"محمد حافظ رجب غيّر من شكل ومضمون القصة القصيرة وإنه يسبق زمانه بثلاثين سنة".. هكذا قال الأديب الراحل الكبير يحيى حقي عن الكاتب والقاص السكندري، الذي كتب العديد من الإبداعات، بينما ظل إعلاميًا على هامش النسيان، منذ أن ولد في الإسكندرية عام 1935 مرورًا بفترة إقامته بالقاهرة والتي عمل خلالها بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وكذلك بعد عودته للإسكندرية عام 1962، ليواصل الكتابة، ويدخل في عزلة اختيارية، لم تنتهي إلا بإقامة مؤتمر يحمل اسمه بمختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية قبل سنوات، والذي شهد إطلاق كتاب "محمد حافظ رجب رائد التجديد في القصة العربية"، والذي يضم الشهادات والدراسات التي عُرضت خلال المؤتمر عن أعماله. "هو الضلع الثاني لمثلث القصة القصيرة المصرية، بين يوسف إدريس ومحمد المخزنجي"، حسب ما قال الروائي إبراهيم عبد المجيد عن القاص الكبير ابن مدينته، الذي بدأ حياته في محطة الرمل في الإسكندرية، بجوار سينما استراند، بجوار والده، بائع اللب في المحطة، الذي لقّبه الباعة الآخرون ب"المعلّم"، هناك انجذب الطفل إلى المجلات والكتب التي كان يبيعها أصدقاء الوالد، وتنقل بين مدارس عدة لتعلُّم القراءة والكتابة، وعمل في الوقت ذاته في بيع اللب والسوداني، وكانت القراءة عالمه الخاص الذي يبعده عن الواقع، وبعد انفصال والديه وزواج والدته، لم يكن أمامه سوى العودة إلى بيت الأب، الذي اشترط عليه الاكتفاء بالدراسة الابتدائية. ظل محمد يكتب، وكان يستعير من صبحي بائع الهريسة الأوراق البيضاء، وكان صبحي نفسه يكتب الزجل، وصبي المصور المجاور يكتب القصة والشعر، وبائع المثلجات في محل "على كيفك" يكتب الأغنية، وخادم الفندق القريب يكتب الشعر، لينشأوا معًا "رابطة الكتاب الشبان في الإسكندرية"، وكان هو طوال الوقت يُرسل أعماله إلى مجلات مختلفة في القاهرة بالبريد؛ إلى أن جاء يوم، فوجئ فيه بأولى قصصه "الجلباب" منشورةً في مجلة "القصة". فيما بعد كانت صورته الوحيد في الصحف، عندما زار وزير الداخلية -آنذاك- جمال عبد الناصر الإسكندرية، وحين توجه عبد الناصر إلى سيارته، مدّ محمد يديه لمصافحته، وامتدّت بعده عشرات الأيدي، عندها نشرت مجلة "آخر ساعة" صورة المصافحة تحت عنوان "الشباب يعاهدون"، وكانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي تتصدر فيها صورته غلاف إحدى المجلات. عمل محمد نادلًا في مقهى، ثم عاملًا في مصنع حلويات، ثم بائع كتب في المحطة، ثم في مقهى؛ وفي عام 1956، بعث برسالة إلى لطفي الخولي "لم أعد قادرًا على المكوث في هذه القهوة أبيع اللب وأوراق اليانصيب. أنا جائع محروم. أولادي جياع يصرخون. وما أقسى صرخات الأبناء في آذان الآباء"، وجاءه الرد وظيفةً في المجلس الأعلى للثقافة والفنون مع الكاتب الراحل يوسف السباعي؛ وصف رجب مقابلته مع يوسف السباعي بأنها "التحطيم الأول لإرادة إنسان أراد أن يكون"، وذلك لأنه عرض عليه العمل كموظف في أرشيف المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بتقييم مادي أقل مما يستحق، لكنه قبل الوظيفة، مشيرًا إلى أنه واجه اعتراضات أيضًا من جيل الأدباء والوسط الثقافي في هذا الوقت، الذين حاولوا عرقلة تقدمه لاختلاف أسلوبه في كتابة القصة عن المتعارف عليه في ذلك الوقت، إلا أنه لم يهتم بهم وواصل الكتابة. وفي القاهرة بدأ رحلة أخرى، حيث فاز بجوائز نادي القصة، وبدأ يكتب قصصه في الصحف، وفي تلك الفترة أيضًا، اتفق مع خمسة من الكتاب الشباب على إصدار مجموعة قصصية مشتركة، وتحمّس للفكرة يحيى حقّي الذي أعطاها عنوان "عيش وملح".