تختلف عادات وتقاليد كل دولة عن الأخرى في شهر رمضان الكريم، ففضلًا عن زيادة الرغبة في التعبد والإقبال على طلب التوبة والمغفرة، وفي الحلقة الخامسة من حلقات "عادات وتقاليد الدول العربية والإسلامية في رمضان"، نقدم عادات الشعب الموريتاني في الشهر الفضيل. يبدأ رمضان في موريتانيا بأن يستعد الصغار بحلق رؤوسهم تيامناً وتبركًا، وعادة ما تستمر هذه العادة مع الأطفال حتى سن العاشرة ، كما يلزم الأطفال بإعادة ختم القرآن عدة مرات خلال شهر رمضان، ويحفظ الكثير من الأطفال والمراهقين في موريتانيا القرآن الكريم قبل بلوغهم سن الصيام خصوصا في الأرياف وبين صفوف تلاميذ وطلاب الكتاب. كما يعود الأطفال على الصيام من خلال إلزامهم بصوم جزء من اليوم بالتدرج حتى يتعودوا صيام يوم كامل في درجات حرارة قد تفوق 40 درجة مئوية، ويعاني المطبخ الموريتاني بصفة عامة من فقر في التنوع ومحدودية في الوجبات، لكن في رمضان يبقى اعتماد الصائمين على الوجبات الثلاث: الفطور: ويكون بالتمر والحساء المعد من حبوب متعددة، منها الشعير والقمح والزرع والذرة والفول السوداني، أما "ازريك" فهو لبن رائب ممزوج بالماء والسكر، وكان يسمي عند العرب قديما ب"المذق"، ويستحسن أن يقدم في آنية خاصة به هي "أقداح من الخشب".، وعموما يمثل "ازريك" أهم شراب لدى الموريتانيين فهم لا يستغنون عنه حتى في غير رمضان، وبالمقابل يمثل شراب "الكركديه" أو ما يعرف محليا ب"البصام" الشراب المفضل لدى الموريتانيين من أصل أفريقي، وبعد الفطور تأتي وجبة "أطاجين" وتكون في الغالب مائدة من اللحم والبطاطس، وبعضهم يسميها "بنافه"، ولا يجد الموريتانيون كبير عناء في توفير اللحوم حيث تتميز موريتانيا بثروتها الحيوانية التي تعتبر من أهم الموارد المحلية، ويتم تصدير الكثير منها إلى الخارج، أما وجبة "السحور" فتتكون غالبا من الأرز والحليب، ويسميه بعضهم "كوسي"، بينما يفضل بعض منهم آخر تناول الحساء بالحليب، أو يكتفي بشربة من "المذق" بعد تناول الشاي الأخضر عادة. وفى ليلة السابع والعشرين من رمضان أو ليلة القدر كما يطلق الموريتانيون عليها والتي تحتل مكانة خاصة في المخيلة الشعبية، وينسج حولها الكثير من الروايات التي يمتزج فيها الخيال بالحقيقة والواقع بالأسطورة، ففيها يختمون القرآن وتمثل تلك المناسبة خصوصا لدى بعض أهل القرى والأرياف فرصة لإحضار أوانيهم وملابسهم حتى ينفث لهم إمام التراويح فيها بعد انتهائه من ختم القرآن ودعائه، ويحرص بعضهم على إحضار "حفنة" من تراب المسجد ينفث فيها الإمام، وتحتفظ بها الأسرة لتحصين وتعويذ أبنائها ضد الأرواح الشريرة. ويعتقد الموريتانيون -استنادا لنصوص شرعية- أنه في تلك الليلة أيضا يفرج عن الشياطين بعد تصفيدهم طيلة شهر رمضان المبارك، لذلك يحرص بعضهم على إيقاد نوع خاص من البخور الفاسوخ، أو آمناس في كل جوانب البيت ونواحيه، اعتقادا منهم أنه يطرد الشياطين، كما يتم الاحتفاظ بالأطفال داخل البيوت خوفا عليهم من تأثير الشياطين "المتحفزة" في تلك الليلة لإلحاق الضرر بالبشر. وتتولى جمعيات خيرية وسفارت بعض البلدان الإسلامية وحتى مؤسسات حكومية أو خاصة إقامة موائد الرحمن، وهي خيمة عمومية خاصة بإفطار الصائم من تلاميذ المدارس الدينية والمعتكفين في المساجد، كما يتم توزيع "شنطة" رمضان وهي عبارة عن مستلزمات الإفطار على الأسر المعوزة، ومن جهتها، تنظم وزارة التجارة معرضًا للمواد الغذائية الأكثر استهلاكا في رمضان تباع بأسعار منخفضة لتمكين المواطنين ذوي الدخل المحدود من الصيام في ظروف جيدة وتوفير احتياجاتهم بأسعار تراعي قدرتهم الشرائية. ويظل رمضان بالنسبة للموريتانيين شهر عبادة وتوبة إذ يعيش الموريتانيون هذا الشهر في أجواء روحية مفعمة بالمحبة والتسامح والتكافل. ويقضي الموريتانيون أيام الشهر الفضيل بين العبادة وصلة الرحم والقيام بالأعمال التضامنية في شهر يتضاعف فيه الأجر والثواب وتزدهر فيه مجالس العلم والشعر حيث تنظم أمسيات ثقافية وفنية تشمل مختلف أشكال الإبداع. وفي هذا السياق تتولى القنوات الإذاعية والتلفزيونية العمومية والخاصة على حد سواء تنظيم سلسلة من البرامج الدينية للإفتاء والوعظ يشارك فيها علماء وأئمة وفقهاء. ومساهمة منها في خلق حركية ثقافية وفكرية وترفيهية تتماشى وخصوصيات هذا الشهر الفضيل بادرت النقابة الوطنية للصحافة الموريتانية هذه السنة بتنظيم " ليالي رمضان " كفضاء للحوار والإبداع والتفكير والترفيه من خلال حوارات فكرية وسهرات في الإنشاد الصوفي والموسيقى الروحية فضلا عن قراءات شعرية وعروض مسرحية.