئة، فالتسويق الاستراتيجي والتخطيط قبل صدور المنتج الثقافي، ودراسة مدى ملاءمته وأهميته يساعد فيما بعد على رواجه، ولا يقل أهمية عن التسويق التعاملي بعد إخراج العمل.
♦ التسويق يعني تحقيق نسب مبيعات كبيرة:
يجب معرفة حقيقة هامة وهي أن التسويق لايعني البيع الكبير، فعملية التسويق تشمل عمليات كثيرة مثل البيع والإعلان والترويج وغيرها.
♦ التسويق لمصلحة الناشر فقط:
يخطئ الكثيرون حين يعتقدون أن التسويق يصب في مصلحة الناشر فقط باعتباره من يحصد المبيعات، وهذا تفسير خاطئ لأن عملية التسويق مهمة لكل أضلاع العملية الثقافية ( المؤلف - الكتاب – الناشر – القاريء ) فالتسويق مهم للكاتب برواج عمله ووصول رسالته الثقافية، ومهمة للقارئ بضمان حصوله على المنتج الثقافي أو الخدمة الثقافية المطلوبة، ومهمة للكتاب بإتاحته بكل الوسائل مما يساعد على نجاحه وتحقيق المستهدف والمرجو منه.
ولا بد في النهاية التأكيد على أهمية التكاتف المجتمعي من قبل كل المؤسسات وأفراد المجتمع لنجاح المبادرات الخاصة بتسويق المنتج الثقافي وخصوصًا للفئات البعيدة والمحرومة من وصول المنتج الثقافي، ومحاولة كل في مجاله أن يصب جهوده في النهاية لتحقيق الأهداف القومية للثقافة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.