لست مقتنعًا بأن حرائق إسرائيل هي عذاب من الله بسبب منع الكيان الصهيوني رفع الآذان في مكبرات الصوت، كما يقول الملايين من "الناشطين في سبيل اللايكات والكومنتات"، بمواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم سمعوا وتأكدوا من السماء أن الله يصب غضبه على إسرائيل، ولكن دعونا نتحدث على افتراض أن الأمر صحيح، وأن الله تدخل لإنقاذ دينه! فماذا يعنى ذلك؟. لم يسبق لنا أن علمنا أن الله تدخل بذاته، وعظمته للحفاظ على حقه، بشكل يراه البشر، إلا في الأوقات التي نعجز فيها عن حماية دينه، وهو ما حدث مع أبرهة الحبشي، حين أراد أن يهدم الكعبة، وذهب له جد الرسول يسأله عن "نوقه"، وقتها قال له أبرهة: "ظننتك تسألني عن بيت ربكم"، فقال له: "للبيت رب يحميه"، ذاك الموقف السلبي من البشر استدعى أن يتدخل الله بنفسه ليحمي بيته. ذاك المشهد هو بذاته ما حدث في إسرائيل من حرائق، ورد العرب قائلين: "للآذان رب يحميه"، لو كان فعلا من غضب الله، فذلك لأنه وببساطه لم يجد الله فينا رجلًا يدافع عنه بحق، ولا ملكًا حرك جيشه لنصرة الدين. وكما نقول دائمًا: "شر البلية ما يضحك"، فبعد حريق إسرائيل وتحت هاشتاج "#إسرائيل_تحترق"، بات ناشطي السوشيال ميديا بالشماتة في الاحتلال، مرددين الآية العظيمة التي قال فيها الله: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا". عن أي مساجد تتحدثون، تلك التي باتت خاوية على عروشها من قلة المصلين، فمن منكم يعرف أو يتذكر عن تلك المساجد؟، حتى أنا لا أخفيكم سرًا، لا أعرف عن المسجد شيئا!، فوجب على الجميع أن يصمت ويسأل نفسه، متى كانت أخر مرة ذهب فيها إلى المسجد، بخلاف صلاة الجمعة، التي أصبحنا نذهب لها عادة وليست عبادة، فكفاكم تنظير، فدين الله لن يتحرر بذلك العبث أبدًا. دعونا نتحدث بعقل حتى لا يضحك علينا العالم أكثر من ذلك، ذاك الاحتلال يقتل وينكل ويحرق ويهدم أجزاء من المسجد الأقصى، أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين، منذ عام 1948، لماذا تذكر الله مسجده اليوم؟، فجميعنا يعلم أن حرمة قتل المسلم عند الله أكبر من حرمة هدم بيته؟. ما حدث في إسرائيل ليس جديدًا علينا، وحدث من قبل في معظم الدول التي تكتظ بالغابات والأشجار، في كثير من البلدان الأوروبية، فلماذا لم نعتبر هذا غضبًا؟، بالمناسبة كان هناك قرار صدر منذ فترة في مصر بمنع الصلاة جهرًا في مكبرات الصوت؟، فهل لهذا له علاقة بحرائق رمسيس والعتبة؟، هل صب الله غضبه على أرضنا لأننا منعنا قراءة القرآن في مكبرات الصوت في الصلوات الجهرية؟. الغريب أن قليلين هم من فهموا أن من تحترق هي فلسطين، وليست إسرائيل، وأن ما يُدمر ويُطمس، هو ما تبقى من التراث الفلسطيني، وعلامات الأرض والأشجار التي عمرها أكبر من عمر الاحتلال. ومهما كلف الاحتلال هذا الأمر من ملايين لإخماد تلك الحرائق، فهو في صالحها، لطمس أخر ما تبقى من المعالم الفلسطينية، وما هي إلا أيام قليلة، وسنسمع أخبارًا متواتر عن تورط الفلسطينيين في تلك الحرائق، وكسب الكيان الصهيوني، مزيدًا من التعاطف العالمي، على حساب العرب والمسلمين. بتنا ننتظر المخلص، رغم أننا نعلم أن زمن المسيح قد فات، أي مخلص تنتظرون، الأمر بات أشبه بنساء تندب على مواقع التواصل الاجتماعي بأن الله انتصر، دون أي خجل من تخاذلنا، وأننا لسنا رجالًا، فبات الله يدافع عن دينه بنفسه، ولم أجد واحدًا يقول:"حي على الجهاد في سبيل الله"، ولكن وجدت الملايين يقولون: "انتصر الله"، وهو ما يذكرني بما قاله اليهود لموسى عليه السلام،:" قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ "، فلو حقًا ما حدث في إسرائيل عذاب من الله، فأخبروني بأي وجه نحتفل نحن بذاك الانتصار، الذي لا يحق لنا الاحتفال به، لأنه خاص بالله عز وجل وجنوده، ولنا نحن الخيبة ودفن رؤوسنا في الرمال. من منكم لا يعلم أن هولندا منعت الآذان منذ حوالى 7 أعوام، فلماذا لم يصب الله عليها غضبه كما فعل بإسرائيل؟، من منكم لا يعرف مجمل الانتهاكات التي تقترفها فرنسا ليس في حق الدين الإسلامي فقط، ولكن في حق ذات الله العظيمة، فلماذا أيضًا لم يصب الله عليهم غضبه؟، أين الناشطين في سبيل السوشيال ميديا من تلك الدول. ومن المؤسف، والمضحك أيضًا أن عناوين الصحف منذ أمس عنونت "هاشتاج الكيان الصهيوني يحترق يوحد العرب على الفيس بوك وتويتر"، كنت أتمنى أن أقرأ نفس العنوان ولكن بصيغة أخرى، وهي أن منع الآذان في الأقصى يوحد العرب في تجهيز جيوشهم وتوحيدها للجهاد المقدس، بل كنت أتمنى ألا أقرأ أي عناوين، لأني سأكون مشغولًا بتجهيز نفسي للجهاد. حقًا أنا أشفق على كل مسكين ظن أن إسرائيل سترتعش خوفًا، أفيقوا فهي لا تعترف بالله، ولا بدينه، وستكمل طريقها، وستتعلم من تلك الحرائق كيف تحمي السكان، إذا تكررت الكارثة مرة أخرى. وأخيرًا أقول لكم أيها "الندابون"، أنتم عار على دين الله، فكفاكم ندبًا، نحن العرب والمسلمين بتنا أضعف من أضعف كائنات الأرض، فماذا لو كان بيننا عمر ابن الخطاب الآن، هل كان سيقف موقف ملوكنا ورؤسائنا الذين لم نسمع لهم صوتًا منذ أن قررت إسرائيل منع الآذان هكذا؟، هل كان سيدخل جامعة الدول العربية ويصوت مكتفيًا بإدانة لا تغني ولا تسمن من جوع؟. خبنا وخاب ملوكنا وخاب ولاة أمرنا، فماذا لو رأينا عمر اليوم، ماذا سنخبره عما ضيعنا من تعبه، وتعب رسولنا الكريم، يا بن الخطاب بتنا ندفع الجزية لليهود لرفع آذاننا، وننتظر أن ينتصر لنا الله، ونحن مشغولون ب"فيس بوك". يا بن الخطاب بتنا نتوحد ونجاهد بالكلمات لا السيوف، يا بن الخطاب لا تحزن فالله ناصركم ومهلكنا نحن بما اقترفناه من خيبة وضعف وجهل.