بعيدا عن ملاسنات مؤسفة في عالم الساحرة المستديرة المصرية خلال عام يستعد للرحيل، ووقائع مثيرة للأسى مثل استمرار ما يعرف بروابط الأولتراس في تعكير صفو اللعبة الجميلة ومحاولات تعطيل المباريات فان كرة القدم أو اللعبة الكونية الأولى تثير أسئله على مستوى العالم تدخل في سياق "الثقافة البناءة" والهادفة لبناء عالم افضل. ومن أهم هذه الأسئلة:"هل يمكن لكرة القدم أن تسهم في هزيمة الإرهاب؟!!..هذا سؤال تطرحه اللحظة المصرية كما هو مطروح عالميا وها هي الدعوات تتوالى عبر الصحف ووسائل الإعلام ووسائط الاتصال المتعددة حول ضرورة قيام الرياضة والرياضيين بدور لدعم اقتصاد مصر واحتواء الآثار السلبية للإرهاب الغادر غير أن أحدا لم يتناول بعد بصورة معمقة علاقة كرة القدم بالاقتصاد المستهدف في أرض الكنانة بالإرهاب الخسيس !. هناك كتب تصدر في الغرب توضح وتشرح تلك العلاقة التي بلغت حد التأثير المتبادل واستعارة النماذج والمعادلات في سياقات تفاعلية ومعولمة وعلاقات شبكية تنتصر للحياة وتبحث عن فرص جديدة للنمو. والساحرة المستديرة-كما يقول دارسوها- تاريخها تراكمي منذ أن ولدت من تربة الإبداع والعفوية والبساطة والصدق والبراءة والفطرة السليمة وهى بالضرورة وبحكم النشأة ترفض الإرهاب الذي طال حتى الملاعب وتلعن القتل وسفك الدم الحرام في أي بقعة بهذا الكوكب الأرضي. فكرة القدم تحمل تضاريس الأرض واحزانها تماما كما تحمل مباهجها واحلامها وا شواقها للعدل والحق والانتصارات النبيلة فيما تمضي قدما في نموها السريع كصناعة هائلة حسبما تقول مجلة الأهلي في عددها الشهري الأخير والصادر في نهاية هذا العام. وإذا كان الغرب قد اتجه في غمار الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية الأخيرة للبحث عن اجابة عملية لسؤال:"كيف نعظم الاستفادة من كرة القدم لخدمة الاقتصاد في أوقات عصيبة" فلما لا نسعى نحن أيضا لتعظيم فوائد كرة القدم لاقتصادنا وترسيخ مايعرف "بالسياحة الرياضية" ؟!. ولكن ماهي العلاقة بالضبط بين كرة القدم أو "اللعبة الجميلة" بكل سحرها وجاذبيتها وبين الاقتصاد الذي يتسم عادة بالصرامة واحيانا بالطابع الجاف والموحش المقترن بنماذجه ومعادلاته الرياضية المعقدة والأقرب للطلاسم التي لا يفهمها سوى أهل الاختصاص وكهنوت المتخصصين حتى أن المؤرخ والكاتب الإسكتلندي الساخر توماس كارليل وصفه "بالعلم الكئيب" والذي يسبب التعاسة للنفس الإنسانية ؟!. وبصرف النظر عن محاولات وجهود أساتذة وعلماء الاقتصاد لتغيير وتبديد هذا الطابع الكئيب وانطباعات التعاسة لعلم الاقتصاد فان العالم المتقدم لم يعد يعرف أو يعترف بالحدود والسدود بين مجالات البحث والكتابة والأنشطة الإنسانية ومن بينها بالطبع "عالم الساحرة المستديرة" الذي اصبح في قلب السرديات الجديدة التي تمزج مابين مجالات متعددة كما تمزج مابين علوم الاجتماع والقانون والاقتصاد والسياسة والسياحة. وهذا هو العالم الجديد في سياقات الحداثة وما بعد الحداثة والشبكة العنكبوتية الشهيرة "بالإنترنت"..أنه عالم شبكي حيث تتداخل وتتشابك مجالات الفكر والأنشطة الإنسانية معا فيما تظهر الكتابات العابرة للأنواع والتي لا يمكن تصنيفها في مجال محدد فاذا بكرة القدم مثلا تختلط بالاقتصاد واذا بالملاعب تمتزج بالسياحة وسياسات النادي واختيار افضل اللاعبين بآليات السوق ومعايير الشركات الكبرى في سياسات التوظيف وانتقاء افضل العناصر العاملة. واذا بالمدير الفني لفريق كروي عليه أن يدرس عملية صنع القرار في المستطيل الأخضر وان يتمتع بالمهارات الرفيعة المستوى في التحليل شأنه شأن رجل الدولة في قراراته السياسية أو رجل الأعمال في قراراته الاقتصادية لمشاريعه !. ومن الطبيعي- كما ذهبت مجلة الأهلي- أن تكون أي بطولة كروية محفزا عظيما لاقتصاد البلاد بل وقاطرة هائلة للتنمية واذا كانت حكومة جنوب أفريقيا على سبيل المثال قد أنفقت نحو 5 مليارات ونصف المليار دولار على مشاريع البنية الأساسية وحدها فضلا عن مليارات أخرى في قطاعات متعددة استعدادا لاستضافة العرس الكروي العالمي عام 2010 فإنها سعت لاستعادة هذه النفقات أضعافا مضاعفة في صورة مكاسب اقتصادية وأموال نقدية يضخها زوار المونديال في خزانة "بلاد البافانا بافانا". فهذه "اللعبة الجميلة" لها علاقة بالاقتصاد كما أن لها علاقة بالسلوك الإنساني في اوجه متعددة وذلك كله تجلى في كتب صدرت تباعا في السنوات الأخيرة مثل كتاب "اقتصاديات كرة القدم" لسيمون كوبر وكتاب "لعبة الأرقام" لكريس اندرسون وأحدثها كتاب:"نظرية اللعبة الجميلة: كيف يمكن لكرة القدم أن تساعد الاقتصاديات ؟".. في هذا الكتاب الجديد ينظر المؤلف ايجناسيو بالاسيوس-هيرتا للمستطيل الأخضر أو اللعبة الجميلة بعدسات الاقتصاد والأهم هو أنه يستخدم منظورا عكسيا أي ينظر للاقتصاد عبر بلورة الساحرة المستديرة !..هذا المنظور أهم لأنه يخدم غاية المؤلف من كتابه أي: "كيف يمكن خدمة الاقتصاد باستخدام كرة القدم كرافعة اقتصادية" ؟!. ومع أن ايجناسيو بالاسيوس-هيرتا استاذ في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية فهذا الكتاب صادر عن جامعة برنستون الأمريكية المرموقة في المجال البحثي وهو بحق كتاب حافل بالتبصرات والتأملات العميقة في نظريات كرة القدم والاقتصاد الكلي ويتناول مواضيع مثل الإستراتيجيات المشتركة والمختلطة والحوافز والخيارات والتحيزات البشرية بصورة يفهمها القاريء العادي ويمكن أن تفيده في فهم الاقتصاد وكرة القدم معا. هو كتاب مشوق غير أنه لايمكن وصفه بأنه من "الكتب الخفيفة" التي تتوالى في السنوات الأخيرة بهدف ابعاد شبهات الجفاف والكآبة عن علم الاقتصاد عبر تطبيقات لهذا العلم في مجالات مختلفة ومتصلة بالواقع في أوجه الحياة اليومية. وقد وصفه البروفيسور جار بيكر الأستاذ في جامعة شيكاعو والحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد "بالكتاب المحفز على التفكير والذي يبرهن على أن فهم النظريات والأفكار الاقتصادية يستدعي تأملات عميقة في لعبة كرة القدم كما أن الساحرة المستديرة تقدم ادله هامة لاختبار نظريات عديدة في السلوك الاقتصادي مثل الأسواق الفعالة والمؤثرات الاجتماعية على السلوك. "كتاب جذاب خلاب" كما وصفه هذا العالم الاقتصادي الذي رحل مؤخرا وكان قد فاز بجائزة نوبل في الاقتصاد عام 1992 فيما يصف البروفيسور ايجناسيو بالاسيوس-هيرتا كتابه بأنه "كتاب في الاقتصاد استخدم فيه كرة القدم كوسيلة لفهم الظواهر الاقتصادية". وواقع الحال أن هذا الكتاب يقدم إجابات تهم أيضا دارسي الألعاب الرياضية وخاصة لعبة كرة القدم ومنطق لاعبي الكرة ومدى تأثرهم بالحوافز كما أن الكتاب يهم دارسي السلوك الاقتصادي ويربط بحنكة بين نظريات الاقتصاد والنظريات الكروية كما يتجلى في مقاربته "لنظرية الحد الأدنى-الحد الأقصى" والتي تعني السعي لتقليل الخسائر لأدنى حد ممكن وتعظيم المكاسب لأقصى حد ممكن. عمد المؤلف ايجناسيو بالاسيوس-هيرتا في السياق المتصل "بقرارات اللحظات العصيبة" لاستعارة نموذج من المستطيل الأخضر وهو نموذج "ضربات الجزاء" حيث يتخذ اللاعب الذي يركل الكرة قراره مقابل قرار آخر لحارس المرمى في لحظة قاسية ولابد هنا في الوقت ذاته من فوز قرار وهزيمة قرار آخر وقد يؤثر كل من القرارين على خطتي الفريقين أو حسب تعبيره "إستراتيجية كل فريق أثناء المباراة" أو "الصراع الشريف فيما تبقى من مباراة على مدى 90 دقيقة". وكما لاحظت مجلة الأهلي في عددها الشهري الأخير فان نموذج ركلات الجزاء المستمد من المستطيل الأخضر يمكن بالفعل تطبيقه في العديد من المواقف في الحياة ناهيك عن مجالات الاقتصاد وعالم السياسة والعلاقات الدولية حيث تفرض الظروف والمعطيات أحيانا على صانعي القرارات اتخاذ قرار ما في لحظات عصيبة وتحت ضغوط نفسية هائلة في مباراة بين العقول ومحددات السلوك الإنساني والمخاوف والمحفزات والمشاعر على وجه العموم والتي تحدد في نهاية المطاف "مدى نضج صاحب القرار ورباطة جأشه". وكلما تمكن صاحب القرار من السيطرة على مشاعره والتحكم فيها بدلا من أن تتحكم فيه كلما جاء قراره اقرب للصواب وهذا ما خرج به البروفيسور ايجناسيو من دراسة عميقة لنماذج ركلات الجزاء في مباريات كرة القدم..ملاحظات هذا المؤلف دالة وطريفة احيانا !. ويلاحظ البروفيسور ايجناسيو في كتابه أنه عندما اتخذ القرار الكروي العالمي في عام 1995 بزيادة عدد النقاط للفريق الفائز من نقطتين إلى ثلاث نقاط زادت الخشونة والعدوانية في مباريات كرة القدم وكان هذا القرار الذي ينطوي على حافز للفائز وراء تصاعد مثير في عدد الأخطاء والبطاقات الصفراء على المستطيل الأخضر كما تؤكد مثلا سجلات الاتحاد الأسباني لكرة القدم. أنها كرة القدم التي أمست "صناعة هائلة" واقتصادياتها باتت لا غنى عنها لتطور اللعبة الجميلة فيما تتنافس الأندية الكبرى في العالم بضراوة لجذب افضل اللاعبين والمدربين في العالم لفرقها الكروية في صفقات بأرقام لم يكن أحد يتصورها منذ عشرة اعوام فقط كما يقول ستيفان زيمانسكي في كتابه:"المال وكرة القدم" الذي يركز على الأندية الأوروبية. ويسلم زيمانسكي وهو مؤرخ رياضي وحاصل على درجة جامعية عليا في الاقتصاد ويوصف "بالخبير في مجال إدارة الأعمال الكروية" بأن هذه المسألة قد تثير ضيق البعض لكنها واقع لابد من استيعابه لفهم ما يحدث في عالم الساحرة المستديرة والمجريات التي أفضت لتحول الأندية إلى كيانات مؤسسية هامة في عالم اليوم والكرة المعولمة. نعم لابد من استيعاب الواقع للإجابة على اسئلة تهمنا في مصر وأفريقيا وعالم الجنوب ككل مثل:":" هل تكون الكرة المعولمة نعمة على الشمال الثري ونقمة على الجنوب الفقير"؟!..هذا سؤال ضمن تساؤلات قلقة ومقلقة !. وسؤال العولمة أو الكرة المعولمة مطروح في كتاب "لعبة حياتنا" لدافيد جولد بلات وهو كتاب يعبر بدوره عن مدى التشابك والتداخل بين كرة القدم وبقية الأنشطة الإنسانية في المجتمع المعاصر ويقر مؤلفه البريطاني بمعاناة اللاعبين الأجانب وخاصة اصحاب البشرة السمراء من النزعات العنصرية في بريطانيا..انها مشكلة في الكرة الأوروبية ككل في وقت تتزايد فيه "عولمة الكرة بالقارة العجوز" !. فالكرة الأوروبية- كما يؤكد العديد من المعلقين- لا يمكن وصفها بأنها كرة أوروبية خالصة بعد أن تحولت إلى نموذج للكرة المعولمة واستقطبت فرق القارة العجوز العديد من اللاعبين الموهوبين سواء في أفريقيا أو أمريكا اللاتينية وبقية أنحاء ما يعرف بعالم الجنوب. ومن ثم فان السؤال المثير للتأمل:"هل تعد إنجارات أوروبا الكروية في هي إنجارات أوروبية خالصة ام أنها إلى حد كبير نتاج جهد وابداع لاعبين قادمين من عالم الجنوب تحولوا في بعض المنتخبات الأوروبية إلى القوة الضاربة والعمود الفقري ؟!. وبعيدا عن اراء قد تحمل قدرا من الغلو مثل وصف هذه الظاهرة بأنها "الاستعمار الكروي الجديد من عالم الشمال لعالم الجنوب"-يبدو أن هؤلاء اللاعبين الأفارقة والقادمين من الجنوب عموما للعب في صفوف منتخبات الشمال والفرق الأوروبية قد منحوا كرة القدم في القارة العجوز بعض المذاق الحريف الذي يخفف من حدة الحسابات الباردة والتخطيط الأقرب للمعادلات الحسابية والرياضية والعقلانية المفرطة التي تتسم بها الكرة الأوروبية. وواقع الحال أن وجود المئات من اللاعبين الموهوبين من عالم الجنوب وخاصة القارة السمراء بفرق كروية أوروبية يثير سؤالا كبيرا يتجاوز المستطيل الأخضر وحتى عالم الرياضة الرحب:"ما الذي يخسره بلد ما عندما ترحل منه شريحة من أبناءة الموهوبين للخارج"؟. وتحول هذا السؤال-حسبما توضح مجلة الأهلي- إلى معضلة باتت موضع جدل واهتمام من مراكز أبحاث ودوريات عالمية مرموقة تسعى للبحث عن اجابة موضوعية ضمن ما يعرف بدراسات العولمة وبعضها قريب من جامعة ميتشيجان حيث يقوم ستيفان زيمانسكي بتدريس علم الإدارة الرياضية. ويقول ديفيش كابور الباحث بمركز دراسات العولمة في الولاياتالمتحدة أن القارة الأوروبية العجوز تتعامل مع القارة الأفريقية السمراء بمنطق "فلتعطينا افضل وانبغ أبنائك ودعينا نحن نتكفل بهم ونوفر لهم افضل الفرص لإظهار مواهبهم واستثمار هذه المواهب والاستفادة منها". ونوه زميله الباحث جون مكهيل بأن عالم الرياضة ربما يكون أكثر مجالات الأنشطة الإنسانية وضوحا فيما يتعلق بظاهرة "الحراك العالمي المستمر لأصحاب المواهب والمبدعين في الأرض"..فكلما استعرت حدة التنافس في الألعاب الرياضية وكلما ازداد سيل أوراق البنكنوت المقترن بهذا التنافس تفتحت شهية الدول وفرق الأندية أكثر وأكثر لالتقاط الموهوبين بأي ثمن. وتطرق كابور للحقيقة المتمثلة في وجود شبكة هائلة من الوكلاء والسماسرة للاستفادة من الثروة البشرية الكروية الأفريقية المبدعة وذات الأسعار الرخيصة بالمقارنة مع أصحاب الأقدام المبدعة في الشمال الغنى غير إن هؤلاء الوكلاء والسماسرة يدافعون عن انفسهم بوصفهم "من مكتشفي المواهب" وللأنصاف فهم يتمتعون بالفعل "بحساسية مدهشة" في هذا المجال. وتلتقط أعين بعض هؤلاء الكشافين صبية أفارقة موهوبين في عالم الساحرة المستديرة ولم يتجاوز عمر الصبي منهم ال15 عاما ثم تبدأ رحلة الهجرة لأوروبا على أن يكون للوكيل أو السمسار نسبة محددة في العقد المبرم للصبي مع النادي الأوروبي. وتلاحظ دوريات وأدبيات معنية بدراسات وقضايا العولمة أن هناك نظرة في العديد من الدول النامية أو عالم الجنوب بأن تصدير اللاعبين الموهوبين إلى فرق الكرة الأوروبية يتيح لهؤلاء اللاعبين فرصة عرض الابداع الكروى الأفريقي أمام العالم الذي يتابع باهتمام كل مجريات المنافسات الكروية الأوروبية. وهكذا فان أصحاب هذا الرأي لم يترددوا في القول بأن اللاعبين الأفارقة الذين رحلوا لأندية أوروبا لم يجدوا فقط المناخ المواتي والمرحب بالمواهب وأنما فروا أيضا من واقع اقتصادي عصيب وأوضاع قاسية في بلادهم وكلها عوامل كفيلة بتدمير الموهبة أو إهدارها. ومن هنا فان الرؤية الأوروبية الغالبة لظاهرة الكرة الأفريقية المعولمة تتمسك بأن أفريقيا استفادت من الظاهرة بل أن التقدم الكبير في مستويات منتخبات القارة السمراء يرجع في أحد أسبابة- حسب هذه الرؤية-للعدد الكبير من اللاعبين الأفارقة في أنديه أوروبية والذين ينضمون لمنتخباتهم الوطنية أثناء المنافسات القارية والعالمية. ولأن الموهوبين والمبدعين شريحة محدودة بالضرورة وبحكم التعريف في أي مجتمع فان هناك في المقابل من يرى أن ما يحدث للاعبى كرة القدم الموهوبين في عالم الجنوب والذين هاجروا للغرب أو الشمال الثرى ليس بعيدا بالمرة عن تراث من الاستغلال الغربي للجنوب في كل المجالات حتى جاء الوقت الذي تتعرض فيه دول الجنوب وخاصة القارة السمراء للحرمان من الشريحة الأغلى في رأس مالها الإنساني باستخدام أليات العولمة الجبارة والقادرة. ثم أن أصحاب هذا الرأي يؤكدون أن "استمرار نزوح اللاعبين الأفارقة الموهوبين وهجرتهم من بلادهم للشمال الغنى يعرقل تطور الكرة في القارة السمراء وقد يؤدى لتجفيف منابع الإبداع الكروي الأفريقي".. هذا الجدل لم يحسم التساؤلات القلقة وواقع الحال أن هذه التساؤلات القلقة قد ترجع إلى حد كبير عن عدم القدرة على التفرقة والتمييز بين النسبى والمطلق..فالساحرة المستديرة جزء من هذا العالم الذي يخضع للنسبية حتى في عدالته اما العدالة المطلقة فمكانها ليس في الأرض وانما في السماء. ومع ذلك فحتى في إطار نسبية العدالة لابد من ملاحظة أن الساحرة المستديرة تنحاز كلعبة جميلة لكل ماهو جميل ولا تحتفظ في نهاية المطاف في ذاكرتها سوى بكل ماهو أصيل ومبدع بقدر ما تنسى أو تتناسى كل ماهو غث ومزيف أو فاقد لحرارة الأبداع وحميمية الفن. وفى كل الأحوال يبدو أن "الكرة المعولمة" باتت أحد المعطيات الراسخة المشهد الكروي العالمي فيما تدعو هذه الحقيقة عالم الجنوب للاستفادة من إيجابيات العولمة وتقليل سلبياتها قدر الإمكان. وفيما يحلو لصحف شهيرة ومؤثرة كصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن تنشر من حين لآخر قصص عن اجيال شابة في القارة السمراء تشعر بالضياع وتحلم بالهجرة لعالم الشمال مثلما اسهبت من قبل في سياق قصة خبرية عن لاعبي كرة السلة في اريتريا الذين يحلمون بالحياة في أمريكا فان تشجيع الشباب في القارة السمراء لمنتخباتهم الوطنية يثبت ضمن مؤشرات متعددة أن هذا الجيل ليس بالجيل الضائع ولا بالجيل المستعد للتخلي عن علم الوطن مقابل حفنة دولارات رغم أي ظواهر ومظاهر سلبية ويرد ببساطة على اتهامات تروج لها دوائر متعددة في عالم الشمال وتصل لحد التشكيك في وطنية هذا الجيل وحقيقة انتمائه ومرجعياته. كما أعادت مجلة الأهلي في عددها الشهري في نهاية هذا العام للأذهان فان لذاكرة الساحرة المستديرة أن تحتفظ بصور جديدة لوفاء الجماهير وتشجيعها لمنتخباتها الوطنية وان تتوقف امام تلك الجماهير الشابة التي تدفقت على "استاد برج العرب" في مباراة الاياب بالتصفيات المؤهلة لكأس العالم بين منتخبي مصر وتشاد ليفوز الفراعنة برباعية نظيفة. وستحتفظ هذه الذاكرة أيضا بالمباراة بين منتخبي انجلترا وفرنسا في استاد ويمبلي بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس والتي برهنت على "قوة الساحرة المستديرة وانتصارها للحياة في مواجهة بغي الإرهاب القاتل". أليست كرة القدم "لعبة حياتنا" كما يقول دافيد جولد بلات في كتابه !..هي "لعبة حياتنا" بقدر ما تعكس أحيانا مدى التغيير في المجتمع وقدرته على المبادرات الإيجابية في مواجهة الشدائد والأزمات. ومع كل التقدير للمسيرات التضامنية من جانب فنانين لدعم العاملين في قطاع السياحة وهي مسيرات جديرة بالإشادة فان مبادرة إيجابيه لتنظيم بطولة كروية كبيرة في شرم الشيخ أو القاهرة أو أسوان قد تسهم بصورة عملية في دعم هذا القطاع المستهدف من الإرهاب الغاشم واعداء الحياة. واتحاد كرة القدم في مصر يمكنه القيام بالكثير على صعيد هذه الأفكار والمبادرات الإيجابية تماما كما أن عليه أن يعمل لتحسين التصنيف الدولي لمنتخبنا الوطني. واذا كانت "روح أفريقيا العظيمة" قد تجلت كرويا منذ أكثر من خمسة اعوام في مشاهد دالة أثناء مونديال جنوب أفريقيا مثل نزول ملايين الأفارقة للرقص في شوارع ومدن وقرى واحراش القارة السمراء من جوهانسبرج لريف غانا فيما عمت البهجة مقاهى القاهرة وكل ارض الكنانة احتفاء واحتفالا بالعرس الكروى العالمى لأول مرة على ارض أفريقية فهل يمكن اليوم للاتحاد الافريقي لكرة القدم "الكاف" أن يسهم في مبادرة كروية لدعم مصر في مواجهة الإرهاب ؟! ولئن كانت هناك ايجابيات" للكرة المعولمة" يبقى السؤال مفتوحا حول امكانية قيام الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" بدور إيجابي في مثل تلك المبادرات التي يمكن أن تبرهن عمليا على أن "للكرة المعولمة وجهها المضيء رغم أي مآخذ أو انتقادات" ولعلها تبرهن أيضا على أن بمقدور "الساحرة المستديرة هزيمة الإرهاب المعولم" !..ثمة نافذة للأمل وانتصار الحياة !..هكذا تقول الساحرة المستديرة بثقافتها البناءة التي يتوجب استلهامها في كرة القدم المصرية خلال العام الجديد!.