حوائط من طين، لم تغطها الأصباغ، حيث لا بساط إلا وسادة واحدة ولا أثاث إلا حصير يترك علاماته فى الجسد، ولا مطبخ ولا حتى إناء واحد، يمر الشهر والشهران ولا توقد نيران، إلا أن الأسودين كانا طعاما من ترك ملك الدنيا، ولو أرادها لأتته حبوًا، إنه بيت رسول الله محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم صلي الله عليه وسلم. تقول أم المؤمنين عائشة: «كنا نتراءى الهلال والهلال والهلال ثلاثة أهلة فى شهرين، ولا يوقد فى بيت الرسول نار، قيل: فما كان طعامكم؟ قالت: الأسودان التمر و الماء».. ليس فقرًا ولا جوعًا ولكنه زهد عن الدنيا وملذاتها». أربعة بيوت جمع فيهن زوجاته، فكل بيت يتكون من وحدتين أو ثلاث وحدات: البيت، والحجرة، والصُّفة، ويقول عمر بن أبى أنس فيما ورد فى السنة: «كان منها أربعة أبيات لها حجر، وهى من جريد، وكانت خمسة أبيات من جريد طينية، بعدد النساء اللاتى توفى رسول الله عنهن، لأنه لما توفيت زينب بنت خزيمة أدخل أم سلمة بيتها فى السنة الرابعة من الهجرة». الحجرات أولاها كانت لعائشة بنت أبى بكر، دُفِن فيها النبى بعد وفاته ثم دفن فيها أبوها أبوبكر الصديق سنة 13 ه، وكان قد أوصى عائشة أن يدفن إلى جانب رفيقه، كانت الحجرة تقع فى شرقى المسجد النبوى، كان لها بابان أحدهما جهة الغرب شارع فى المسجد، والثانى جهة الشمال وليس لأبوابه حلق، بل يقرع باليد، كان باب الحجرة الواقع داخل المسجد النبوى على جهة الغرب وقد صار فناء لها. تبلغ مساحتها 3 أمتار ونصف المتر، صاحبة سقف قصير يستطيع أن يلمسه كل شخص واقف، ومن الخارج كان مليثًا بمسوح الشعر، لكى تكون وقاية من المطر، وباب حجرة النبى عند السيدة عائشة، كان جزءا واحدا مصنوعا من خشب «العرعر» أحد أنواع الأشجار. وكان فى جنب الحجرة مشربة أقام فيها النبى لمدة شهر عندما آلى زوجاته، وتصف أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها جهاز حجرتها وكيف كان ينام النبى فتقول: «إنما كان فراش رسول الله الذى ينام عليه أدمًا، حشوه ليف، ولم يكن فى بيت النبى عند السيدة عائشة غير فراش واحد فى أول الأمر، ثم رزقت فراشًا آخر، وضمت بعد ذلك إلى أثاث حجرتها بعض الوسائد، ولم يكن فى بيتها مصباح». من جهة الشمال من الحجرة النبوية كان باب السيدة فاطمة، حيث تتصل بعض أجزاء الحجرة من الشمال بدارها وكان فى بيتها «كوّة»، وكان إذا قام النبى محمد للمخرَج اطّلع من الكوّة إلى ابنته فاطمة فعلم خبرها. ومن الجنوب، يوجد طريق يفصل بين بيت حفصة بنت عمر بن الخطاب، حيث موقف الزائر للنبى الآن داخل مقصورة الحجرة وخارجها ومن الشرق، فيتصل بمصلى الجنائز ومن الغرب، فيقع المسجد النبوى يفصل بينهما باب كان يخرج منه النبى للصلاة. وكان بيت حفصة مواجهًا لبيت عائشة من جهة القبلة، وكان بينهما طريق ضيق، فكانتا تتبادلان الحديث وهما فى منزليهما، من قرب ما بينهما. أما بيت أم سلمة رضى الله عنها، فيقع فى الجهة الشرقية من المسجد النبوى، وكان يخص أم المؤمنين زينب بنت خزيمة، فلما توفيت وتزوج الرسول بأم سلمة نقلها إلى بيت زينب، وهو يطل على الطريق الخارج من باب جبريل من الشمال، ويحدها غربًا منزل فاطمة. بيت زينب بنت جحش، لم يرد عنه أى مواصفات، هو وبيت أم حبيبة رملة بنت أبى سفيان، لكن ورد أن بيتها كان منعزلًا عن بقية بيوت أزواج النبى. أما بقية زوجات النبى صلى الله عليه وسلم مثل جويرية بنت الحارث، وميمونة بنت الحارث الهلالية، فلا توجد معلومات ذات قيمة عن بيوتهن، ويظهر أن معظم بيوت أزواج النبى الواقعة فى الجهة الشرقية من المسجد كانت من منازل حارثة بن النعمان، فكان كلما أحدث الرسول أهلًا تحول له حارثة عن منزل بعد منزل، حتى قال صلى الله عليه وسلم: «لقد استحييت من حارثة بن النعمان مما يتحول لنا عن منازله».