تحقيق: ماهر فرغلي أعتقد أنه لا يمكن لأي شخص أن يرى، اليوم، مسجد الحاكم بأمر الله إلا أن يعتقد أنه في حوزة من الحوزات الشيعية بمدينة قم، أو يتخيل أنه في مزار شيعي بمدينة النجف العراقية ، فمن غير المألوف أن تجد صفوفًا عريضة من المصلين يضربون على صدورهم وهم يصلون إلا هناك، أو يلبسون ملابس خضراء قصيرة ويلفون على رءوسهم لفافات مزركشة إلا هناك، ولكن هذا ما رأيته في مسجد الحاكم بأمر الله الذي يقع بجوار باب الفتوح في وسط القاهرة. كنت أتنسم رحيق القاهرة القديم في شارع المعز لدين الله، والمنطقة المجاورة التي يحملها المكان رغم كل محاولات طمس الهوية الإسلامية القديمة، يحمل المكان جاذبية الدولة الإسلامية إبان عصر المماليك والدولة الفاطمية والخلافة العثمانية.. تستحق المنطقة أكبر من التأمل في الكنوز الإسلامية التي تزخر بها المنطقة، وتجعلك مشدودًا تتنسم عبق التاريخ. رأيت في شارع المعز لدين الله الفاطمي كثيرًا من المساجد والحرف اليدوية القديمة، والتكايا والسبائل القديمة؛ حتى وصلت لمسجد الحاكم بأمر الله؛ حيث يقف الجامع شاهدًا على عصر الدولة الفاطمية الشيعية التي حكمت مصر لسنوات طويلة. المسجد بناه الحاكم بأمر الله في عام 403 هجرية، وكان موقعه في بداية الأمر خارج أسوار القاهرة، إلى أن جاء بدر الدين الجمالي فأدخله في حدود المدينة، وأقام سورها الشمالي بين باب النصر والفتوح ملاصقًا لوجهته الشمالية. في المسجد كان موعدي مع البهرة حينما دخلت أصلي الجمعة، فرأيت جموعهم تتوافد، يصعدون إلى مكان علوي بالمسجد رجالاً ونساءً، وبعد أن فرغنا نحن من الصلاة توافدت أفواجهم جموعًا للناحية الشرقية من المسجد يصلون فرادى بطريقة لم أعهدها من قبل، ولكنني لاحظت أن أهل الحي لم يشغلهم ذلك عن الانصراف من المسجد بعد الصلاة، فيبدو أنهم تعودوا على ذلك!. كل المحاولات بذلتها كي أعرف من المصلين ماذا يجري بالضبط في صحن المسجد، ولكنني فشلت تمامًا، أتباع الطائفة يهرولون ناحية بئر في وسط المسجد، ويطوفون حوله ثم يجلسون على جانبي المسجد بعد ذلك، لا أحد يعرف شيئًا عن الذي يحدث، ولا أحد سيجيبك على الأسئلة التي تدور بخلدك.. حتى عمال المسجد، ذهبت إليهم في غرفتهم وهم يصنعون الشاي على سخان كهربائي، وجلست بجوارهم أسألهم عن البهرة، فقالوا لي: إن هناك أوامر ألا يتكلموا في هذا الموضوع، وحين لححت على أحدهم قال لي: نحن لا نعرف شيئًا ولن نفيدك. نصحني أحد المرافقين لي بأن أن أترك العمال وأذهب لألتقط بعض الصور قبل أن يفوتني المشهد؛ لأن جميع من في المسجد قد اتفقوا على ألا يجيبوا على شيء يتعلق بما يجري، حتى إمام المسجد الأزهري الذي كانت خطبته حول الوطنية المصرية، نسي ما يحدث في مسجده، ونسيت ما لم يعجبني في خطبته وسألته عما يجري ولكنه رفض بشكل قاطع الإجابة. نحن البهرة من الهند بهذه الكلمات بدأ أبو حاتم منصور أحد التجار البهرة الكبار الذين يعيشون في مصر حديثه معي بلغة عربية ركيكة، بعد أن وافق بصعوبة على تعريفي بما يقومون به في مسجد الحاكم بأمر الله. أبو حاتم منصور نحن ندين بالولاء للوطن الذي نعيش فيه قال أبو حاتم: “,”إنه منذ عهد السادات وهو في مصر، وبمرور الوقت أصبحت له تجارة كبيرة، والبُهرة (نطقها بضم الباء) يعني التجار؛ حيث ينشرون الدعوة وهم يعملون بالتجارة؛ حيث أصبحت لهم تجارة كبيرة في ماليزيا ونيروبي ودار السلام وزنجبار، وأنهم استوطنوا اليمن ومصر والهند وباكستان، ولكن موطنه الأصلي هو الهند“,”. حين سألته ما هي الدعوة التي تنشرونها قال لي: “,”الإسلام سبع دعائم، وهي الولاية والشهادة والصلاة والصوم والحج والجهاد والصدقة“,”. استفزني الرجل حين قال إنه يتشرف أنه تابع لنبي الله البرهاني. لقد دلل لي على تقديسه لإمامه قائلاً: إن ذكر الإمام البرهاني ورد في القرآن حين قال الله: (يا أيها الذين آمنوا قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورًا مبينا)، إنهم يقدسون إمامهم بالشكل الذي يضعوه في مصاف الأنبياء. لم يكمل حديثه معي حين أدرك أنني يمكن أن أكون إعلاميًّا أو صحفيًّا وليس باحثًا، وانصرف على الفور هو ومساعده. وأدركت من خلال حديث الرجل معي أنهم بمثابة امتداد لإحدى فرق الشيعة الإسماعيلية، وهي فرقة انتسبت إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، وتشعبت فرقها وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر. تصنف الإسماعيلية البُهرة، بأنها مستعلية نسبة إلى الإمام المستعلي ومن بعده الآمر، ثم ابنه الطيب، وأنهم يرفضون العمل في السياسة، ويركزون على العمل بالتجارة، ولكنهم يصرون على نشر دعوتهم بهذه الطريقة، ويعتقدون في قداسة إمامهم، حتى إنهم يلقبونه بنبي الله، ويحملونه على أكتافهم، ويقبلون قدميه كلما شاهدوه. كما أنهم يعتقدون أن في مسجد الحاكم بأمر الله، بئر مقدس، وأن جدهم مدفون فيه، فيصرون على الوضوء في بقعة محددة من المسجد والشرب منه للتبرك به، ويصلون فرادى الحريم جنب الرجال. يصعدون لغرفة علوية فى المسجد لا يدخلها غيرهم وتظهر شعائرهم بشكل ملموس في بعض المناسبات الشهيرة خاصة يوم عاشوراء؛ حيث يرتدون الملابس السوداء حزنًا على الحسين رضي الله عنه، ويكثرون من الصدقات، ويقضون ليلتهم في البكاء والنحيب بصوت مرتفع. الأزهر والأوقاف البهرة أعداء وأصدقاء رفض الشيخ إمام المسجد أن نلتقط له صورة، كما رفض أن يذكر اسمه، وانتظرنا بالقرب من بوابة الجامع العتيقة، ويبدو أنه تضايق من ملاحقتي للبهرة في بهو الجامع، فقلت له: هل يمكن أن يعطينا فكرة عن وجود البهرة بهذا الشكل داخل أكبر مساجد القاهرة؟ وماذا يوجد في الدور العلوي؟ قال الشيخ: لكل شعب ثقافة، وهؤلاء لهم ثقافة معينة، وكل واحد حر في ثقافته، فلا نشغل أنفسنا بما يفعلون طالما هم لا يهتمون بالسياسة الداخلية للبلد. قال ذلك وطلب منا الخروج من المسجد. الدكتور محمد الشحات الجندي قال: هؤلاء البهرة خارجون عن الدين، ولا يجوز الصلاة خلفهم، ولكن يمكن التعامل التجاري معهم، ولا يجوز الزواج منهم، وأما ما يجري في مسجد الحاكم بأمر الله فاسألوا وزارة الداخلية المصرية عنه. وفي الفتوى رقم 610594 حول البهرة قالت لجنة الفتوى بدار الإفتاء “,”هم إسماعيلية مستعلية يُعرفون بالإمام المستعلي ومن بعده الآمر ثم ابنه الطيب، ولذا هم يسمون بالطيبية وهم إسماعيلية الهند واليمن تركوا السياسة، وعملوا بالتجارة، فوصلوا إلى الهند، فاختلط بهم الهندوس الذين أسلموا وعرفوا بالبهرة، والبهرة لفظ قديم بمعنى التاجر، وهم يقولون: إن الإمام الطيب دخل الستر عام 525 هجرية، والأئمة المستورون من نسله إلى الآن لا يعرف عنهم شيء حتى إن أسماءهم غير معروفة، وعلماء البهرة أنفسهم لا يعرفونهم. انقسمت البهرة إلى فرقتين: 1- البهرة الداودية نسبة إلى قطب شاه داود، وينتشرون في الهند وباكستان منذ القرن العاشر الهجري، وداعيتهم يقيم في بومباي بالهند. 2- البهرة السليمانية، نسبة إلى سليمان بن حسن، وهؤلاء مركزهم في اليمن إلى الآن، وعقائدهم مثل عقائد الإسماعيلية مثل وجوب إمام معصوم منصوص عليه من ولد محمد بن إسماعيل، والقول بالإمام الغائب المستور، ورفع أئمتهم لمنزلة أشبه بالألوهية، ومنها القول بالتناسخ، وأن الإمام وارث الأنبياء جميعًا، وغير ذلك من العقائد الباطلة، فهي فرقة غير مسلمة، وغير كتابية، وتعامل معاملة المشركين، أو المرتدين في الأحكام، فلا يجوز الزواج منهم، ولا أكل ذبيحتهم من الأحكام الخاصة بمن ذكروا. مجموعة من البهرة يدخلون وعمال المسجد يغيبون عن الوعي تمامًا البهرة هكذا أعداء وأصدقاء، فهناك تناقض واضح بين دار الإفتاء المصرية ومواقف علماء الأزهر مما يجري والموقف الرسمي للدولة الممثل في وزارة الأوقاف التي تغض الطرف تمامًا عما يجري. البهرة وجه آخر يعسكر في مصر لن تغيب تفاصيل تواجد البُهرة في شارع المعز لدين الله والمناطق المجاورة له عن أعين المراقبين، فكثير من المحال والبيوت قد اشتراها البهرة، وليس في هذه المنطقة فحسب ولكن بمنطقة الجمالية والحسين والدراسة والدرب الأحمر والموسكي؛ حيث يعتقدون أن إمامهم الغائب سيعود ويعيد الدولة من مصر، ولذا بلا شك ستقابلهم أو تراهم وهم يسيرون جماعات بشوارع القاهرة، ويمسكون بالمصاحف في أيديهم بانضباط، ومعهم نسوتهم محجبات؛ حيث اعتاد رؤيتهم رجل الشارع العادي في القاهرة. وكشفت بعض التقارير بعض التفاصيل فيما يتعلق بعملية الشراء والتمويل؛ حيث تُكتب عقود المحال والمقاهي والبيوت المشتراة باسم مصريين من طائفة البهرة، تحسبًا لرفض الحكومة المصرية بدعوى أن المشترين أجانب. وأشارت التقارير عن عملية ترميم مساجد آل البيت التي يمولها البهرة، كما حدث في مرقد السيدة زينب، ومقصورة رأس الحسين، ومسجد الجيوشي، وشارع المعز لدين الله الفاطمي، وشارع الليمون بباب زويلة، وبالطبع مسجد الحاكم بأمر الله؛ حيث يقومون بتجديده كل عام على نفقتهم الخاصة. فالبهرة أغنياء وأغلبهم رجال أعمال وتجار كبار، وإمامهم البرهاني يفرض عليهم الضرائب بدقة؛ حيث يجب على كل فرد من أفراد الطائفة أن يشتري تذكرة خاصة بصلاة العيد يصدرها مكتب الداعي، وتختلف قيمتها في الصف الأول عن قيمتها في الصف الأخير، فالتذكرة في الصف الأول خلف الإمام برهان الدين تكلفتها 1000 روبية، و800 روبية في الصف الثاني، و600 روبية في الصف الثالث، وكلما ابتعد عنه كلما خف الحمل عن جيبه، وفي الصف الأخير يترواح ثمن التذكرة ما بين 5 روبات إلى 100 روبية، وجثة الميت منهم لا تُدفن إلا بعد أن يدفع أقارب الميت ضريبة مقابل ذلك لمكتب الداعي، وبعدها يصدر الداعي صك غفران يسمى “,”روكو شيتي“,” لذلك الميت، ويدفن معه في القبر!. وهذه الصكوك ثلاثة أنواع: فأقارب المتوفى الذين يدفعون أكثر من خمسين ألف روبية يحصلون على صك غفران أو شقة من الدرجة الأولى في الجنة، أما من يدفع أقل من خمسين ألف روبية فيحصل على صك غفران أو شقة من الدرجة الثانية، والذين يدفعون أقل من ألف روبية يأخذون صك غفران أو شقة من الدرجة الثالثة. ولقب “,”الشيخ“,” يُشترى بمبلغ 52 ألف روبية، أما لقب “,”الملا“,” فيُشترى بعشرة آلاف روبية فقط. ومن الأمور الغريبة أن كل مولود يولد يجب على ذويه أن يحملوه للداعي الذي عينه برهان الدين أو نائبه كي يباركه ويسميه، بمعنى أن أي فرد من أفراد الطائفة لا يملك أن يتسمى بما يشاء من الأسماء، بل الداعي هو الذي يختار له الاسم لا والديه، وبالطبع لا بد من الدفع في مثل هذه الحالة. وهكذا يجمع برهان الدين الأموال والملايين التي يستغلها في نشر فكر طائفته الذي يقوم على التقديس التام له، وهو الآن يقيم في دبي قبل أن يذهب للحرم، واعتبر أن مقابلته الخاصة مع الرئيس المصري من عدة أعوام هي نصر وفتح مبين للبهرة؛ حيث إن مصر لها مكانة خاصة عندهم بما تحمله من مساجد لآل البيت، كما تحمل جثة إمامهم وجدهم الحاكم بأمر الله تحت البئر المقدسة!. هل هم وجه جديد يعسكر في مصر؟ أم أن ما يجري هو تفاصيل قصة وحكاية طويلة البهرة هم أحد فصولها؟ المشكلة الآن لا يشعر بها سوى مسجد الحاكم بأمر الله الذي أصبح له وجه مختلف في غيبة من الجميع.