افتتح الدكتور صلاح المليجي، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، مساء أمس الخميس، معرض طيور تأبى الرحيل، كتاب الناقد الفني محمد كمال، وذلك بقاعة أبعاد بدار الأوبرا المصرية. وقد صاحب المعرض ندوة مناقشة للكتاب أدارها المليجي، والناقد التشكيلي الكبير عز الدين نجيب، بمشاركة مؤلف الكتاب الناقد محمد كمال. استهل المليجي، الندوة بتقديم فنان العود أحمد إسماعيل الذي أنشد باقة من أجمل أغانيه بكلمات الراحل فؤاد حداد. وأشار المليجي، إلى أن الكتاب هو حالة إبداع مواكب للأعمال الفنية الخاصة بهؤلاء الفنانين، وقد عاد فيه كمال إلى مصطلح الزمكانية عن طريق العودة إلى بعض الرواد أمثال سليم حسن وجمال حمدان، ومن هنا كان الكتاب نافذة تطل على إبداع هؤلاء الفنانين من خلال مفردات النص النقدي والنشأة والبيئة المحيطة بكل فنان، وتابع حديثه بأن هناك معركة داخلية في الكتاب، عن طريق الانتقال من كفر الشيخ إلى الإسكندرية ثم القاهرة وغيرها، بالإضافة إلى تجربة جداريات الأطفال الساطعة بمدارس الأقاليم المصرية، والتي لا تقل أهمية عن إبداع الفنانين الكبار المحترفين. واختتم رئيس قطاع الفنون التشكيلية، حديثه بأن ""كمال" ينظر إلى النصف المملوء من الكوب، وأن فكرة اللاشعور هي جزء من عمله البديع، فتلك الحالة هي بمثابة خزانة لتجربته البدائية؛ حيث إنه يكتب على الحد الفاصل بين الواقع والخيال، بين اليقظة والحلم، بين الجمود والنشوة، وهو يجلس على نفس المصطبة ويلبس جلد الفنان، والكتاب تغلب عليه اللغة الشعرية (نثر شعري) عن طريق تجلي الصور المجازية داخل النص النقدي، وملاحظتي الأخيرة أن كمال نجح في أن يصل بهؤلاء الفنانين إلى مرتبة القديسين بعد أن تم كساء النص بالثورية والمغامرة. ومن جانبه، قال الناقد التشكيلي الكبير عز الدين نجيب، إننا هنا نعيد الاعتبار لبعض الفنانين الذين أصروا على البقاء على هامش مركزية العاصمة والأضواء، ونحن نحتفي بهم اليوم في متحف الفن المصري الحديث، بعد أن كانوا خارج السياق الرسمي للحركة الفنية واليوم يعودون بقوة إلى هذا الصرح. واستنكر "نجيب" عدم اهتمام الدولة بهؤلاء المبدعين في أقاليم مصر المختلفة، وأنه يجب أن تقوم لجنة المقتنيات الفنية بجمع وإتاحة جميع أعمال فناني كتاب "طيور تأبى الرحيل"، وهذه العوامل أدت بدورها إلى خلل في الحركة الثقافية والتشكيلية المصرية، ويمكننا أن نضيف أن النظم الديكتاتورية هي فقط تهتم بمن يُسبح بحمدها ويعيش في محيطها، ونحن للأسف الشديد ليس لدينا متاحف سوى في العاصمة والإسكندرية، وبالتالي نحن الآن مطالبون بأن تتحرك أجهزة الدولة الثقافية تجاه الأقاليم والمراكز لإعادة اكتشاف هؤلاء المبدعين؛ كي تستقيم العلاقة بين الفنان (المرسل) والجمهور (المتلقي) عن طريق المادة (تصوير، نحت، فوتوغرافيا، كولاج). وعن الكتاب قال "نجيب": "كمال" مؤمن بأن النص النقدي له جمالياته الفنية والأسلوبية التي تثريه وتعلي من جمالياته، وأنا شخصيًا أتمنى أن يقرأ الجميع هذه الوجبة الأدبية التشكيلية الدسمة. كما أشار صاحب (النار والرماد) إلى أن هناك أكثر من نص للكتاب؛ فالأول نص تشيكلي خاص بالفنان، أما الثاني فهو للناقد الذي يحرص على رقي اللغة الأدبية، كما أن خيال الكاتب يدخله إلى العمل الفني برؤية مسبقة إلى النص البصري (اللوحة) والتي ربما لا يدركها القاريء، وبطبيعة الحال الناقد هنا له نظرية فلسفية تؤمن بوحدة الوجود (الجغرافيا) مع الكائن (الإنسان، الحيوان، الطير، النبات، الجماد) مع النسق الزمني. وفي نهاية حديثه أكد "نجيب" أن كمال، يؤمن بالانتماء الشديد للأرض المصرية والبيئة المحيطة التي تعتبر مرتكز الهوية المصرية، ومن هنا ربما يكثر استخدامه للصور المجازية النابعة من محيط بيئة الفنان وعوالمه المتواترة، والتي تستهوي النسق الشكلي أكثر من المضمون. ومن جانبه قال الناقد محمد كمال، إن ماهية النص النقدي كانت تؤرقه منذ البداية، بمعنى هل النص هو نص تفسيري أم أنه نص فني له لغته وسمته الخاصة، ومن هنا كانت هناك بعض النصوص التي أتوقف عن قراءتها من أول سطر، فالنص النقدي عبارة عن بناء وصنعة وتركيب، له شهيته الخاصة، وعندما نبهني الناقد إبراهيم عبد الملاك ذات مرة إلى الابتعاد عن الألغاز والإغراق في الفلسفة توقفت عن ذلك بقدر المستطاع. وأضاف "كمال"، أن تصور الناس للناقد على أنه مجرد ناقل لأفكار وأحاسيس اللوحة فقط، هو تصور خاطئ، لأن الناقد لابد له من لحظة التقمص التي تصل إلى التوحد والتماهي مع أجزاء اللوحة ومفرداتها. وأكد صاحب (السنابل المضيئة) أن النص الذي لا يستطيع أن يقف على ساقه منفردًا يعد هشًا وضعيفًا، كما أن اللغة والمصطلحات المستوردة من الخارج تسببت في كارثة للحركة المصرية النقدية. وعن فناني الكتاب أوضح "كمال"» أنهم انغرسوا في بيئتهم وهناك من ضحى منهم بالسفر إلى القاهرة مما يجعل البيئة في الحالة الأولى سيد وسلطان، أما العامل الجنسي فيصبح أكثر توهجًا في الريف عن المدينة، بالإضافة إلى ما يمكن أن نسميه (الرق الممسوح)، حيث البيئة تؤثر على الفنان وتتوحد معه فيتشكل الجسر الذي يربط بين الحلم والواقع، وفي النهاية يتكون ما يشبه العدالة الإبداعية والاختزال، مثال على ذلك الفنان على دسوقي الذي يختصر الوطن في الوجوه، حيث حُمرة الخدود ولوزية العيون، وطاقة الحركة الداخلية في الريف، حيث الموروث الشعبي وأيقوناته في أعمال المولد الشعبي لدى "مطاوع" و"بكري". وفي نهاية الندوة اختتم كمال، قوله، بأن الكتاب هو الأول في سلسلة ممتدة تستهدف اكتشاف فناني الأقاليم المصرية.