اجتاحت أزمة نقص السيولة النقدية العديد من المصارف الليبية بالعاصمة طرابلس ومناطق أخرى من البلاد، فيما تشهد المؤسسات المصرفية ازدحامًا كبيرا من العملاء لصرف الأموال في ظل ارتفاع الأسعار وازدحام الأسواق مع بداية شهر رمضان المبارك. وقد تسببت أزمة نقص السيولة بالمصرف المركزي في تأخير صرف المرتبات، بينما تشير البيانات الرسمية إلى أن السيولة المتداولة خارج المصارف تزيد عن 22 مليار دينار (16 مليار دولار) بينما معدلها الطبيعي لا يتعدى ثلاثة مليارات دينار. وزادت عمليات السحب غير المسبوق على الودائع من المصارف الليبية على مدى الأشهر الماضية، ما زاد من أزمة السيولة التي يعانيها المصرف المركزي، بفعل تراجع إيرادات الدولة بشكل حاد، ما أجبر المصرف على طبع النقود لسداد الالتزامات المحلية. وتعتمد ليبيا بشكل كلي على عائدات النفط، الذي هوت معدلات تصديره إلى أقل من الثلث، مقارنة بمستوياته الطبيعية قبل نحو 4 أعوام. وقال رئيس لجنة أزمة السيولة بمصرف ليبيا المركزي البيضاء، رمزي الأغا، إن اللجنة شرعت في توزيع السيولة على المصارف التجارية بكامل فروعها في المنطقة الشرقية، وألزمت المصارف التجارية بضرورة التوزيع على كل المدن والمناطق. وأعرب الأغا عن امتعاضه من بعض المصارف التي تقاعست عن صرف الحد المسموح به من المبالغ، والاكتفاء بصرف مبالغ أقل من 1000 دينار ليبي، إلا أنه أرجع ذلك إلى إقبال المواطنين بشكل كبير جدًا على المصارف، وهو ما حال دون الصرف للجميع وفقًا للسقف المتفق عليه. وغالبًا ما تلجأ الحكومات، حين تتعرض لتراجع في مواردها المالية، إلى طبع أوراق النقد "بنكنوت"، لتوفير السيولة اللازمة لدفع مرتبات العاملين في أجهزة الدولة وتسيير الأعمال، لكن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن ذلك الإجراء يتسبب في ارتفاع معدل تضخم أسعار المستهلكين بشكل كبير ويؤدي إلى تراجع القدرة الشرائية للعملة. بدوره اقترح الخبير الليبي في البنك الأوروبي، عمرو فركاش، حزمة حلول بعد أزمة طباعة العملة الأخيرة، مطالبا بإعداد خطة لوجستية أمنية محكمة لتوزيع السيولة. وتفجرت الخلافات وحرب البيانات المتبادلة بين المصرف المركزي في البيضاء من ناحية، والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق والمصرف المركزي في طرابلس من ناحية أخرى، بشأن طباعة أوراق بنكنوت من فئة الدينار الليبي بنحو أربعة مليارات دينار في روسيا. ودعا فركاش في تدوينة على حسابه الرسمي في موقع «فيس بوك» إلى «إعداد خطة لوجستية أمنية محكمة لتوزيع السيولة، كي لا تصل إلى أيدي الإرهابيين وسرقة المال العام»، وحث الجهات الأمنية على مراقبة تجار الذهب في بنغازيوطرابلس، وتشديد العقوبة لتصل إلى الخيانة على مَن يدان بالعمل في السوق السوداء، مشيرًا إلى أن ضرر تلك الفئة أشد على المواطن والاقتصاد الوطني من إرهابيي داعش» وطالب بعدة إجراءات من بينها «ضخ السيولة بشكل محسوب، مع فتح المصرف المركزي الاعتمادات المستندية للجميع فورًا»، مضيفًا "لا حجة للمركزي الآن في غلق الاعتمادات، حتى وإن كان ذلك إجراء لعدة أشهر لحين إعادة تقييم الموقف، والتأكد من إعادة إيداع تجار الذهب الأموال في المصارف (فتح الاعتمادات الآن بسعر الصرف الرسمي)» وقال أبو بكر عاشور- يعمل موظف بإحدى الوزارات- " إنه يقف في طوابير طويلة أمام المصرف، منذ ساعات الصباح الأولى،، ولكن الأموال تأتي متأخرة وأحيانًا لا تأتي "، لافتا إلى أن الأسعار بالأسواق مرتفعة جدا ونحن في أشد الحاجة لصرف أموالنا من أجل شهر رمضان المبارك لتغطية احتياجات الأسرة. واتجهت شرائح من المدخرين إلى سحب أموالهم من المصارف، خلال الأشهر الأخيرة، في ظل احتدام الصراع السياسي، وفضلوا اكتناز الأموال، نتيجة عدم وضوح الرؤية بشأن دور الدولة ومقدرتها على إعادة الاستقرار في الأجل القصير.