العنوان تعبير عن فكرة الكتاب.. «حشيش الفلاسفة»، أما المحتوى فيتضمن رؤية المؤلف النقدية في إطار نفى الاتهامات المتداولة في العديد من المؤلفات لبعض الفلاسفة والمفكرين، واصفًا تلك الاتهامات ب«مخدر الحشيش» يبثه بعض الكتاب لتغييب العقول. بين دفتى الكتاب، رصد المؤلف «حمودة إسماعيلي» في 180 صفحة رؤيته، كان شغله الشاغل، الاستشهاد ببعض النصوص والعبارات، التي وردت في كُتب وأحاديث فلاسفة وكُتاب آخرين، تبرئ ما ورد من اتهامات بحق الفلاسفة - موضوع الكتاب - مستخدمًا أيضًا بعض النصوص والمواقف التي أوردها هؤلاء الفلاسفة عن حياتهم الشخصية، كما ذكر في مقدمة كتابه: سأسعى إلى توضيح النوازع النفسية الكامنة خلف الممارسة، دون تلفيق أو أضافات من عندى على غرار العين بالعين. وبِالغوص في متن صفحات كتاب «حشيش الفلاسفة.. ما وراء محاكم التفتيش» كرّس المؤلف سطور كتابه، الصادر عن دار «أكتب للنشر والتوزيع»، مساحات كبيرة، للرد على اتهامات وردت في حق بعض الفلاسفة، فقط الأخلاقية منها. كان اختيار «إسماعيلى» عنوان «حشيش الفلاسفة» لكتابه نابعًا من أن المخدرات في الدراما التليفزيونية، تُدس لشخص معين لجره نحو المشكلات، والزج به في السجن، ورميه بتهمة تشوه سمعته، وكلها تخدم غرض إبعاده عن ساحة الخصم وإزاحته عن طريقة مُخطَطة، أما على مستوى الواقع، فإن الأجهزة الأمنية (الفاسدة) تستخدم المخدرات لتحويل التهم البسيطة للأفراد لتُهم كبيرة. يقول «إسماعيلى» في تمهيد الكتاب: حينما يتعمد الناقد في ادعائه بنقد مفاهيم فلسفية لمفكر ما، أو تحليل شخصيته، هادفًا إلى تشويه سمعته عبر التركيز على جوانب معينة لا تخدم غرضه الادعائى بقدر ما تخدم نزوة لديه، فإن الناقد هنا يدس الحشيش لذاك المفكر، شاعرًا كان أو فنانًا، متسائلًا: ما الهدف من نشر مساوئ الآخرين دون فهم الدوافع والأسباب؟ استهل «إسماعيلى» كتابه بمقولة للفيلسوف الرومانى «أبيكتيتوس» تقول: (أليست الحرية هي أن نعيش كما نود، لا أكثر)، ثم بدأ الفصل الأول بالكاتب والأديب والفيلسوف الجنيفى «جان جاك روسو» مُدللًا بمقُولته الشهيرة (حرية الفرد لا تكمن في أنه يستطيع أن يفعل ما يُريد، بل في أنه لا يجب عليه أن يفعل ما لا يُريد). الكاتبان الإنجليزيان في كتاب (فلاسفة يتصرفون بشكل سيئ)، اتهما «روسو» بأنه شخصية فاشلة وأنانية ومضطربة وتعيش على نفقة الآخرين، وما تلبث أن تدخل في شجارات وخصومات مع من حوله، ومن هنا بدأ الكاتب في الرد على هؤلاء قائلًا: لم يعرض الكاتبان جنونًا أو كشفًا لاضطراب عاناه «روسو» بقدر ما حاكماه أخلاقيًا على استمنائه وعيشه مع نسوة، وخلافاته مع بعض معارفه، مندفعين بحماسة لسرد كل ما يقع بيدهما ويخدم مطالبهما سواء حدث أو لم يحدث. في الفصل الثانى كان الحديث عن الفيلسوف الألمانى «آرثر شوبنهار»، المعروف بفلسفته التشاؤمية وصاحب المقولة الشهيرة (القدر يخلط الأوراق ونحن نلعب)، حيث وصف الكاتبان الإنجليزيان، نايجل وميل، شوبنهار في ختام الفصل الخاص بهذا الفيلسوف من كتابهما ب«التافه» مع ذكر خلافاته مع أمه وفشله بالحب ومقته الزواج وكذا المشاركات الاجتماعية، وأيضًا اتهام الكاتب المصرى «رمسيس عوض» لنفس الفيلسوف بالإلحاد كما ورد في كتابه «ملحدون محدثون ومعاصرون». وجاء رد «إسماعيلى» على اتهامات «نايجل وميل»، بالاستشهاد بالوصف الذي أطلقه سيجموند فرويد عن شوبنهار، حين قال إنه «من أعظم المُفكرين»، بينما كان الرد على «عوض» نصًا: هناك مثل بسيط، حيث «رمسيس عوض» مصرى، وغالبية المصرين يتربون حسب ثقافة دينية تزرع فيهم القيم، أكانت إسلامية أو مسيحية أو حتى يهودية، هل جنّب مصر مشكلات أخلاقية وأمنية؟ بينما كان اتهام «فريدريك نيتشه»، من مؤلفى كتاب «فلاسفة يتصرفون بشكل سيئ»، أنه انتهك المحارم مع أخته «إليزابيث»، وتساءل «إسماعيلى» لما لا يُفسر الأمر (وهو الأكثر منطقيًا وعقلانيًا) باعتزاز إليزابيث بأخيها الفيلسوف وافتخارها به؟ واستشهد بأن ما يُعزز ذلك جمعها لمخطوطاته وترتيبها ونشرها بعد موته، كما خصص الكاتب الجزء الأخير من الفصل الثالث بالكتاب، سردًا عن قصة الحب الفاشلة التي وقع فيها «نيتشه» مع «سالومى» لُيبين التغيير الذي طرأ على حياته وجعله يتخلى عن وقار هيئته الفكرية، بعدما أصبحت «سالومى» الشماعة التي يُعلق عليها اضطرابه. (الساحر، المفترس، الفلاح، النازى) كانت هي مجموعة الاتهامات التي وردت في افتتاحية الفصل الخاص بالفيلسوف الألمانى «مارتن هايدجر» من كتاب «فلاسفة يتصرفون بشكل سيئ»، مع النقد اللاذع والسخرية من مظهر «هايدجر»، وما كان أمام «إسماعيلى» إلا الاستشهاد ببعض النصوص التي وردت على لسان الفيلسوف «هانز جورج غادامير»، الذي عايش فعلًا «هايدجر»، ونصوص أخرى وردت على لسان «لويس فرناندو مورينيو»، بالإضافة لما قاله «هايدجر» بنفسه فيما يخُص موقفه السياسي فيما يتعلق بالنازية بعد الحرب، وكُلها تُبين أن ما كتبه الإنجليزيان كان قصفًا بالباطل. في الفصل الخامس من «حشيش الفلاسفة» تناول الكاتب ما ورد في حق الفيلسوف الفرنسى «ميشال فوكو»، القائل بأن (الروح هي سجن الجسد)، وأيضًا الفيلسوف والكاتب المسرحى الفرنسى «جون بول سارتر»، اللذين وصفهما كُتاب «فلاسفة يتصرفون بشكل سيئ» بأنهما «طفلان أحمقان»، مستشهدان بلقاء «فوكو» في مناظرة مع الفيلسوف السياسي الأمريكى «نعوم تشومسكى» في التليفزيون الهولندى عام 1971، فما كان الرد من «إسماعيلى» إلا أن يورد نصًا: أعتقد أنه إما أن الكاتبين شاهدا المناظرة تحت تأثير مخدرات عالية الجودة أو أنهما يُعانيان من تأخر عقلى يسبب لهما صعوبة في الاستيعاب، فوكو كشخص يتحدث من المستقبل مقارنة بتشومسكى الذي يجتر حديثًا مؤسساتيًا تقليديًا واهنًا. كان الفصل السادس من نصيب الشاعر والروائى الفرنسى «جون جينيه»، الذي اتهمه الكاتب المصرى رمسيس عوض بالشذوذ في مؤلف تحت عنوان (رباعيات الشذوذ والإبداع)، وتساءل «إسماعيلى» هل «رمسيس» يشير للشذوذ الجنسى، دون أن يأخذ بعين الاعتبار اعتماده بالأساس على ماذا؟ على أي منظور؟، ويكمل الكاتب: من منظور نفسى (الذي يعتبره شذوذا)؟، من منظور سياسي (حيث المثلية مُعترف بها قانونيًا في عدة بلدان) من منظور اجتماعى (حيث الموقف يختلف باختلاف الأيديولوجيات)؟ أم من منظوره الخاص (الذي يُجرم المثلية)؟! وأضاف: سواء كنت مثليًا أو حتى آكل لحوم البشر، عندما تُبدع.. أنت تُبدع. ثم قدم الفصل السابع نقدًا لاذعًا ل«رمسيس عوض»، الذي عدّ في كتاباته، الكاتب الفرنسى «أندريه جيد» و«مارسيل بروست» و«توماس مان» وآخرين، أنهم جميعًا شواذ، مبينًا أن «رمسيس» ميّز الكُتاب انطلاقًا من ميولهم الجنسية ك«الكاتب اللوطى والكاتبة السحاقية»، وقال «إسماعيلى»: العالم يعزز التشاركات الإنسانية وتطوير التواصل عبر التكنولوجيا، ورمسيس قابع في صُنع طاولة اجتماع لدحض النظريات الهرطوقية - كما في مناظرات كنائس أوروبا القديمة.