يحيي العالم، الأربعاء، اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين، التي تمثل عملًا فريدًا أو متكررًا أو قد تكون بالامتناع عن اتخاذ الإجراء المناسب. ويحدث ضمن أية علاقة يتوقع أن تسودها الثقة مما يتسبب في إلحاق ضرر أو كرب بالشخص المسن. ويشكل هذا النوع من العنف انتهاكًا لحقوق الإنسان ويشمل الإيذاء الجسدي والجنسي والنفسي والعاطفي والمالي والمادي، والهجر، والإهمال، وفقدان الكرامة والاحترام بشكل كبير. ومن المتوقع أن يبلغ تعداد سكان العالم ممن تزيد أعمارهم عن ال60 عاما نحو 1.2 مليار شخص في عام 2025، أي ضعف تعدادهم في العام 1995 والذي بلغ 542 مليونا. كما يقدر أن نحو 4- 6٪ من كبار السن يعانون شكلا من أشكال سوء المعاملة، مما يمكن أن يؤدي إلى إصابات جسدية خطيرة وآثار نفسية على المدى الطويل. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أعلنت في قراراها 127/ 66، أن يوم 15 يونيو من كل عام يعتبر يوما عالميا للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين. ويعتبر هذا اليوم الفرصة السنوية التي يرفع فيها العالم صوته معارضا إساءة معاملة بعض أجيالنا الأكبر سنا وتعريضهم للمعاناة. وقال بان كي مون في رسالة له بهذه المناسبة إن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 التي اتفق عليها في العام الماضي تهدف إلى القضاء على الفقر وبناء عالم أكثر استدامة على مدى السنوات ال15 المقبلة. ومن الأهمية بمكان وضع حد لحالات الإهمال والمعاملة السيئة والعنف التي يتعرض لها كبار السن إذا ما أردنا تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والوفاء بالتعهد الذي تقوم عليه بعدم إغفال أحد. وأضاف مون إن أعمال العنف وسوء المعاملة التي يتعرض لها كبار السن تتخذ عدة أشكال، منها عنف الشريك والعنف من قبل الأجانب، والإساءة النفسية والعاطفية، والاستغلال المالي. وتقدر منظمة الصحة العالمية أن ما يصل إلى 10 % من كبار السن قد يكونون معرضين لهذه الأعمال في بعض البلدان. وتعاني المسنات من التمييز على أساس السن ونوع الجنس، وهن عرضة أكثر من الرجال. وغالبا ما تأتي هذه الإساءة للمسنات بعد معاناتهن من التمييز والعنف والاضطهاد طوال حياتهن. ومما يثير الجزع بوجه خاص تزايد ورود تقارير عن اتهام المسنات بالسحر، ما يجعلهن أهدافا للإساءة من جانب أفراد أسرهن ومجتمعاتهن. وأهاب مون بمناسبة هذا اليوم، بالدول الأعضاء ومنظمات المجتمع المدني إلى توطيد عزمها ومضاعفة جهودها للقضاء على جميع أشكال العنف وسوء المعاملة ضد كبار السن. ويمكن تعريف إساءة معاملة المسنين بأنها القيام بفعل واحد أو فعل متكرر، أو عدم اتخاذ الإجراء المناسب، داخل أية علاقة يتوقّع فيها وجود الثقة مما يؤدي إلى إصابة الشخص المسن بضرر أو كرب. ويمكن أن تتخذ إساءة معاملة المسنين أشكالًا مختلفة، مثل إساءة المعاملة الجسدية أو النفسية أو العاطفية أو الجنسية أو المالية. ويمكن أن تحدث كذلك نتيجة إهمال متعمد أو غير متعمد. وفي كثير من مناطق العالم تحدث إساءة معاملة المسنين ولا يتم الاعتراف بها أو التصدي لها إلا في حالات قليلة. وكانت هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة حتى الآونة الأخيرة، مخفية عن أعين الجماهير وتعتبر من المسائل الشخصية. ولا تزال هذه الظاهرة حتى اليوم من الأمور المسكوت عنها، والتي تستهين بها المجتمعات وتتجاهلها في شتى ربوع العالم. غير أن البيانات تتراكم حاليًا وتشير إلى أن إساءة معاملة المسنين باتت من المشكلات الصحية العمومية والاجتماعية المهمة. وإساءة معاملة المسنين من المشاكل الموجودة في البلدان النامية والبلدان المتقدمة على حد سواء، ولكنها أيضًا من المشاكل التي لا يبلغ عنها بقدر كاف على الصعيد العالمي. ولا توجد معدلات انتشار هذه الظاهرة أو التقديرات الخاصة بها إلا في بعض البلدان المتقدمة وهي تتراوح بين 1% و10%. ورغم أن حجم هذه المشكلة لا يزال مجهولًا، فإن أهميتها الاجتماعية والأخلاقية واضحة كل الوضوح. وهي تقتضي، بالتالي استجابة عالمية متعدّدة الجوانب تركز على حماية حقوق المسنين. وللتصدي لإساءة معاملة المسنين ينبغي تصميم المناهج إزاء تعريف إساءة معاملة المسنين والكشف عنها والتصدي لها ضمن سياق ثقافي ووضعها بمراعاة عوامل الخطر الخاصة بكل من الثقافات المعنية. ففي بعض المجتمعات على سبيل المثال تجبر الأرامل من كبيرات السن على الزواج، في حين تتهم المسنات المعزولات في مجتمعات أخرى بممارسة السحر. ومن المنظورين الصحي والاجتماعي إذا لم يجهز كل من قطاع الرعاية الصحية الأولىة وقطاع الخدمات الاجتماعية بما يلزم من وسائل لتحديد مشكلة إساءة معاملة المسنين والتصدي لها، فإن هذه المشكلة ستظل مغفلة وغير مشخصة على النحو الكافي. ويؤكد تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2015، إساءة معاملة المسنين من المشكلات الصحية العمومية المهمة. وفي حين لا يوجد إلا القليل من المعلومات الخاصة بحجم إساءة المعاملة بين السكان المسنين لاسيما في البلدان النامية، فإن التقديرات تشير إلى أن 10% من المسنين في البلدان المرتفعة الدخل تعرضوا لشكل من أشكالها في البيت. وتشير التقارير إلى أن 1 من كل 10 مسنين يتعرض للإيذاء الذي يمكن ينتهى بعواقب نفسية خطيرة تشمل إصابتهم بالاكتئاب والقلق. كما يصيب الخرف المسنين بشكل أساسى وهو مرض يشمل تدهور في الذاكرة والتفكير والسلوك والقدرة على أداء الأنشطة اليومية. غير أن المسنين غالبًا ما يبدون بعض الخوف في إبلاغ أسرهم أو أصدقائهم أو السلطات بما يتعرضون له من ضروب إساءة المعاملة. ومن الملاحظ أيضًا شح البيانات الخاصة بحجم المشكلة في مؤسسات مثل المستشفيات أو دور رعاية المسنين أو غيرها من مرافق الرعاية الطويلة الأجل. بيد أنه بدا من مسح أجري بين العاملين في دور رعاية المسنين في الولاياتالمتحدةالأمريكية أن معدلات تلك الظاهرة قد تكون مرتفعة: حيث شهد 36% منهم عام 2014، حادثًا واحدًا على الأقل من حوادث الإيذاء الجسدي الموجه ضد المرضى المسنين؛ ارتكب 10% منهم عملًا واحدًا على الأقل من أعمال الإيذاء الجنسي الموجهة ضد المرضى المسنين؛ اعترف 40% منهم أنهم يمارسون الإيذاء النفسي تجاه المرضى. والجدير بالذكر أن البيانات الخاصة بإساءة معاملة المسنين في المرافق المؤسسية أكثر ندرة في البلدان النامية. وتشمل أعمال الإيذاء التي ترتكب في المؤسسات تقييد المرضى جسديًا، والمساس بكرامتهم كتركهم في ملابس متسخة مثلا، والخيارات المتعلقة بالشئون اليومية، وتعمد عدم تزويدهم بخدمات الرعاية الكافية كتركهم يصابون بقروح الفراش، وإعطائهم الأدوية بشكل مفرط أو بشكل ناقص وحجب الأدوية عنهم، والإهمال والإيذاء العاطفيين. ويمكن أن تؤدي إساءة معاملة المسنين إلى تعريضهم لإصابات جسدية من خدوش وكدمات إلى كسور في العظام وإصابات في الرأس تتسبب في حالات عجز دائمة، وآثار نفسية خطيرة تدوم فترات طويلة أحيانًا وتشمل الاكتئاب والقلق. ويمكن أن تكون آثار إساءة المعاملة خطيرة بوجه خاص على المسنين نظرًا لهشاشة عظامهم وطول فترة نقاهتهم. وعليه فإنه يمكن حتى للإصابات الطفيفة نسبيًا إحداث أضرار خطيرة ودائمة، أو إحداث الوفاة في بعض الأحيان. ومن المتوقع تزايد عدد حالات إساءة معاملة المسنين على الصعيد العالمي لأن كثيرًا من البلدان يشهد زيادة سريعة في أعداد المسنين الذين قد لا تلبى احتياجاتهم على النحو الكامل نظرًا لقلة الموارد. وتشير التنبؤات إلى أن الفئة العمرية 60 سنة فما فوق من سكان العام ستشهد بحلول عام 2025، زيادة بنسبة تفوق الضعف أي من 900 مليون نسمة في عام 2015 إلى نحو 2 مليار نسمة في عام 2050. وتشمل المخاطر المحددة على مستوى الفرد إصابة الضحية بالخرف أو إصابة مرتكب الإيذاء باضطراب نفسي أو إدمانه للكحول أو المخدرات. ومن عوامل الخطر الأخرى المحددة على مستوى الفرد والتي قد تزيد من مخاطر تعرض الشخص المسن للإيذاء جنس ذلك الشخص وتعايشه مع شخص آخر. ورغم أن الرجال المسنين يواجهون مخاطر التعرض للإيذاء بالقدر نفسه الذي يواجهنه النساء المسنات فإنه من الملاحظ في الثقافات التي يتسم فيها مركز المرأة بمستوى أقل من مركز الرجل، أن المسنات يتعرضن بشكل أكبر لمخاطر الإهمال والهجر ومصادرة أموالهن عندما يموت أزواجهن. وقد تتعرض النساء بصورة أكبر أيضًا لأشكال من الإيذاء والإصابات أطول مدة وأشد خطورة. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كان لدى زوجات مرتكبي الإيذاء أو أطفالهم البالغين استعداد أكثر من غيرهم لاقتراف الإيذاء نفسه. ويزيد اعتماد مرتكب الإيذاء على الشخص المسن (الاعتماد المالي في غالب الأحيان) أيضًا من مخاطر الإيذاء. وفي بعض الحالات قد تتردى العلاقات الطويلة القائمة بين أفراد أسرة فقيرة نتيجة القلق والإحباط عندما يصبح شخص مسن من بينهم أكثر اعتمادًا عليهم. وأخيرًا مع تزايد عدد النساء اللائي يدخلن مجال العمل ولا يملكن وقت الفراغ الكافي بسبب ذلك أصبح الاعتناء بالمسنين يشكل عبئًا أثقل مما يزيد من مخاطر الإيذاء. وتعد العزلة الاجتماعية التي يعيشها مقدمو خدمات الرعاية والمسنون، وانعدام الدعم الاجتماعي، من عوامل الخطر الكبيرة المؤدية إلى إقدام مقدمي خدمات الرعاية على إساءة معاملة المسنين. ويعاني كثير من المسنين العزلة بسبب إصابتهم بحالات عجز جسدية أو نفسية، أو نتيجة فقدانهم لأصدقائهم أو أفراد أسرهم. وفيما يلي بعض من العوامل الاجتماعية الثقافية التي قد تؤثر في مخاطر إساءة معاملة المسنين: تصوير الشخص المسن كشخص ضعيف وهش لا يمكنه الاعتماد على نفسه ؛ تآكل الروابط القائمة بين أجيال الأسرة؛ نظم الميراث وحقوق حيازة الأراضي التي تؤثر في توزيع السلطة والسلع المادية داخل الأسر؛ هجرة الأزواج الشباب وتركهم آباءهم المسنين وحدهم في المجتمعات التي كان الأبناء يعتنون فيها تقليديًا بآبائهم المسنين؛ انعدام الأموال اللازمة لدفع تكاليف الرعاية. ووفقا لمنظمة الصحة العالمية يصيب الاضطراب النفسى نحو 15% من المسنين إضافة إلى إصابتهم باضطرابات عصبية وأمراض مثل السكرى، وضعف السمع وغيرها. ومن الأرجح حدوث إساءة المعاملة داخل المؤسسات في الظروف التالية: تدني معايير الرعاية الصحية وخدمات الرعاية العامة ومرافق الرعاية الخاصة بالمسنين؛ نقص تدريب العاملين وانخفاض أجورهم وزيادة أعبائهم؛ تدني البيئة المادية؛ إسهام السياسات في خدمة مصالح المؤسسة بدلًا من مصالح المسنين المقيمين فيها. وقد تم تنفيذ إستراتيجيات عديدة من أجل الوقاية من إساءة معاملة المسنين ومكافحتها والتخفيف من آثارها. وفيما يلي بعض التدخلات التي تم تنفيذها في البلدان المرتفعة الدخل بالدرجة الأولى بغرض توقي تلك الظاهرة عن طريق تنظيم حملات لتوعية الجمهور والمهنيين وعمليات فرز لضحايا إساءة المعاملة ومرتكبيها المحتملين ؛ الاضطلاع بتدخلات لدعم مقدمي خدمات الرعاية مثل إدارة الإجهاد والرعاية القصيرة الأجل ؛ تدريب مقدمي خدمات الرعاية على التعامل مع حالات الخرف. وتشمل الجهود التي تبذل من أجل مواجهة وتوقي حدوث المزيد من حالات إساءة المعاملة تدخلات مثل فرز الضحايا المحتملين؛ إلزامية إبلاغ السلطات بحالات إساءة المعاملة؛ خدمات حماية البالغين؛ زيارات منزلية تقوم بها عناصر الشرطة وكذا العاملون الاجتماعيون؛ مجموعات المساعدة الذاتية؛ ضمان منازل آمنة ومرافق الإيواء الطارئ؛ التدخلات الرامية إلى دعم مقدمي خدمات الرعاية. ولا يوجد، حاليًا، إلا القليل من البيانات على فعالية تلك التدخلات. وقد تبين أن توفير الدعم لمقدمي خدمات الرعاية بعد حدوث إساءة المعاملة للحدّ من احتمال تكرارها من الأمور التي أثبتت نجاحها. كما أن من الإجراءات التي تبدو واعدة دعم مقدمي خدمات الرعاية لتوقي إساءة معاملة المسنين قبل حدوثها، وتوعية المهنيين بالمشكلة. وتشير البيانات إلى أن خدمات حماية البالغين والزيارات التي تقوم بها عناصر الشرطة والعاملون الاجتماعيون لتفقّد المسنين من ضحايا إساءة المعاملة قد تؤدي، في الواقع، إلى آثار سلبية وتزيد من مستوى إساءة معاملة المسنين. وفيما يلي بعض القطاعات المتعدّدة التي يمكنها الإسهام في الحد من إساءة معاملة المسنين: قطاع الرعاية الاجتماعية من خلال توفير الدعم القانوني والمالي والإسكاني؛ قطاع التعليم من خلال حملات تثقيف الجمهور وتوعيته؛ قطاع الصحة من خلال الكشف عن الضحايا وعلاجهم من قبل مقدمي خدمات الرعاية الصحية الأولىة. وفي بعض البلدان تولى قطاع الصحة دورًا رائدًا في إذكاء الوعي العام بمسألة إساءة معاملة المسنين في حين تولى قطاع الرعاية الاجتماعية ذلك الدور في بلدان أخرى. ومن الملاحظ على الصعيد العالمي، أنه ما زال يجهل الكثير عن إساءة معاملة المسنين وكيفية الوقاية منها لاسيما في البلدان النامية. ولم يشرع الآن سوى في رسم المعالم الأولى لنطاق المشكلة وطبيعتها، وهناك كثير من عوامل الخطر التي لا تزال محل خلاف، كما أن البيانات على الإجراءات الفعالة في توقي تلك الظاهرة تظل محدودة. إن إساءة معاملة كبار السن هي قضية اجتماعية عالمية وأخلاقية بالدرجة الأولى، وهي من الممارسات التي تؤثر سلبا على الصحة وتقف عائقا أمام تحكيم حقوق الإنسان للملايين من كبار السن حول العالم، وهي قضية تستحق اهتمام المجتمع الدولي بأسره.