يتعرض كتاب فن المنمنمات الأذربيجانية ومدرسة تبريز في عصر النهضة، لمؤلفة البروفيسور كريم كريموف أستاذ الفنون والعمارة بجامعة أذربيجان والحاصل على دكتوراه في العلوم الفلسفية ودكتوراه في الفنون والعمارة، تاقييفا رويا سيف الدين والحاصلة على الدكتوراه في تاريخ الفن، والذي نقله من اللغة الأذربيجانية إلى العربية عبد الرحمن عبد الرحمن الخميسي والصادر عن المركز القومى للترجمة 2015 في 305 صفحة من القطع الكبير، إلى أحد أهم الفنون التراثية للمشرق الإسلامي والتي اندثرت في وقتنا الراهن، وهو فن المنمنمات العظيم، الذي ورث أصولة عن حضارات ما قبل الإسلام مثل الحضارة الهندية والفارسية الذي يعد "احتكارًا " مقصورًا على دول المشرق الإسلامي دون غيرها. وعندما نرى الآثار الرائعة لإبداعات القرون الوسطى، مثل السجاد ذي النقوش الرائعة والموضوعات المعبرة، والنسيج المزخرف، والنماذج البديعة المنقوشة على المعادن والفخار، والمصنوعات الدقيقة من الحلي، نجد أنها تشهد على العراقة والأصالة العميقة الحقيقة الفنية للشعب الأذرى، وتنوع تلك الثقافة وتفردها. ويمثل التطلع إلى الجمال وعشق الحياة في العالم المحيط بها، إحدى الخصائص المميزة لإبداع الرسامين الأذريين وأساتذة فن الزخرف الذين جسدوا في أعمالهم الأفكار الجمالية لشعبهم. وقد حظيت أفضل نماذج فن الزخرف التطبيقي بالمجد والشهرة، وتخطت حدود أذربيجان محلقة بعيدا، لتنضم عن جدارة إلى الخزانة الذهبية للتراث الفنى العالمى. إن الملحمة الضخمة " شاة نامه" للفردوسي، والملاحم البطولية وملاحم العشق والرومانسية والأشعار الفلسفية الديالكتيك ( الجدلية ) لنظامي، قد تركت تأثيرًا قويًا على إبداعات الرسامين، وصارت دافعا مؤثرا لخلق تلك الإبداعات العديدة، إلى يتميز كل منها عن الآخر في علاقته الفكرية الجمالية، والتي بجوهرها الحياتي الدنيوي، والبعيد عن التوجه الدينى الزاهد الصارم. ويتمتع فن المنمنمات لدى كل شعب بخصائصه المميزة. حيث إن خصائص تطور الحياة الاجتماعية، والمداخل الجمالية لدى كل شعب، هي التي تركت بصماتها على طابع تطور فنونه. ولهذا السبب، تختلف ملامح النماذج المتميزة غير المتكررة لفن المنمنمات لدى الشرق العربي عنها في تركيا وإيران وأذربيجان، وآسيا الوسطى. ومن المعروف أن أحد أقدم نماذج فنون الكتب الزخرفية لشعوب الشرق الأدنى والأوسط، قد تم أبداعها في المدن الأذربيجانية. في أوائل القرن الرابع عشر، وفى ضواحي مدينة تبريز، نشأت مدن جديدة، هي جازانى، ورشيدى، والتي ضمت بداخلها المؤسسة الدراسية والعلمية، إضافة إلى مكتبة شاملة ومدارس فنية كبيرة. وفى تلك المدارس تم استقطاب أفضل فناني الخط، والرسامين، وغيرهم من أساتذة فنون الكتب الزخرفيه من مختلف البلدان، والذين قاموا بزخرفة الكتب والمخطوطات، ووضع الرسومات والصور لها، بما فيها الكتاب المرجعي " جامع التواريخ "، الذي وضعة رشيد الدين الطبيب المشهور والمؤرخ ورجل السياسة، والذي قام بإنشاء المركز الفنى العلمى. لقد أبدع الرسامون الأذريون العديد من الرسومات الخاصة بالمؤلفات الخالدة لإعلام الشعر الشرقى الكلاسيكى. فنرى من بينها الزخارف التي زين مخطوطات: " شاه ناما " للفردوسي، و" خمسة لنظامي "، ومؤلفات سعدى وحافظ، جامى ونافوى، وخوسروف ديهليوى، والتي زينت أعمالهم بصور الرسامين الأذريين، وكذلك بالمنمنمات الرائعة المرسومة على صفحات مستقلة، والتي تم جمعها في ألبومات خاصة " مواركة "، لتشهد على أن فن المنمنمات الأذربيجاني قد مر عبر طريق طويل ومعقد في تطوره. وفى القرن الخامس عشر، وتحت تأثير مدرسة تبريز، تطور فن المنمنمات في المدن الأخرى لأذربيجان، ذلك رغم أن نماذجها لم تكن قد تبلورت على نحو كاف. ويمكننا تتبع الملامح المميزة لمدرسة تبريز في منمنمات واحدة من المختارات التي وضعها شرف الدين حسين سلطان، وذلك في مدينة شيماخى في عام 1468 ومنمنمات مخطوطة " بستان " لسعدي، والتي وضعها عبد اللطيف الشيروانى في عام 1539. ومن بين منمنمات نهاية القرن الخامس عشر، فإن أكثر نماذج الصور جاذبية، هي تلك الصور التي تعود إلى المخطوطة قليلة الحظ من الشهرة " خمسة " للشاعر نظامي. وعند مشاهدة المنمنمات التي تزين هذه المخطوطة، والتي تم وضعها في تبريز في نهاية القرن الخامس عشر – بداية القرن السادس عشر، يمكننا ملاحظة الاختلاف الواضح عن منمنمات أوائل القرن الخامس عشر، وذلك من حيث الحلول التشكيلية واللونية الفنية. فهى تتسم بالتعقيد والتنوع من حيث التشكيل، وبالثراء اللونى. وتميز تطور فن المنمنمات في أوائل القرن السادس عشر، بالبحث عن وسائل فنية تعبيرية جديدة. غير أن منمنمات تلك الفترة اتسمت بالتشكيلات المختصرة، وتماسك الألوان، وبساطة تصوير المناظر الطبيعية. وفى فترة تشكل النمط الجديد، حدث تغير جوهري في تناول النموذج الإنساني. وتبلور هذا التغير في التالي " أصبح تناسب الشخصيات أكثر طبيعية، وتم وضع تصور أو " خريطة " للنماذج والتكوينات، وذلك في تناول نموذج الشاه ورجال البلاط. وفى أفضل أمثلة في المنمنمات في أوائل القرن السادس عشر، وخاصة في بعض رسومات مخطوطات " خمسة " لنظامي، و"جامع التواريخ "، تتجلى بوضوح الملامح الراسخة بصورة كافية للنمط المتطور. وفى أعمال السلطان محمد ورسامي مدرسته، نجد أن فن " البورترية " ( فن تصوير الوجوه ) قد احتل مكانة كبيرة هناك. وقد قاموا بوضع خارطة محددة ونمط مقنن للبورتية الاحتفالي. وكانت النماذج المركزية لرجال البلاط المتأنقين " ذوى الوجوه القمرية " لا تختلف في ملامحها الذاتية، ولا في تشابه تصوير الوجه، وكانت تفتقر إلى التميز النفسي. وكانت هذه النماذج تجسد الجمال الأرستقراطي، والتغني به، والذي كان شاعر البلاط ورسامه مطالبين بالتعبير عنه. وحول هذا الأمر يتحدث ببلاغة ذلك الإهداء المذيل على البور تريه الذي رسمه السلطان محمد للشاه اليافع، وهو جالس يقرأ في كتاب: يقول الإهداء، " إن العناية الإلهية التي خلقت يوسف على هذا النحو الرائع من الجمال، هي ذاتها التي حملت الفرشاة كى ترسم بها هيئتكم البديعة ". واستمر رسامو مدرسة تبريز هنا في تطوير المذاهب الفنية، تلك المذاهب التي قاموا بوضعها من قبل، في الأعوام من 1530-1540. ولهذا فإن المنمنمات التي وضعوها في قزوين في أعوام 1550 -1560، أو تلك التي أعادت هذه المدرسة رسمها، لم تختلف كثيرًا من حيث بنائها الرمزى عن نمط السلطان محمد والرسامين التابعين لمدرسته. أن تكون النمط الجديد في المنمنمات الفنية في قزوين، قد جرى في سبعينات القرن السادس عشر. وعبر المرحلة المعقدة لتشكيل مدرسة قزوين، ترك إبداع المجموعة الجديدة من الأساتذة الموهوبين الآذريين تأثيرًا عظيمًا على تلك المدرسة، إضافة إلى العوامل الأخرى التي أثرت عليها. وكان من بين أولئك الأستاذة الأذريين: محمدي، وصادق بك أفشار، وزين العابدين، وعلى راز البريزى، سياوش بك،وغيرهم. كما أثر تأثيرًا حاسمًا على تطور نمط العاصمة الجديد العمل الإبداعي الطليعي لرسامي تبريز البارزين: محمدي، وصادق بك أفشار. إن الوحدة النمطية والنضج الحرفي، والتنوع الإبداعي في البحث، والوسائل والخطوط المميزة لرسامى تبريز الذين تركوا إسهاما قويًا في تطور فن المنمنمات في قزوين، وفى أصفهان لاحقًا، يمكن تتبعها جميعًا في صور " جارشاسب ناما " عام 1573، و" شاه ناما " عام 1576 – 1577، التي رسمها كل من: صادق بك أفشار، ومير زين العابدين، وسيفوش بك، ومظهر على، وفى منمنمات على رازا لمخطوطة " صحبة الأبرار " وفى بورتريهات كمال تبريزى. وجميع تلك الأعمال تميز المرحلة الأخيرة من تطور المنمنمات الأذربيجانية، وتحدد موقعها وأهميتها في التطور العام لفن المنمنمات في نهاية القرن السادس عشر – أوائل القرن السابع عشر. إن دراسة المنمنمات الأذربيجانية من مختلف المناظير، سوف تمهد الطريق نحو نفاذ أكثر عمقًا في تاريخ الثقافة والفن للشعب الأذرى، وتسمح بالتقييم الجدير لإسهام هذا الشعب في الذخائر الثمينة للثقافة الفنية العالمية.