قبل أن يستفزك العنوان، تأكد أننا فى مصر لا نفكر فى المستقبل بدلالة أن التلوث بات منتشرًا حولنا بصورة منقطعة النظير.. فلا شك أن عوادم السيارات سبب أساسي فى تلوث الجو، ونحن وللأسف لا نفكر سوى فى كيفية إزالة الدعم عن الطاقة وعلى رأسها «البنزين» بدلًا من التفكير فى توفير البديل.. وإذا نظرنا إلى العالم من حولنا سنجد أنهم فكروا منذ سنوات فى توفير بدائل تكون مناسبة للاستخدام..صديقة للبيئة..والأهم تسهم فى التخلص من الازدحام الخانق. فما هذا البديل؟!..إنها «السيارة الكهربائية»، التى تعمل باستخدام الطاقة الكهربائية، وهناك العديد من التطبيقات لتصميمها أحدها يتم باستبدال المحرك الأصلى للسيارة ووضع محرك كهربائى مكانه، وهى أسهل الطرق للتحول من البترول للكهرباء مع الاحتفاظ بالمكونات الأخرى للسيارة. فى عام 2009 بدأت السيارات الصغيرة قصيرة المدى تجتاح بعض الدول الأوروبية، وهو ما استغلته فرنسا للقضاء على الازدحام الذى بات يشوه منظر العاصمة. ففى فرنسا يمكنك استئجار سيارة لمدة ثلاثين دقيقة مقابل 4 إلى 8 يورو. ومنذ أن طرحت فرنسا هذا المشروع من أكثر من خمس سنوات تقوم بتطويره ليكون فى متناول الجميع من جهة، وللقضاء على الازدحام المرورى، بمعنى عدم الاعتماد على السيارة الشخصية من جهة أخرى..وبالفعل نجحت الفكرة خاصة أن فرنسا أصرت على استخدام سيارات صغيرة الحجم سهلة الحركة، حتى تكون متاحة للجميع، فقط المطلوب ممن يستخدمها أن تكون معه رخصة قيادة. فى بداية التجربة التى كانت مستنبطة من فكرة تأجير الدراجات المتبع فى عدد من المدن الأوروبية. كان هناك تخوف من عدم نجاح الفكرة، فتم وضع الخطة للتجربة لمدة شهرين، ولكنها نجحت بصورة خيالية فتم وضع نظم مختلفة للتعامل مع السيارة بالحصول على عضوية خدمة «أوتوليب» مقابل 10 يورو يوميًا أو 144 يورو سنويًا.. ويمكن أن تقطع السيارات الجديدة التى تعمل ببطارية كهرباء مسافة 250 كيلومترًا قبل أن تتم إعادة شحنها وتستغرق مدة الشحن فى ذلك الوقت أربع ساعات.. وقد تم طرح 66 سيارة فى البداية من 33 محطة، ولكن عمدة باريس كان لديه أمل أن تصل الأعداد إلى 3 آلاف سيارة يتم تأجيرها من ألف محطة بحلول نهاية 2012 وهو ما حدث بالفعل. وفى تصريحات للمدير العام لخدمة «أوتوليب» «مورالد شيبو» عبر عن هدفه من الفكرة، وهو محاولة إقناع المواطنين بالتخلى عن مفهوم امتلاك سيارة وبدلًا عنه يقومون بتأجير سيارة «وفى نفس الوقت ومع نجاح المشروع بدأ يتوسع ليس فى فرنسا وحدها، ولكن على مستوى العالم.. فقد قامت شركتا «رينو ونيسان موتورز»، باستثمار حوالى 4 مليارات يورو فى صناعة سيارات كهربائية، وتراهن على أن السيارات الكهربائية، يمكن أن تشكل 10 فى المائة من إنتاج الشركتين بحلول 2020. المعروف أن شركات السيارات تتنافس الآن للوصول إلى أفضل سيارة تعمل بالكهرباء، بعضها أعلن عنها والبعض الآخر فى الانتظار، ولكن تبقى التجربة الفرنسية فى تصدرها هى الأفضل، لأنها استغلت الفكرة منذ البداية بشكل سيارات صغيرة يحبها الشباب، وتكون سهلة الحركة وتقضى على استخدام السيارات الخاصة، وبالتالى تقلل الازدحام وهو ما نجحت فيه إلى حد كبير، ولأنها حرصت على تطوير التجربة واحتفظت بها كوسيلة مواصلات حتى الآن مع زيادة عدد محطات الشحن، وتوفير كل الإمكانيات التى تجعل المواطن يترك سيارته، ويستخدم سيارة الشحن الكهربائى بنفس مطمئنة. وفى خطوة تحدٍ قام بها تحالف «رينو نيسان» فى نوفمبر 2015 تحديدا فى مؤتمر باريس للمناخ، قام بتقديم أكبر أسطول من السيارات الكهربائية عالميًا حيث قدم 200 سيارة كهربائية نظيفة للقمة السنوية التى عقدت من30 نوفمبر إلى 11 ديسمبر 2015.. التحدى كان فى استخدام سيارات لتغطية 400 ألف كيلومتر دون أى انبعاثات أثناء القيادة، وقامت بنقل الوفود المشاركة أثناء المؤتمر.. دون أى شكوى وفى تحدٍ فعال لاستخدام وسائل آمنة ونظيفة تقلل من انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون الضارة..أسطول السيارات الذى استخدم فى قمة المناخ بباريس «cop21» احتوى على السيارة الرينو zoe الثانوية وسيارة نيسان «leaf» المدمجة علاوة على سيارة نيسان ألفان «e-nv200» سبعة ركاب. محطات الشحن السريع أصبحت الآن، وبعد التطوير الكبيرة قادرة على شحن السيارات الكهربائية من صفر فى المائة إلى 80 فى المائة فى ثلاثين دقيقة فقط، وقد باع التحالف حتى الآن 274 ألف سيارة كهربائية حول العالم، وهو ما يعادل نصف السيارات الكهربائية الموجودة على الطرق منذ إطلاق أول سيارة كهربائية وهى نيسان «leaf» فى عام 2010. وهذا المشروع الطموح الهادف إلى القضاء على التلوث والانبعاثات الضارة للعوادم وغاز ثانى أكسيد الكربون، انتشر خطوة بخطوة فى الدول الأوروبية ووصل أخيرا إلى دبى، وتخطط برلين وحدها إلى أن يتحرك علي شوارعها مليون سيارة كهربائية حتى عام 2020. والسؤال الآن: أين مصر من كل هذا التطور الهائل؟! لماذا لم يفكر مسئول بنقل فكرة مشروع كهذا إلى مصر؟! هل المطلوب زيادة أسعار البنزين فقط أم الأفضل التفكير فى بدائل نظيفة ومريحة للمواطن؟! أين نحن من التقدم العالمى المذهل؟! وهل تضع مصر فى مخططاتها فى رؤية «2030» هذه النقلة الحضارية الكبيرة؟!..إن الهدف واضح والطريقة للوصول إليه ليست صعبة.. فالتعاون بين القطاعين العام والخاص يحقق الطموح.. والتحالف الذى يقدم الفكرة لديه استعداد لدخولها مصر، ولكن هناك من لا يرحب بالفكرة ولا أدرى لماذا؟ من الممكن تحقيق كل الأفكار بالتنسيق ووضع أجندة للأولويات، مصر فى حاجة إلى تكاتف أبنائها حتى نأخذها جميعًا إلى غد أفضل.. لا أن نظل نفكر فى الوضع الحالى فقط ونترك المستقبل بلا تخطيط.. ليت الجميع يحاول أن يحقق المعادلة الصعبة، وهى التخطيط للمستقبل مع تحقيق الرفاهية للمواطن، حتى نكون على طريق رؤية مصر 2030.. أما ما يحدث الآن من زيادة أسعار وزيادة كل شىء على كاهل المواطن دون وجود خدمات حقيقية ينبهر بها، أو تجعله يشعر أن هناك أملًا فى غد أفضل، تجعلنا نشكك فى وجود رؤية حقيقية للمستقبل.