حصلت "البوابة نيوز"، على ملخص البحث الذي تقدم به رائد أدب الطفل يعقوب الشارونى؛ الذي حمل عنوان "مستقبل كتاب الطفل فى ظل منافسة الوسائط الثقافية الرقمية الحديثة"، للمشاركة في مؤتمر "أدب الطفل والتحديات المعاصرة" والذي يعقد بدار الكتب والوثائق، وجاء نصه كالتالي: مع تزايد اهتمام أبناء جيل الإنترنت بالسياسة، فإنهم سيُزيحون نموذج السياسة التقليدى القائم على الخُطَب والتلقين، فنشأتهم الرقمية - نتيجة ما استمدوه من تعاملهم مع الإنترنت بمميزاته، ومع مختلف وسائط التواصل الاجتماعى - تجعلهم يتوقعون " التعاون " وليس الإصغاء فقط يريدون " المشاركة " المباشرة، و" التفاعل "، وتقديم الأفكار، والعمل من أجل تحفيز المبادرات. ومن وجهة نظرهم، " إذا أردت أن تحقق شيئًا ما، فعليك أن تفعله بنفسك ". - فما تأثير هذه القوة الهائلة التى خرجت من القمقم، على الثقافة، والكتاب، والأطفال؟ - وما هو مستقبل كتاب الطفل، فى ظل منافسة هذه الوسائط الثقافية الجديدة المتنوعة؟ تأثير التفاعل الذى يقود إليه العالم الرقمى على قصص وأدب الأطفال التفاعل والتواصل اللذان يقود إليهما العالم الرقمى - وهو تواصل بين الشباب يتم بعيدًا عن رقابة الكبار فى معظم الأحيان - قد أصبحا يؤثران فى أسلوب حديث الشباب وكتاباتهم، وفى أساليب تَعَلُّمِهم، وفى نظرتهم إلى الطريقة التى يفهمهم بها الراشدون، والأسلوب الذى يفهم به الراشدون الشباب، وهو ما ترك آثاره الكبيرة على "موضوعات" أدب الأطفال، و"أساليب معالجتها". لقد أثر النت فى شبابنا ومستقبلنا، وأصبح مصدرًا أساسيًّا " لإعطاء السلطة " للشباب، نتيجة حرية التعبير، والتواصل بين مجموعات كبيرة، استمدت القوة من تجمعها بغير قمع أو تسلط من الكبار. وهكذا وجدنا الراشدين الذين اعتادوا أن يقولوا عن الشباب إنهم "أصغر كثيرًا من أن يفكروا، وأصغر كثيرًا من أن يعرفوا"، قد تم إجبارهم على أن يروا وأن يعرفوا - ويحترموا - القدرات المتسعة المتزايدة للأطفال والبالغين الصغار (الشباب الصغير) وبعد أن كان الكبار يتصورون أن الشباب فى حاجة دائمة إلى حماية الراشدين، أصبح الراشدون لأول مرة على مدى التاريخ يجدون أنفسهم فى حاجة إلى الشباب. كما أن " المشاركة " وليس "التسلط" قد ظهرت بطرق مختلفة، وبدأت القدرات الإنسانية للشباب فى الانطلاق بعد أن كانت مقيدة، كما أصبح واضحًا أن المجتمعات التسلطية فى طريقها إلى التحول لتصبح مجتمعات ديمقراطية. ولاشك أن هذا التغير العميق سيؤثر على نحو حاسم فى الموضوعات الأدبية الموجهة للأطفال والشباب الصغير، وفى رسم الشخصيات، وفى علاقات الأجيال ببعضها، وفيما يقوم بين أفرادها من صراع وأزمات، تتركز حولهما العقدة فى كثير من الأعمال الأدبية والفنية. والكتاب الإلكترونى، الذى يمكن أن تحتوى ذاكرته على حوالى (2500) كتاب (حوالى 2 مليون صفحة)، من بينها معاجم وقواميس ودوائر معارف، قد يكون منافسًا للكتاب الورقى، لكنه فى المقابل يتيح للقارئ آفاقًا أوسع كثيرًا جدًّا للقراءة مقارنًة بالكتاب الورقى، عندما يتيح وجود مكتبة كاملة فى حقيبة اليد أو فى الجيب، من بينها مثلًا، الترجمة الكاملة " لألف ليلة وليلة "، أو قاموس أو دائرة معارف كاملة. ثورة فى عالم كُتب ما قبل المدرسة: القراءة بالحواس الخمس حواس الطفل هى الوسائل الخارجية لجهاز الطفل العصبى، يتلقّى بها الصور الحاسية المُختلفة للعالم الذى يُحيط به. لهذا تهتم التربية فى مرحلة ما قبل المدرسة برعاية نمو الطفل الحاسى رعاية مُزدوجة، تتضمّن: أ- تدريب حواس الطفل على مُلاحظة الأشياء، ولمسها، والقبض عليها، وتداولها بين يديه، حتى يتعرّف على خصائص هذه الأشياء من خلال لُعبه ونشاطه الذاتى. ب- تنويع خبرات الصغير ونشاطاته الحركية، والسمعية، والتذوُّقية، واللمسية، والشمية التى يمر بها، حتى يكتسب معرفة مُتكاملة بالأشياء الموجودة فى بيئته، فيُساعده ذلك على اختيار السلوك الذى يتواءم معها، وبذلك يُساعد هذا التكامل على نمو شخصيته ومعارفه وقدراته العقلية. فبدأت ثورة حقيقية فى تكنولوجيا كُتب صغار الأطفال، تهدف إلى إشراك أكبر عدد من حواس الطفل فى التعامل مع الكتاب. لذلك فإنه، فيما يتعلق بالكتب الموجهة إلى مرحلة ما قبل المدرسة، من عمر يوم إلى أقل من ست أو سبع سنوات، تطورت وسائل تكنولوجيا صناعة كتب صغار الأطفال، إلى ما يمكن أن نسميه "القراءة بالحواس الخمس"، وذلك لجذب المزيد من صغار الأطفال إلى حُب الكتب والاهتمام بالقراءة، ليصبح التركيز فيها على التجسيم والتحريك والأضواء والأصوات والملمس والرائحة، وذلك لإعطاء حواس الطفل دورًا رئيسيًّا فى الحفز على حُب الكتاب، ثم قراءته وفهم مضمونه قصصيًّا كان أو مَعْرِفيًّا. إنها كُتب تم إبداعها لتُناسب أطفالًا لم يتعلّموا القراءة بعد. كُتب يقرؤها الأطفال، ليس بالكلمات، بل برؤية صفحاتها أو أجزاء منها تتجسّم وتتحرّك، تختفى وتظهر، وباللمس بالأصابع، وبالاستماع إلى الموسيقى والأصوات والكلمات، بل وبالشم أيضًا، فبهذه الوسائل يُدرك أطفال العالم، ويستطلعون، ويتعلّمون، ثم يُبْدِعون. إعطاء الطفل دورًا أكثر إيجابية فى التعامل مع الكتاب وإذا كانت شاشات الكمبيوتر والوسائل الرقمية تتيح مجالات متعددة للتفاعل والمشاركة لمن يتعامل معها، فإن كتاب الطفل لم يتراجع أمام هذا التحدى، بل أصبحت كتب الأطفال تعتمد هى أيضًا على إعطاء الطفل أدوارًا إيجابية فى التعامل معها، وذلك لتحقيق التوازن بين علاقة الطفل بالكتاب وعلاقته بشاشة الكمبيوتر. بل إن الطفل فى حاجة إلى هذا التفاعل وهذه المشاركة ويبحث عنهما [فهما أهم أسباب إقبال الطفل على اللُّعبة والألعاب]، وبالتالى أصبح أهم الأسباب فى إقبال الأطفال على مثل هذه الكتب الموجهة إليهم. فلم تعد هذه الكُتب تكتفى بما يتلقاه الطفل بحواسه منها، بل أصبحت تطلب منه القيام بنشاط أو عمل ما، أو تُلقِى عليه أنواعًا من الأسئلة لكى يبحث عن الإجابة عنها.. أى أن الطفل أصبح يتفاعل مع الكتاب، ويُضيف إليه بتدخُّل منه، حتى يكتمل استقباله لما فى الكتاب ثم على الطفل أن يقوم بعد ذلك بعمل إيجابى، مرة أخرى، ليتأكد من صحة وسلامة إجاباته واستنتاجاته، وهو ما يساعده على تنمية قدراته على التعلم الذاتى. كما يجعله فى مستقبل حياته، قادرًا على وراغبًا فى البحث عن إجابات لأية أسئلة تواجهه، عندما يعتاد الرجوع إلى المراجع الرئيسية، مثل دائرة المعارف والقاموس والمعجم وكتاب الخرائط (الأطلس) إن التكنولوجيا الجديدة لكُتب صغار الأطفال،عن طريق "القراءة بالحواس الخمس"، أصبحت تُقدّم الآن، بجانب القصص والصور، كثيرًا من المفاهيم وكُتب المعلومات، التى تُبْدِع فى تنوّع مُدهش مُختلف الأساليب الجديدة، لكى تُناسب أطفالًا لا يقرءون الكلمات، لكن لديهم الاستعداد العقلى للتعرّف والبحث والمُقارنة والاستنتاج عن طريق الحواس والتفاعل الإيجابى مع الكتاب. تزايَد الاعتماد على "الصورة" فى كتب الأطفال والشباب الصغير، فتزايد ما هو موجه إليهم من كتب "الرسوم المسلسلة" نحن اليوم أمام جيل أو أجيال تَرَبَّت على قصص الرسوم المسلسلة فى مجلات الصغار (الاستربس / الكومكس) كما أننا نعيش "عصر الصورة" بسبب الانتشار الواسع للوسائل المرئية من تليفزيون وسينما وفيديو، وبرامج وألعاب الكمبيوتر، وتزايُد اعتماد الصحافة على الصورة، فمع كل خبر أو مقال توجد صورة أو صور. أهم آثار عصر الصورة على أدب الأطفال لقد عَوَّدَت الوسائل المرئية عيون الأطفال على مُشاهدة الأشياء، وليس الاستماع إلى وصف لها، لهذا أصبحوا، فى كتبهم، فى حاجة إلى صور ورسوم لكل ما يمكن أن تراه عيونهم، ولم يعودوا مستعدين "لقراءة وصف" لما يمكن أن يتعرفوا عليه بواسطة حاسة البصر لذلك حدث انفجار فى زيادة ما يصدر من كتب الرسوم المُسَلْسَلة (والتى يمكن أن نطلق عليها "النصوص التصويرية")، التى يتلازم فيها النص مع رسم لكل فقرة، ليس لصغار الأطفال، بل للعمر المتوسط (8 - 12 سنة)، والشباب الصغير (من 13 - 18 سنة)، والذين أصبحت الصورة تلعب بالنسبة لهم دورًا مُهمًّا فى التشجيع على القراءة والتحمس لها، وهو ما يقرره عدد كبير من الخبراء فى أنحاء العالم (كتاب "كتب الأطفال.. دراستها وفهمها"- تأليف "برو جودوين"، الصادر سنة 2008 ) بل هناك الآن من يرون أن النصوص التصويرية وسيلة ناجحة لجذب من لا يقرءون كثيرًا. وهناك عدد كبير من المدرسين يدركون أنها تعد من أفضل الأنماط الأدبية وأكثرها تحفيزًا فى مجال تعليم القراءة. أثر السينما وألعاب الفيديو على القراء الصغار ومن أهم آثار عصر الصورة أيضًا، أن أصبحت أفلام السينما من أهم الفنون التى يتعايش معها أطفالنا حاليًّا منذ الطفولة المبكرة، وذلك قبل أن يجيدوا القراءة بوقت طويل، وذلك نتيجة اعتياد الأسرة على فتح التليفزيون طوال النهار طالما الكبار داخل المنزل، دون التنبه إلى أثر ذلك على صغار الأطفال، أو لعدم إدراك البالغين لوجود مثل هذا الأثر أصلًا. ونتيجة لذلك تَشَكَّل تذوق الأطفال للعمل الروائى المقروء بالبناء الفنى الذى تحرص عليه أفلام السينما، وعلى وجه خاص الأفلام الموجهة إلى الأطفال. ذلك أنه، كلما اقترب بناء العمل القصصى أو الروائى وإيقاعه من هذا الذى تَعَوَّد الأطفال على مشاهدته والتفاعل معه، كان هذا عاملًا مهمًّا فى جذبهم إلى القراءة وتذوقهم لما يقرءون من أعمال روائية أو قصصية. ومن أهم آثار مشاهدة الأطفال لأفلام السينما، أن عيون الأطفال تعودت أن "ترى" الأشياء: أشكال الملابس، طُرز العمارة، مفردات الأثاث، عناصر البيئة (صحراء- بحر - قرية - مدينة)، وتأثيرات المناخ (سماء صافية / سُحب / أمطار...)، وبالتالى قَلَّ اهتمامهم" بقراءة وصف "لهذا الذى تعوَّدت عيونهم أن تستوعبه جيدًا بغير حاجة إلى كلمات. لهذا فإن أدباء الأطفال لم يعودوا فى حاجة إلى "إطالة" الوصف لما يمكن أن تراه العين، وأصبح عليهم أن يتركوا مُهمة بعض الوصف البصرى لعمل الرسام، الذى أصبح دوره ضروريًّا ومطلوبًا حتى بالنسبة لكُتب المراهقين والشباب. كذلك تَعَوَّد الأطفال على الاستماع إلى "الحوار المباشر" (direct speech)، سواء فى الأفلام أو التليفزيون - فلم يعودوا يتقبلون كثيرًا أن نكتفى بأن نسرد لهم مضمون الحوار (indirect speech)