أيام حاسمة يعيشها إقليم كاتالونيا حاليا بعد موافقة البرلمان الكاتالوني يوم الخميس الماضي على إجراء استفتاء على استقلال الإقليم عن إسبانيا في موعد أقصاه سبتمبر 2017 وذلك في ظل استمرار رفض الحكومة المركزية برئاسة المحافظ ماريانو راخوي إجراء هذا الاستفتاء. وأقر البرلمان -الذي يهيمن عليه دعاة الاستقلال- بأغلبية 72 صوتا اقتراح القانون الذي قدمه رئيس الإقليم كارليس بويغديمون والذي ينص على إجراء استفتاء حول الاستقلال سواء وافقت عليه الحكومة المركزية في مدريد أم لم توافق. وكان بويغديمون قد أعلن منذ توليه منصبه في بداية العام الجاري أنه سيبذل قصارى جهده للحصول على موافقة مدريد على الاستفتاء، ولكن في حالة غياب رد إيجابي سيتم إجراء الاستفتاء خلال النصف الثاني من سبتمبر القادم موضحا أن هناك "خارطة طريق" موضوعة ومحددة بجدول زمني لإنشاء المؤسسات الضرورية لاستقلال الإقليم بحلول منتصف 2017. وإذا أسفرت نتيجة الاستفتاء عن استقلال الإقليم فإنه سيتم إجراء انتخابات تأسيسية في مارس 2018 يعقبها إعداد دستور جديد ينظم أوضاع الإقليم ويمنح السكان "صفة المواطن". ويرى المراقبون أن القرار الأخير لبرلمان كتالونيا يمثل منعطفا خطيرا في مستقبل الإقليم وأن خطوات الانفصال بدأت تأخذ مسارا أكثر جدية هذه المرة حيث أن خارطة الطريق الموضوعة محددة ودقيقة ورسمت مسارا واضحا نحو استقلال الإقليم دون انتظار أي قرار أو إجراء من طرف الحكومة المركزية في مدريد، على خلاف ما كان معلنا في السابق حيث كانت تطالب جميع حكومات إقليم كتالونيا بالتفاوض مع الحكومة المركزية لتحديد تاريخ متفق عليه لإجراء الاستفتاء وبدء إجراءات الاستقلال ولكن هذه المرة جرى الاتفاق من جانب واحد، وهو ما بدا أنه تطور خطير وغير مسبوق في مسار الأزمة. وعلى الرغم من ذلك تبقى بعض المخاوف حول مدى قابلية تنفيذ "خريطة الطريق" المؤدية للاستقلال على أرض الواقع. فهناك عدد من التحديات الجادة التي تواجه دعاة الاستقلال في كاتالونيا لإنجاح هذا الاستفتاء المنتظر وإجبار الحكومة المركزية في مدريد والأسرة الدولية على احترام نتائجه والقبول بها. أحد أبرز هذه التحديات هي أن يحظى هذا الاستفتاء بقبول دولي وأن ينظر إليه المجتمع الدولي باعتباره منبرا ديموقراطيا وشرعيا للتعبير عن آمال وطموحات الشعب الكاتالوني، وفي هذه الحالة سيكون من الصعب على إسبانيا إنكار نتائجه وعدم الاعتراف بها وبهذا لن يتكرر سيناريو 9 نوفمبر 2014 الذي صوت فيه 80% من سكان الاقليم لصالح الاستقلال عن مدريد في استفتاء غير رسمي ورفضت الحكومة الإسبانية الاعتراف به لأن القضاء الإسباني حكم بعدم دستوريته. ولتحقيق أكبر قدر من الشفافية فيما يخص عملية الاستفتاء، قررت حكومة كاتالونيا تشكيل لجنة لمتابعة عملية تقرير المصير خلال شهر من الآن تضم مجموعة من الخبراء الدوليين بهدف ضمان تحقيق الديموقراطية في الاستفتاء المنتظر، كما قررت إنشاء مجلس استشاري للعملية التأسيسية بهدف توسيع دائرة المشاورات وإشراك المجتمع المدني في عملية الانفصال وتوسيع عملية المشاركة خارج دائرة دعاة الاستقلال. من التحديات أيضا التي تواجه الحكومة الكاتالونية هي موقف حزب "بوديموس" الإسباني، المحسوب على اليسار المتشدد، وعمدة مدينة برشلونة "أدا كولو" إزاء إمكانية إجراء "استفتاء أحادي الجانب". ففي حالة تأييدهم لهذا الأمر فإنه لن يقتصر تأييد الاستفتاء على أنصار الانفصال فقط بل سيشمل أيضا من ينادون بحق تقرير المصير وسيكون مجموع المؤيدين للاستفتاء حوالي 56.7% من إجمالي الأصوات المشاركة في انتخابات كاتالونيا الأخيرة في سبتمبر 2015 وفي الانتخابات البرلمانية الإسبانية التي أجريت في 26 يونيو الماضي، وهو ما قد يدعم موقف الانفصاليين. ويبقى أحد أبرز وأصعب التحديات التي تواجه استفتاء كاتالونيا هو الحصول على دعم دول الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر الذي يصعب تحقيقه في حالة إقامة استفتاء أحادي الجانب دون موافقة مدريد. فبالإضافة إلى أنها عضوا بارزا داخل الاتحاد الأوروبي، ترتبط إسبانيا بعلاقات تحالفية مع العديد من دول المنظومة الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا، والتي تؤيد الموقف الإسباني المعارض لاستقلال كاتالونيا. وبدون الحصول على دعم ومساندة الدول الأوروبية يصعب أن يحظى هذا الاستفتاء على الدعم المطلوب ليكون نافذة ديموقراطية تعبر عن الشعب الكاتالوني. كما أنه إذا أسفرت نتائج الاستفتاء عن استقلال الإقليم فإنه سيصعب حينئذ انضمامه كعضو في الاتحاد الأوروبي لأن إسبانيا لن تقبل بحدوث ذلك وهو ما سيتسبب في خسارة اقتصادية فادحة للإقليم الذي يعتمد اقتصاده بالأساس على السوق الأوروبية. وفي ضوء ما سبق، يصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلا في إقليم كاتالونيا خاصة إذا ما استمرت أجواء التوتر مع الحكومة المركزية وتعثر الوصول إلى حل توافقي يراعي مصالح البلاد والإقليم.