بدأت أفغانستان، اليوم، الحداد على سقوط نحو 80 قتيلًا و230 جريحًا في تفجير انتحاري بسترات مفخخة وقنابل نفذها اثنان من مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي، هما نجيب الله الخراساني وطلحة الخراساني، وذلك خلال تظاهرة لطائفة الهزارة الممثلة للشيعة الأفغان، لتختتم الطائفة سلسلة طويلة من الاستهداف الدموي لأبنائها بإحدى أكبر الكوارث الإنسانية في التاريخ الأفغاني القريب. يشكل الشيعة الهزارة طائفة قومية في أفغانستان، يقارب تعدادها السكاني ثلاثة ملايين نسمة وتتمركز في وسط البلاد، لا سيما المرتفعات الوسطى، وحدد أحد الكتّاب الأفغان موطنهم من العاصمة كابول ومدينة غزنة في الشرق إلى مدينة هراة في الغرب، ومن قندهار في الجنوب إلى بلخ في الشمال، وتبلغ المساحة التي يسكنونها حاليًا نحو 40 ألف كيلومتر مربع رغم تعدادهم الضخم، وهاجر بعضهم قبل قرن مضى إلى باكستان، ليصل عددهم هناك إلى ما بين 300 ألف و400 ألف نسمة، بما يمثل نحو 20% من مجموع السكان، وفي كلا البلدين تعتبر الطائفة أقلية قومية. وتعود تسميتهم، وفقًا لما ذكره وحيدي فولا ديان، إلى كلمة "هزار" التي تعني بالفارسية الألف، نظرًا لأن طائفة الهزارة كانوا يعبدون ألف صنم قبل الإسلام وبنوا لكل صنم معبدًا، ثم هدموا المعابد وأحلوا مكانها ألف مسجد بعد دخولهم في الإسلام، وظن بعض المؤرخين أن التسمية تعود إلى امتلاك الطائفة ألف نهر أو ألف جبل مرتفع، فيما قال عبدالحي حبيبي أن كلمة "هزارة" تأتي من تحول كلمة "هزالة" عبر الزمن، والتي تنقسم إلى مقطعين "هو - زالة" أي فرح القلب، نظرًا لأن أهل الطائفة اتسموا بطباع طيبة ومرحة. ويغلب على الهزارة الاعتقاد بالمذهب الشيعي الإثني عشري، والذي يعتبر أبرز المذاهب الشيعية المعترف بها والتي أجاز الأزهر الشريف جواز التعبد لله بها قبل سنوات، ويُطلق الاسم على الشيعة الأفغان بشكل عام. وتذكر المراجع التاريخية أن أصلهم يعود إلى الجنس المغولي، ويتحدثون اللغة المغولية التي تأثرت فيما بعد بالفارسية لتصبح لغتهم الرسمية. وينقسمون إلى 14 عشيرة وقبيلة في أفغانستان من أصول مختلفة. ويتعرض الهزارة للاضطهاد على أساس العقيدة منذ زمن بعيد، حيث تقلصت المساحة التي يسكنون فيها عبر تاريخهم بسبب العديد من الحملات الوحشية من الحكام السنة المتشددين، ولا سيما أمراء طائفة البشتون السنية، وبدأ الاستهداف المنظم لأبناء الهزارة في 2008 مثل إعدام الحجاج المتوجهين إلى إيران في الطرقات، وتفجير الأسواق والمواكب الدينية الخاصة بهم، والاعتداء عليهم في الشوارع، أو حتى ذبحهم أثناء الصلاة في المساجد، وجاءت معظم الهجمات من حركة "لشكار إجنجوي" السنية المتطرفة، التي يُقال أنها على علاقة بحركة طالبان باكستان وتنظيم القاعدة. وفي 2011 وزعت لشكار إجنجوي منشورًا في مدينة ماري آباد الباكستانية التي تسكنها أغلبية من الهزارة، يقول: "باكستان تعني الأرض النقية، والشيعة ليس لهم الحق في أن يكونوا هنا، مهمتنا هي القضاء على هذه الطائفة النجسة وهؤلاء الناس النجسة، الشيعة والشيعة الهزارة، في كل مدينة، في كل قرية، في كل زاوية وفي كل ركن من باكستان". وأعقب ذلك المنشور عدد كبير من الهجمات الدموية التي استهدفت أبناء الطائفة، فيما أكد المدافعون عن حقوق الإنسان في البلاد أن الدولة لا ترد على تلك الجرائم سوى بالردود الرسمية المطمئنة، دون محاسبة الجناة. وقدمت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرًا حول قتل الشيعة الهزارة في مدينة بلوشستان بباكستان، تحت عنوان "الهجمات المنهجية على مجتمع الهزارة بين عام 2010 وأوائل عام 2014"، رصدت خلاله 112 قتيلًا على الأقل من أبناء الطائفة في 2012، و200 قتيل في 2013. وصرح براد آدامز، مدير قسم آسيا في المنظمة، لوكالة إنتر بريس سيرفس في 2014 بأنه "ليس هناك طريق للسفر ولا خروج للتسوق ولا ذهاب إلى المدرسة آمن للهزارة، وفشل الحكومة في وضع حد لهذه الهجمات هو صدمة بقدر ما هو غير مقبول". وشهد العام 2015 حوادث استهداف بشعة لأبناء الطائفة، منها اختطاف مسلحي طالبان 30 من الهزارة في فبراير، حيث تم إطلاق سراح 19 منهم في مايو وقتل اثنان فيما ظل البقية مفقودين، كما اختطفت الحركة أيضًا أربعة آخرين من أبناء الطائفة وقتلتهم في أغسطس، ثم اختطفت 12 آخرين بعد أيام. ولكن كانت الحادثة الأبرز في اضطهاد الهزارة هي ذبح سبعة منهم، بينهم ثلاث نساء وطفلان، على أيدي مسلحي طالبان في نوفمبر 2015، لينظم أبناء الطائفة مظاهرة كبرى لم تشهدها أفغانستان منذ سنوات، ويهتفون بالموت للحركة وللرئيس الأفغاني أشرف عبدالغني، الذي ظهر في حديث تليفزيوني بعد قرب وصول المحتجين إلى القصر الرئاسي، داعيًا إلى الهدوء وضبط النفس ومطالبًا بالإنصاف، وعد باتخاذ الإجراءات اللازمة للقصاص. وذلك بخلاف الاستهداف الدموي للهزارة فإنهم يشعرون بتجاهل حكومي، ففي مايو الماضي احتجوا في تظاهرات كبيرة على عدم مرور خطوط الكهرباء الجديدة في إقليمي باميان وورداك ذوي الأغلبية من الهزارة، ومروره بين مدينتي تركمانستانوكابول، وردت الحكومة برفض تغيير مسار الخط لأنه خيار "سيتكلف الملايين وسيؤخر المشروع المطلوب بشدة لسنوات"، مع وعد بتوفير الكهرباء للإقليمين وإن لم يمر الخط الجديد بهما. وتكررت التظاهرات، أمس، في العاصمة كابول لنفس السبب، ليستغلها تنظيم داعش هذه المرة في الإيقاع بأعداد كبيرة من الهزارة بتفجير انتحاري، ورغم تصريح متحدث باسم الرئاسة الأفغانية عقب الهجوم بأن المخابرات حذرت منظمي التظاهرات من احتمال استهدافهم بعمل إرهابي، إلى أن الحكومة لم تقدم أي إجراءات تأمينية لحماية المتظاهرين من الهجوم المرتقب. وقال داعش إن الهجوم جاء لمشاركة الشيعة الأفغان في القتال في صف الحكومتين السورية والعراقية ضد التنظيمات الإرهابية.