تتزين الكنائس فى مصر بزينة عيد الميلاد، أشجار خضراء معلقة عليها نجوم وأجراس، ستائر بيضاء وأيقونات تحمل صور العائلة المقدسة، معلنة الاحتفال بمولد المسيح -عليه السلام- مع نهاية كل عام ميلادى، تبدأ الكنائس فى الاستعداد بالاحتفال الموافق 7 يناير، يقام القداس الرسمى مساء السادس من يناير، أما الاحتفال الحقيقى لشعب الكنيسة فيقام ليلة رأس السنة. كورال ينشد ترانيم باللغة العربية، ومسرحيات تقدم للحضور، أطفال يقفزون ويتحركون بخفة على إيقاعات الأغانى، وقساوسة يتحدثون عن ضرورة التوبة فى نهاية العام، وبدء السنة الجديدة مع الله. «البوابة» طرقت أبواب الكنائس قبيل احتفالات العيد، استمعت لأنغام موسيقى الترانيم، وحضرت «بروفات» العروض المسرحية، لتنقل كواليس ترتيبات احتفالات رأس السنة بداخل الكنائس المصرية. أعضاء "كورال تسبيح السماء" يحتفلون في "العذراء" "نقشبندية الكنيسة": نحيى ذكرى الميلاد ب"الترانيم" يقفون فى صفوف، مُرتدين زيهم الموحد ل«الكريسماس»، بألوانه الأحمر والأخضر، ينشدون بأصوات عذبة ترانيم وأغانى حفظوها منذ الصغر، تروى الموسيقى قصصا مسيحية تعلموها فى طفولتهم: «منذ القدم فى قرية من أصغر البلاد، قد ولد الطفل يسوع فى ليلة الميلاد».. أغنية ينشدها أحد أعضاء «كورال تسبيح السماء»، الخاص بكنيسة العذراء والأنبا إبرام فى احتفالية يوم رأس السنة. «الكورال» ركن أساسى فى الاحتفالات الكنسية غير الرسمية بالأعياد، يشارك به شباب وبنات، أغلبهم لم يدرس الموسيقى، ولكنهم تعلموا الغناء والعزف داخل الكنيسة، وتقول ميرنا عماد 23 سنة المسئولة الحالية عن الكورال: «علاقتى بالموسيقى بدأت منذ المرحلة الابتدائية، بحب أغنى وأعزف، وانضميت للكورال فى 2007»، وترفض «ميرنا» تصنيف دورها كالمسئول الأول فحسب بقولها: «كل واحد هنا بيعمل اللى يقدر عليه، أنا مهمتى الأولى توزيع وترتيب الأصوات». يستمع الحضور للألحان القبطية وهى الأغنيات غير المعزوفة التى تتلى باللغة القبطية فى القداسات المُقامة تحت إشراف الكهنة، وبصوت الشمامسة، أما ما يقدمه الكورال فيختلف، فهى أغان مسيحية كُتبت أغلبها باللغة العربية وتوارثتها الأجيال فى الكنيسة، ويُنتج كل عام عدداً من الترانيم الجديدة يستمع إليها الشباب ويحفظونها، وتقول ميرنا: «الترانيم هى أغان بتتكلم عن الله أو عن حبه وقدرته وعظمته، وإحنا بنختار الهدف اللى عايزين نقدمه، وعلى أساسه بنختار اللى هنغنيه مع مراعاة إنه يكون مناسبا لأصواتنا». تدريبات مُكثفة فى قاعات الكنيسة وخارجها قبل حفلات العيد، يقول مينا يوسف أحد عازفى الكورال وأعضائه: «إحنا بنقدم 3 عروض أو خدمات أساسية فى عيد الميلاد، وعيد القيامة، وفكرة جديدة من اختيارنا بنقدمها فى الصيف، بالإضافة لمشاركة الكنيسة فى الاحتفالات السنوية، وقبل ده طبعًا بنكثف التدريبات». ويجلس «يوسف» أمام الأورج، يعزف واحدة من الترانيم، وهو يعطى إشارات بيديه لباقى العازفين، وأمامه تقف «ميرنا» تُصحح للمُرنمين ما يقولونه، تفتح فمها وتطلب منهم محاكاة أدائها، تحرك يديها على الأنغام الموسيقية، وتصفق بإيقاع حفظته وأتقنته، فيتبعها الجميع مستمعين لها: «لازم نتدرب على المقاطع الصوتية وتنظيم النفس بشكل مستمر فى البيت لوحدنا، ومع بعض، وكل واحد قبل الحفلة بفترة كافية بياخد تسجيل للترنيمة، ويسمعها كويس قبل ما نقولها سوا»، تقول «ميرنا». فى الكورال وجد الشباب ضالتهم المفقودة، ملاذهم للتعبير عن مواهبهم وآرائهم، دون قيود طالما ما يقدمونه له هدف مسيحى، مينا سامى يدرس الهندسة، ولكنه يهوى الغناء والتأليف، كتب ترنيمته الأولى منذ شهور، ولكن لم يشأ القدر أن تُلحن، وقبل احتفالات أعياد الميلاد، كتب الثانية، وقرر أن يلحنها بنفسه للمرة الأولى، يقول «مينا»: «كنت بفكر إن أكتر رمز فى الكريسماس هو الشجرة، فكتبت تحت شجرة الكريسماس فى الشتا متجمعين، مستنيين سنة جديدة فيها مع المسيح مكملين»، يكثف الشاب تدريباته ويُعدل من كلماته، ولحنه باستمرار حتى وصل لصيغة ترضيه وترضى أعضاء الكورال، فحسب قوله: «أنا بقدم ترانيمى وكلماتى لربنا فمينفعش تكون مش لايقة أو فيها حاجة غلط». الكورال ليس حكرًا على أصحاب الأصوات الغنائية العذبة فحسب، فالكل يقدم ما يستطيع تقديمه، طالما فى إطار الكنيسة، مايكل سامى لا يتقن الغناء، ولا يعرف شيئًا عن الموسيقى، ومع ذلك فهو عضو أساسى فى الفريق، يقول «سامى»: «آخر حاجة كنت أتخيلها إنى أشارك فى كورال، لكن أنا دورى هو تقديم الرسالة الروحية والكلام عن ربنا لأعضاء الفريق فى التدريبات، والربط بين الترانيم بكلمات نثر فى الحفلات عشان نوصل للناس الهدف كاملا»، يشارك «سامى» فى اختيار المواضيع، ولكنه لا يتدخل فى اختيار الترانيم والأغانى. تحمل حفلة الميلاد هذا العام اسم «أبيض غامق»، تحكى «ميرنا» عن ذلك قائلة: «الهدف اللى عايزين نقوله للناس هو القيمة الحقيقة للميلاد أن حياتنا المفروض تكون بيضاء ومنورة طول الوقت، متكونش أبيض غامق»، وفى الخلفية ينشد أعضاء الكورال دعاءهم إلى الله قائلين : «تشفى برحمة القلوب، وتشدد عزم الضعاف، وسنين أكلها الجراد هتعوض عنها أضعاف». لا يعارض الشباب المسيحى انضمام أحد للغناء خارج الكنيسة، ولكن الوضع فى الداخل يختلف تمامًا، تقول «ميرنا»: «أنا مش ضد المشاركة بره لكن مجتليش فرصة، والكورال بالنسبالى إنى بستخدم الموهبة اللى ربنا إدهالى عشان أوصل بيها رسالة أو أشكره بطريقة مختلفة عن المعتاد»، أما مينا مجدى، أحد أعضاء الفريق الذين شاركوا فى حفلات أغان غير مسيحية يقول: «أنا بحب أشارك هنا عشان أتعلم كلمات صلاة جديدة وأدعية أقولها لربنا طول الوقت». ترانيم وأغان مسيحية يتخللها كلمات نثرية أو «تأملات»، كما يُطلق عليها فى الكنيسة، يختمها أعضاء الكورال منشدين: «فى كل عيد ميلاد بنحب نقولكم كل سنة وأنتم طيبين»، فينشد معهم الحضور مصفقًا ومبتهجًا بالفقرة الموسيقية فى احتفال رأس السنة بالكنيسة، تقول «كريستين صابر»، إحدى أعضاء الكورال: «أكتر وقت الخدمة فيه نجحت والناس عجبتها الرسالة، كنا حاسين إننا مش متدربين كويس، لكن دايما ربنا هو اللى بيساعدنا»، مؤكدة ذلك «ميرنا» التى تقول: «كل ما بتظهر صعوبات أكتر، بنحس أكتر إن ربنا بيساعدنا، وده المميز عن الغناء فى أى مكان تانى». الأطفال يتحدثون إلى "المخلّص" لا تختلف استعدادات الكنائس للاحتفال بميلاد «المخلص» كثيرًا، الأمر سيان تقريبًا بين الكنائس الكبيرة والصغيرة، «كنيسة النعمة الإنجيلية» من هذا النوع الأخير، ولأن عدد روادها قليل، إلى حد ما، يشارك الجميع، كبارًا وصغارًا، فى التجهيز للاحتفال بعيد الميلاد. كاميليا زاخر، مسئولة الأطفال فى الكنيسة، قالت عن إشراك الأطفال فى التجهيز للاحتفال يقول الإنجيل: «من أفواه الأطفال والرضع أسست حمدًا»، لهذا نحرص كل عام على أن نشرك الأطفال فى الاحتفالات، ونديهم ترانيم يقولوها للناس، وهما اللى بيعلموا الكبار كمان». يجلس الأطفال فى صفوف يحفظون ترانيمهم، ويعيدون إنشادها قبل موعد حفل رأس السنة بأيام، يغنى الطفل «مارك ناجى» بصوته العذب قائلاً: «فاتت سنة من عمرى يا ربى، طول السنة وأنا شايفك جمبى»، يقول «ناجى»، 9 سنوات: «أنا بحب أرنم فى الكنيسة وأتكلم مع ربنا وأسبحه، وكل سنة بقضى رأس السنة هنا». ينتظر الأطفال مرور العام بفارغ الصبر ليشاركوا فى احتفالية رأس السنة، فهى الأكبر فى الكنيسة، تقول إيرينى كامل، 12 عامًا: «طول عمرى نفسى أمثل بس كنت صغيرة، والسنة دى أول مرة أكون من أبطال المسرحية، وعشان كده دى أكتر سنة فرحانة»، تتحدث «كاميليا» عن المسرحية قائلة: «إحنا معندناش فريق مسرح بس كل الأطفال لازم يبقالهم دور، ويشاركوا باللى بيعرفوا يعملوه، تمثيلا أو ترنيم أو حتى حفظ وترديد آيات من الإنجيل، لازم يحسوا إنهم جزء من الحدث عشان يحبوه، ومينفعش نقول لطفل أنت مش هتشارك لأى سبب غير التزامه». تتزين الكنيسة قبل أيام من موعد الحفلة، يزين الأطفال الشجرة ويعلق الشباب الزينة، وتقول كريستينا كامل، 9 سنوات: «إحنا بنحب نيجى نزين الشجرة فى الكنيسة، ونعلق فيها النجوم والأجراس، ونعرف معنى كل حاجة»، وتضيف زميلتها نانسى ناجى: «كل حاجة بتتعلق فى الشجرة ليها قصة حصلت زمان أيام ميلاد المسيح، وده اللى بنعرفه فى الكنيسة، لكن أهم حاجة فى العيد إننا نشارك فى الحفلة ونقول للناس حاجة جديدة». وتقول بسمة مجدى، 15 عامًا: «إحنا عددنا قليل بس ده بيخلينا نحس إننا جزء أساسى فى الكنيسة ودورنا مهم، بنتكلم مع المسئولين، وبنقدم ترانيم ومسرحية كل سنة عشان نوصل هدف معين». فى يوم الحفل يقف الأطفال فى صفوف أمام الحضور ينشدون أغنياتهم، يتلعثمون أحيانًا ويضحكون أخرى، ولكن الجميع يصفقون لهم مشجعين فى النهاية، أما الشباب فيشاركون بترنيماتهم التى تُغنى بمصاحبة العود فقط، ليس بسبب تحريم الموسيقى، ولكن لقلة الإمكانات، يقول إدوار إسحاق «العازف الوحيد»، 22 عامًا: «من زمان كنت عايز أتعلم العود، وأشارك بيه فى شكر وحمد ربنا، ومن 3 شهور تقريبًا بدأت أعزف فعلا، بحاول أسمع الموسيقى كويس وأتدرب عليها فى البيت كتير، وبعدين أشارك زمايلى ونتدرب عليها سوا». فى نهاية الحفل توزع «الوعود» على الحضور، و«الوعود» تقليد ابتدعته كنيسة النعمة الإنجيلية، عبارة عن ورق يحمل آيات من الإنجيل فى صيغة وعد، يحتفظ كل شخص بواحدة من الآيات، وكأنها وعد الله له خلال العام الجديد.