بعيدا عن "آفة التهوين أو التهويل" فإن ثمة مؤشرات تتوالى مؤكدة على الحاجة لنظرة ثقافية أكثر عمقا للعلاقة بين الأجيال في وقت يتحدث فيه البعض عن "صراع الأجيال" ويتحدث البعض الآخر عن "فجوة بين الأجيال". وفيما أثارت الانتخابات البرلمانية المصرية الحالية تساؤلات حول الشباب فواقع الحال أن العلاقة بين الأجيال قضية عالمية وتهم البشر في كل مكان كما أن تجلياتها عديدة سواء في السياسة أو الثقافة أو حتى الرياضة وكلها تتمحور حول سؤال كبير في تلك العلاقة بين الأجيال:"صراع ام حوار"؟!. ورأى الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل في سياق حوار متلفز مؤخرا أن "عزوف الشباب عن الانتخابات أزمة"، معتبرا أن كبار السن لا يريدون أن يغادروا الساحة أو على حد قوله:" هذا زمن الشباب والعواجيز مش عايزين يمشوا"، بينما "العالم يتغير والخيارات كثيرة ومفتوحة"!. وفيما طالب هيكل بإفساح المجال أمام مشاركة الشباب في الحياة العامة كان من أبرز الذين تناولوا "ظاهرة عزوف الشباب عن الانتخابات" الكاتب الصحفي في جريدة الأهرام صلاح منتصر معتبرا أن "الموضوع يستحق دراسة عميقة" وان كان قد أشار إلى أن الانتخابات لم تنته بعد فهناك المرحلة الثانية التي ستجرى في محافظات أكثر ازدحاما فيما رأى أن أهم ثمار انتخابات المرحلة الأولى تتمثل في الصدق الذي لايعرف التزوير أو التجميل خاصة بالنسبة لعدد الحاضرين. وفي سياق نظرته للمشهد الانتخابي البرلماني قال الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة:"كان غياب الشباب عن المشهد الانتخابي أخطر ما حدث فيه حيث أجمعت الشواهد على أن كل الذين شاركوا في الانتخابات كانوا من كبار السن والسيدات" مؤكدا على دعوته "لفتح آفاق جديدة للحوار بين الشباب وسلطة القرار". وإذ ذهب الأستاذ محمد حسنين هيكل إلى أن المرشحين في الانتخابات البرلمانية لم يقدموا "أشياء مقنعة حول المستقبل" تدعو الأديبة والكاتبة سكينة فؤاد لإطلاق طاقات الشباب "كقوة محركة للحاضر والمستقبل وأن يروا عمليا وواقعيا أن الدولة لن تسمح بمشاركة واستقواء من خرجوا وأسقطوهم" في 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013. وثمة اتفاق بين الكاتب والشاعر فاروق جويدة والأديبة والكاتبة سكينة فؤاد على أنه "لولا هؤلاء الشباب لما قامت ثورة ولا رحل نظام مستبد" - على حد وصفها -، فيما قال رئيس تحرير جريدة الأهرام محمد عبد الهادي علام:"لا يكفي أن نملأ الدنيا صراخا عن عزوف الجماهير عن التصويت وعدم اكتراثها مثلما تفعل بعض وسائل الإعلام ليل نهار دون أن نستوعب الأسباب الحقيقية وراء النسبة الضعيفة امام الصناديق وغياب الشباب عن المشاركة على نطاق واسع". وقالت سكينة فؤاد:"لا يستطيع أحد أن يدعي أن دولة 30 يونيو حققت جميع الآمال والتطلعات المتوقعة والمنتظرة أو أنه لا توجد أخطاء تستحق المراجعة وتصحيح المسارات ولكن يجب أن يظل للخلاف والاختلاف أصول عند من يعرفون الأصول" معتبرة أن على من يريد المشاركة في المحاسبة والمراجعة والتقويم "المشاركة بقوة في انتخاب مجلس نيابي قوي". ورغم مآخذ الأديبة والكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد على العملية التنظيمية للانتخابات كانت تقارير أولىة لبعثات دولية تابعت جولة البداية في الانتخابات البرلمانية المصرية قد أكدت قدرة مصر على تنظيم عملية التصويت في الانتخابات بصورة تقنية راقية منوهة بتوافر ضمانات نزاهة الانتخابات غير انها توقعت زيادة وتيرة التجاوزات في جولة الاعادة "بسبب حدة الصراع وانحصاره بين عدد محدود من المرشحين بكل دائرة وسعيهم لحسم الفوز بالمقاعد النيابية". وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور اشرف الشيحي قد أكد في مؤتمر صحفي امس "الأحد" على أن الدولة لن تقيد حريات الطلاب ولن تحدث تدخلات أمنية في الانتخابات المرتقبة لاتحادات الطلاب بالجامعات. ومسألة العلاقة بين الأجيال ظاهرة لها تجلياتها على المستطيل الأخضر وفي عالم الرياضة على وجه العموم وقد تصل لحد الاشكالية كما حدث في مونديال 2010 بجنوب أفريقيا وكانت دموع لاعبى منتخب فرنسا تعبيرا عن احزان الهزيمة وطلب الصفح من المدرب ريمون دومينيك بقدر ما تتمنى الساحرة المستديرة أن تساعد هذه الدموع في تجسير فجوة الأجيال التي فعلت أفاعيلها في ذاك المونديال فاذا بالصراعات تحتدم والمشاجرات تدب بين اللاعبين والمدربين. وفى حالة المنتخب الفرنسى عامئذ بدا أن فجوة الأجيال فعلت أفاعيلها بالفعل في المآل الذي انتهى له هذا الفريق حتى باتت كلمات مثل الهوان والعار والذل تقترن بمنتخب الديوك المهيضة الأجنحة في مونديال- 2010 خلافا للديوك المنتصرة والمنتشية ببطولة كأس العالم عام 1998 فيما نافست حتى اللحظة الأخيرة على بطولة كأس العالم لعام 2006. عاد "الديوك" لفرنسا من مونديال-2010 بنقطة واحدة وهدف واحد وأزمة كروية من العيار الثقيل تحمل ضمن مكوناتها الجوهرية فجوة الأجيال بين مدرب ولاعبين لم يجدوا في نهاية المطاف سوى الدموع بعد أن أبكوا فرنسا بقدر ما حولوها لأضحوكة في عالم الساحرة المستديرة. والحقيقة كما يقول الكاتب والناقد الرياضى الأمريكى دويج فارار أن فجوة الأجيال قائمة حتى بين اللاعبين القدامى والجدد على المستطيل الأخضر كما انها قائمة وظاهرة بين اللاعبين الأكبر سنا واللاعبين الصغار في كل الألعاب الرياضية. وهكذا ستجد الحرس القديم أو "المحاربين القدامى" في عالم الرياضة بألعابها المتعددة وفى مقدمتها الساحرة المستديرة يتحدثون أحيانا بضيق وضجر من أولئك القادمين والوافدين الجدد لعالمهم والذين لا يريدون أن يتعلموا أي شىء فيما يحلو لبعض الشباب أن يظهر بمظهر المتعلم وهو في الحقيقة لا يعلم أي شىء. ويتحدث الكبار في عالم كرة القدم بوجد وشجن وحنين عن "الأيام الخوالى" والأساتذة العظام الذين تعلموا منهم الكثير حتى باتوا من مشاهير الساحرة المستديرة دون أن يكون المال جل همهم ودون أن تكون هناك تلك الطفرة والوفرة في اوراق البنكنوت التي تتساقط الآن بلا حساب احيانا على بعض اللاعبين الشبان الذين وجدوا انفسهم بين عشية وضحاها تحت الأضواء وراحوا يتصرفون كأنهم نجوم ستتوقف كرة القدم عن الدوران أن توقفوا هم أو خرجوا من المستطيل الأخضر !. وفى محاولة جديرة بالتقدير لعبور فجوة الأجيال التي تجلت بشدة في مونديال-2010 قدم نجم دفاع انجلترا جون تيرى اعتذارا للايطالى فابيو كابيللو مدرب الفريق بعد أن انتقده علانية واتهمه على رءوس الأشهاد بسوء إدارة منتخب انجلترا في تلك البطولة العالمية الكروية. وربما سيبقى الذهول يعتري قدامى الرياضيين بعد أن سمعوا وعرفوا أن بعض لاعبى المنتخبات المتنافسة في مونديال-2010 مثل منتخب انجلترا ارادوا مشاركة المدرب في سلطته بشأن اختيار اللاعبين في المباريات فضلا عن التكتيكات وهى مسألة تدخل في صميم مهام أي مدرب ومن ثم فقد رفض فابيو كابيللو هذا الطلب الغريب للاعبى فريق لم يكن ابدا في افضل أحواله أثناء الدور الأول للمونديال وصعد للدور التالى بشق الأنفس. ومضت الفجوة بين الأجيال تفعل أفاعيلها في المونديال فإذا بلاعبى الكاميرون يطلبون من مدربهم الفرنسى بول لى جوين أن يعيد النظر في تشكيل الفريق واذا بهم ينازعونه في صميم اختصاصاته واذا بالفريق الذي كان يوما ما يشار له بالبنان ضمن أسود الكرة الأفريقية وأبطالها يفشل فشلا ذريعا في مونديال-2010 ويودع العرس الكروى العالمى من الدور الأول. يعشق القدامى في دنيا الرياضة التأكيد على انهم مارسوا الرياضة من أجل الرياضة ولعبوا الكرة حبا وعشقا للساحرة المستديرة دون أي اعتبارات لعوامل مادية بل أن بعضهم يؤكد بصدق انهم صرفوا من جيوبهم على كرة القدم ولم يأخذوا منها شيئا من المال رغم انهم منحوها الكثير والكثير من الجهد والعرق واسهموا بإبداعاتهم في خلق شعبيتها الطاغية في العالم كله. بتبرم وامتعاض أحيانا يتوجه أولئك القدامى وكبار السن من الرياضيين إلى الأجيال الشابة ليقولوا:هذا ما أعطيناه للرياضة دون أن نأخذ أي شىء إلا متعة الهواية فما الذي قدمتوه انتم لتحصلوا على كل هذه الملايين"؟!. والظاهرة لا تقتصر على الجنوب دون الشمال ولا على الدول الصناعية المتقدمة دون الدول النامية ولا على دول العسر دون بلاد اليسر وفى بلد مثل الولاياتالمتحدة التي تقود الغرب ستجد بعض الأسماء الشهيرة من قدامى الرياضيين وهم يتحدثون باشمئزاز من هؤلاء الوافدين الجدد من الصغار الذين يمارسون الرياضة طمعا في المال..والمال وحده. لن يختلف الحال سواء في الولاياتالمتحدة أو في سوازيلاند عندما يتعلق الأمر بقدامى الرياضيين وهم يتحدثون عن الشباب الصغير في مجال الرياضة ويعقدون مقارنات مطولة يثبتون بها انهم اعطوا كل شىء ولم يحصلوا على أي شىء فيما أخذ ذلك الشباب الغر كل شىء دون أن يقدموا إنجازا حقيقيا أو جهدا وعرقا يتناسب مع ما يحصلون عليه من أموال وشهرة. ويبدو أن هذه الهجمات المستمرة توسع من الفجوة بين الأجيال وتزيدها اتساعا بدليل أن لاعب كرة السلة الأمريكى القديم جيل سايرز واحد الذين قدموا الكثير لهذه اللعبة ذات الشعبية الهائلة في الولاياتالمتحدة قد اعتبر بعض شباب اللعبة انتقاداته لهم دليلا على حسد العواجيز وحقدهم على اللاعبين الشباب الذين قدر لهم أن يحصدوا الكثير من مجد الشهرة وثراء المال معا. لكن ما قد يجهله هؤلاء الشبان أن لاعبا مثل جيل سايرز ربما كان سيرفض الأموال التي يتحدثون عنها لأنها انتهكت براءة الرياضة وعفويتها وحولتها لجزء من منظومة السوق التي يتحكم فيها من قد لا يدرك معنى متعة الرياضة من أجل الرياضة واللعب بغرض اللعب !. وفي الحياة الثقافية المصرية كانت ظاهرة "صراع الأجيال" قد تجلت لتلقي بظلالها على الحوار بشأن ورقة العمل المقترحة للسياسة الثقافية لمصر ابان الفترة التي اسندت فيها حقيبة هذه الوزارة للدكتور جابر عصفور. وبدت هذه الظاهرة التي قد تحجب للأسف اسئلة وقضايا أكثر أهمية بشأن السياسة الثقافية المقترحة واضحة في كثير من معالجات وآراء منشورة حيث تعرض الباحث الكبير الأستاذ السيد يسين منذ الإعلان عن تكليفه من جانب المجلس الأعلى للثقافة بإعداد ورقة عمل مقترحة للسياسة الثقافية لكثير من الهجوم لا لشيء سوى لعامل السن أو الفئة العمرية التي ينتمي لها!. وفيما لم يتورع بعض من شنوا هذا الهجوم عن وصف قامة ثقافية في حجم السيد يسين بأنه "رجل الماضي الذي انهكه السن والمرض " مبدين استغرابا لتكليفه بوضع خطة للمستقبل الثقافي فان هذه الرؤية التسطيحية والقاصرة حتى معرفيا لم تتح لأصحابها فرصة معرفة أن بعض اعظم واشهر من خططوا للمستقبل بل وأطلقوا أفكارا فجرت لثورات غيرت الإنسانية كلها كانوا ينتمون لفئات عمرية تجاوزت سن الشباب!. ومن هنا يحق استرجاع تحذير أطلقه الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي من أننا "حين نخاصم المعرفة نخاصم الحياة ونصبح مهددين بالانقراض، إن لم ننقرض بأجسادنا انقرضنا بعقولنا وأفئدتنا أي فقدنا إنسانيتنا" موضحا أن "الثقافة هي حياتنا التي نعيشها، كما نكون تكون ثقافتنا وكما تكون نكون". وإذا كان من الصحيح أنه لا يجوز أن تتحول وزارة الثقافة إلى معبد له كهنة يمسكون بمفاتيحه فلا يجوز أيضا لأحد أن ينسى في خضم الترويج لصراع الأجيال والتستر وراء شعارات ثورية أن الثورة الشعبية المصرية كانت "ثورة عابرة للأجيال" ولم تكن في موجتيها بأي حال من الأحوال حكرا على جيل بعينه. ثم إن التزيد والإسراف في قضية صراع الأجيال أمر يتنافي مع منطق الديمقراطية والعدالة بقدر ما يقترب من العنصرية المقيتة ومنطق الإقصاء الفاشي والذهنية العقابية وإن كان بالوسع فهم هذه الظاهرة كرد فعل لحالة انسداد الأفق وتوقف الحراك الطبيعي للأجيال التي عانت منها مصر على مدى عقود في ظل نظام شاخ وثار عليه الشعب وأسقطه في نهاية المطاف بعد أن تسبب في علل شتى من بينها "إصابة المجتمع بحالة أقرب لتصلب الشرايين". وواقع الحال أن الأستاذ السيد يسين كان مدركا لهذه القضية وهو يعرض لورقة العمل التي اقترحها للسياسة الثقافية لمصر والتي جاء فيها:" من الملاحظات المهمة فيما يتعلق بالتغيرات الكبرى التي حدثت في مصر للمجتمع بعد ثورة 25 يناير ظهور أزمة حادة في مجال القيم". ومن مظاهر أزمة القيم كما رصدها السيد يسين في ورقته: "نسف التراتبية الاجتماعية بمعنى عدم الاعتراف بالمديرين والرؤساء وشرعية الانقلاب عليهم ومحاصرتهم في مكاتبهم والدعوة إلى فصلهم أو تغييرهم. بعبارة مختصرة عدم الاعتراف بالمكانات الإدارية والاجتماعية بزعم أن هذه من أخلاقيات الماضي". وأضاف "ومن المظاهر الحادة للأزمة محاولة نفي الأجيال القديمة باعتبار أن أوانها قد انقضى ولعل شعار تسقط دولة العواجيز تعبر عن هذا الاتجاه خير تعبير" متابعا "ومعنى ذلك أن النشطاء السياسيين-ربما بغير وعي منهم - يدعون إلى صراع مفتوح بين الأجيال بدلا من أن يقيموا حوارا فعالا بين الأجيال تنقل فيه الخبرة بهدوء وسلاسة من الأجيال القديمة إلى الأجيال الشابة". وأزمة القيم كما نظر لها السيد يسين تدعو إلى أن يكون "تجديد القيم المصرية هدفا أساسيا من أهداف السياسة الثقافية " مؤكدا على أهمية التركيز على ترسيخ قواعد الحوار الديمقراطي واحترام الاختلاف في ضوء احترام مبدأ التعددية واعلاء قيمة النقد الذاتي وتجسير الفجوة بين النظر والعمل. وهذه الأزمة على حد قوله "سبق لعلم الاجتماع العالمي أن درسها واطلق عليها ظاهرة اختلال القيم بمعنى عجز أفراد المجتمع عن التمييز بين السلوك المشروع والسلوك غير المشروع" وترجع جذورها في قراءته التحليلية لخريطة المجتمع المصري بعد ثورة 25 يناير من الخلط بين الشرعية الثورية والشرعية الديمقراطية أو بين شرعية الميدان وشرعية البرلمان. وفيما اقترح الأستاذ السيد يسين على وزارة الثقافة إعادة طبع كتاب الدكتور حسن حنفي وعنوانه "حوار الأجيال" فقد أشار إلى مؤشرات متعددة لأزمة القيم ومن بينها الخلط بين الثورة والفوضى لافتا إلى أن ائتلافات شبابية متعددة تريد أن تواصل المظاهرات في أي وقت احتجاجا على أي وضع لا ترضاه بزعم أن "شرعية الميدان" ينبغي أن تبقى قائمة إلى الأبد مهما كانت الأوضاع الدستورية قد استقرت. وللإنصاف فإن السيد يسين ابدى اهتماما واضحا بالشباب في ورقته البحثية للسياسة الثقافية التي تقوم على أساس "التنمية الثقافية القاعدية" كما أن الرجل طرح ورقته للنقاش وتوقع أن تكون الملاحظات النقدية التي ستوجه لها "أساسية في اعادة صياغتها لتكون أساسا للمناقشة في المجلس الأعلى للثقافة". ولا جدال أن الظروف المعيشية والإنسانية الصعبة تنسحب على كثير من الشباب وتؤثر في نظرتهم للحياة وعلاقتهم بأجيال أكبر ومن ثم فان تحسين هذه الظروف قد يؤدي لامتصاص كثير من الاحتقانات التي تغذي صراع الأجيال. ومن نافلة القول أن أي مبادرة للحوار مع الشباب خليقة بالإشادة شريطة أن تكون تلك المبادرات بريئة من النمطية والوصاية والمظهرية وأن تسعى لدعم مقومات الوطنية المصرية وثوابتها وتلتفت لمغزى ما قاله المحلل والكاتب الدكتور أسامة الغزالي حرب من أن "قضية مصر الأساسية اليوم هي الثقافة". ولعل أي محب لهذا الوطن لا يختلف مع ما قاله الشاعر والكاتب فاروق جويدة حول ضرورة إعطاء الشباب أهمية خاصة لأنه صاحب المستقبل وتأكيده على ضرورة أن "يحمل الشباب الراية لأنه الطرف الوحيد في هذا المجتمع القادر على استيعاب روح العصر". لكن تمكين الشباب كأغلبية عددية وأصحاب حق في المستقبل يختلف عما يتصوره البعض من إقصاء لأجيال أكبر من المشهد وبصرف النظر عن مسألة الخبرات والكفاءات وعلى سبيل المثال فإن صاحب الورقة المقترحة للسياسة الثقافية لمصر له خبراته الثمينة سواء في العمل البحثي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أو مركز الدراسات الإستراتيجية بمؤسسة الأهرام إلى جانب خبراته في التدريس الجامعي. وفيما قام منذ سنوات بعيدة بتدريس مادة مناهج البحث في كلية الإعلام بجامعة القاهرة على مستوى البكالوريوس والماجستير امتدت خبرات السيد يسين في التدريس الجامعي بعد ذلك إلى الجامعة الأمريكية حيث قام بتدريس مادة الاجتماع لسنوات طويلة يقول عنها انها "أكدت له أهمية التفاعل مع أجيال الشباب". ويضيف قائلا:"استطيع القول انني تعلمت كثيرا من حواراتي مع هذه الأجيال الشابة لأنني لم اكن ادرس بالطريقة التقليدية ولكنني كنت افسح مجالا واسعا امام الطلبة للمناقشة والتعليق حتى لو اختلفوا مع ماأطرحه من نظريات وأفكار". ويرى الأستاذ السيد يسين أن بمقدور الشباب إثبات ذاتهم "لو مارسوا التجدد المعرفي باعتبار أن أحد شعارات القرن الحادي والعشرين هو التعليم المستمر إضافة إلى التدريب واكتساب الخبرة التي تؤهلهم لشغل الوظائف القيادية واهم من ذلك كله متابعة التحولات العالمية وفهم منطقها الكامن وتكوين رؤى مستقبلية مبدعة تقوم على العلم والخيال معا لحل مشكلات مصر". واللافت أن السيد يسين أكد على أن المجتمع المصري غير مستعد بالقدر الكافي للتغيرات العالمية "نتيجة تكلس النخب الثقافية والسياسية وعجزها عن المتابعة المنهجية للتحولات العالمية" ومن هنا يقع على عاتق الدولة كما يقول أن تساعد المجتمع بمختلف الوسائل التعليمية والثقافية والإعلامية لكي يرتقي وعي الطبقات الاجتماعية المختلفة وتكون قادرة على على تحقيق النهضة المرجوة والعبور إلى المستقبل. واستعادة العافية الثقافية ناهيك عن تحول الثقافة لفضاء ابداعي وكذلك تحقيق العدالة الثقافية كلها مسائل لن تكون دون حضور واجب وعادل للشباب والدفع بأجيال جديدة من المبدعين في سياق طبيعي وسوي بعيدا عن افتراض يفتقر للسوية وفحواه أن تمكين الشباب شرطه الجوهري إقصاء الكبار!. نعم حان الوقت لحراك الأجيال وانتقال الشباب لمواقع المسئولية على قاعدة الكفاءة والجدارة في كل المجالات بما فيها العمل الثقافي دون أن يعني ذلك ابدا "قتل الأب" وتحويل القضية لصراع أجيال ونسف ثوابت وإهانة قيم أو إهدار الرموز وقذف الكبار بالحجارة وفيهم من دعا دوما لتمكين الشباب ووضع احلى سنوات عمره في خدمة الوطن وتحت علم مصر. لقد تغير مفهوم القوة بالفعل مع العولمة وثورة المعلومات واقتصاد المعرفة وتتوالى طروحات حول ما يسمى "بالقوة الذكية" كمحصلة للتفاعل بين عناصر القوة الصلبة والقوة الناعمة التي تعد الثقافة قوامها وأساسها ونحن بحاجة "لحوار بين الأجيال" من أجل تعظيم القوة الشاملة لمصر..ليس لنا أن نخوض "صراع أجيال" حتى لا نقتسم الخيبة ونتبادل الخسارة في دروب مرتعشة لا تليق بأحلامنا المصرية العظيمة