لماذا فشلت المساعى الدولية والإقليمية والعربية فى إيجاد تسوية ترضى الجميع؟ المؤكد أن كل الجهود الدولية والإقليمية فشلت فى التعامل مع الأزمة السورية منذ بدايتها، ومع استمرار تأزم الموقف الدولى وتراخى المجتمع الدولى فى محاربة داعش فى إطار حملته على الإرهاب فى سورياوالعراق عبر التحالف الدولى الذى لم يحقق شيئا ملموسا على الأرض فى حربه على داعش، فى الوقت الذى يتمدد فيه التنظيم فى كل من العراقوسوريا، واستطاع فى شهور قليلة الاستيلاء على ثلث العراق وثلثى سوريا، فيما ظلت روسيا فى إصرارها على دعم النظام السورى فى مختلف المحافل الدولية، إلى جانب موقف إيرانوالعراق الداعم للنظام فى دمشق عبر الدعم اللوجستى والفنى والمخابراتى والذى ارتقى إلى دعم اقتصادى وعسكرى مباشر منذ قرابة الخمس سنوات هى عمر الأزمة السورية عبر قوات من الحرس الثورى الإيرانى وميليشيات حزب الله دون أن تحقق أى إنجازات على الأرض المحروقة فى سوريا. ويرى المراقبون أن التدخل الروسى فى سوريا جاء لعدة اعتبارات على الأرض تمثلت فى العديد من عوامل الفشل والقصور والتراخى المحلى والعربى والإقليمى والدولى فى كيفية التعامل مع الأزمة السورية.. كان أبرزها: فشل إيران وميليشيات حزب الله فى تحقيق أى إنجاز عسكرى على مدى السنوات الماضية فى المعارك الدائرة بهدف القضاء على المعارضة السورية المسلحة والتنظيمات التكفيرية سواء من تنظيم داعش أو جبهة النصرة. ليس فقط دعما للنظام السورى والحفاظ على كيان الدولة بل بهدف الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية فى سوريا باعتبار أن دمشق تمثل امتدادا لمصالح إيران فى المنطقة، وصولا إلى لبنان الذى يعانى من سيطرة ميليشيات حزب الله بقيادة «حسن نصر الله» وممرا لتهريب الأسلحة إلى حزب الله عبر دمشق ووجود دولة «حزب الله» بقوة السلاح تقارع الدولة اللبنانية التى تعانى من عدم وجود رئيس للبنان لأكثر من عام، وهو ما يشكل هاجسا إيرانيا بضرورة دعم حزب الله فى لبنان بهدف دعم مصالحها الاستراتيجية فى المنطقة وربما إحياءً لمشروعها القديم الجديد «الهلال الشيعى» عبر تأجيج مسلسل الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة. كما يمثل فشل النظام السورى أحد الاسباب المهمة فى التعامل مع الازمة منذ بداياتها ويتحمل المسئولية كاملة فى كيفية إيجاد حل لاحتوائها فى ظل استمراره فى التعامل معها من المنظور «الأمنى والعسكري» فى معظم فترات التوتر حتى تأزم الأوضاع ومحاولات النظام البحث عن ذرائع لتسويقها إلى المجتمع الدولى منذ البدايات بأنه لا يحارب سوى «الإرهاب» الذى سرعان ما انتشرت مفاصله فى مختلف المحافظات السورية.. مما تسبب فى إنهاك قوى الجيش السورى فى حربه فى مختلف المواقع فى العديد من مناطق الصراع .. ومع اتساع قوى المعارضة المسلحة وسيطرتها ودخول أطراف إقليمية ودولية إضافة إلى تركيا وقطر والعراق، بدعم العديد من التنظيمات الإرهابية المتطرفة وسماح تركيا بأن تكون أراضيها ممرا لدخول السلاح والمقاتلين عبر الحدود السورية التركية بتأجيج الصراع حتى تمكنت مختلف التنظيمات سواء من داعش وجبهة النصرة والجيش السورى الحر وجيش الإسلام من سيطرتها جميعا على 80 فى المائة من الأراضى السورية.. وترتب على تلك الأوضاع أن تحولت سوريا من مسرح للصراع الإقليمى ضم «أطرافا عربية وخليجية إضافة إلى تركيا» إلى مسرح للصراع الدولى بين قوى التحالف الدولى بقيادة الولاياتالمتحدة ودول الغرب، رغم تصاعد الرغبة الإقليمية فى الاستمرار فى دعم المعارضة السورية . ويأتى الفشل التركى الذريع ممثلا فى «رجب طيب أردوغان» وحزبه فى تعامله مع الازمة السورية.. والتى وصلت أوج علاقاتها مع دمشق فى «تعاون استراتيجى عالى المستوى» سرعان ما تهاوى وتحول إلى عداء مستحكم.. انطلاقا من موروث تاريخى بأحلام عودة «الدولة العثمانية» ومحاولاته المستميتة فى تحقيق أغراضه ومصالحه فى الاستيلاء على الجزء الشمالى من الحدود السورية التركية وفرض السيطرة عليها تحت دعوى ضرورة فرض «منطقة الحظر الجوى التى ظل ينادى بها ويحرض الغرب على مساعدته فى إنشائها» بهدف التمكن من السيطرة على الأكراد وتحديدا «حزب العمال الكردستانى» عقب الاندلاع المفاجئ للمواجهات بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستانى وانهيار اتفاق السلام بينهما على خلفية ما جرى من أحداث فى «مدينة كوبانى» السورية التى تقع بالقرب من الحدود التركية ورفض أنقرة تقديم أى دعم أو مساندة للأكراد فى حربهم على تنظيم داعش مما شكل مبعث قلق جديد قد يزعزع استقرار تركيا فى ظل رفض رجب طيب أردوغان التراجع عن مواقفه. فيما فشل التحالف الدولى بقيادة أمريكا والدول الغربية ليس فقط فى الحد من قدرات تنظيم داعش حسبما زعم الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى بداية الحرب على داعش، لتترافق معها تصريحات مسئولين عسكريين فى البنتاجون بأن الحرب على داعش قد تستغرق أمدا طويلا قد يمتد لأكثر من عشر سنوات.. ليتبين ووفقا للمراقبين أن المخطط الأمريكى الصهيونى من وراء إطالة أمد الأزمة فى سوريا جاء بهدف تحقيق أهداف عدة أولها تمكين تنظيم داعش من السيطرة الكاملة على الأرض عبر دعمها اللوجستي من قبل أطراف إقليمية «تركيا وقطر» عقب إعلان داعش ما يسمى بدولتهم «الإسلامية» فى بلاد الشام والعراق فى إطار تقسيم المنطقة، لتتحول داعش إلى طرف أصيل فى المعادلة بالتفاوض واجتزاء مناطق سورية تحت سيطرتهم وإعلان «محافظة الرقة» السورية عاصمة «لدولة الخلافة» إضافة إلى إلهاء المنطقة بمزيد من الصراعات الطائفية وتأجيج الحروب لاستمرار عملية تجارة السلاح وتصريفها لكافة القوى المتصارعة وعقد الصفقات العسكرية لاستنزاف المنطقة ماليا واقتصاديا وتجاريا وإدخالها فى أتون «حروب أهلية». وكما فشلت تركيا جاء فشل وتواطؤ العراق ممثلة فى «حكومة نورى المالكى السابقة» مع إيران لتشكل الخطيئة الكبرى ليس فى حق العراق وإنما فى حق المنطقة ومشروع التقسيم بتغاضيها وتواطئها المعلن، والتى اتهمت مؤخرا من قبل الحكومة الحالية بضرورة محاكمة ومساءلة نورى المالكى فى تسليمه أسلحة ومعدات الجيش العراقى بمختلف قواعده فى المحافظاتالعراقية التى سيطر عليها تنظيم داعش فى زمن قياسى وإعلان ما يسمى بالدولة الإسلامية فى بلاد الشام والعراق ثم الامتداد إلى سوريا تحت سمع وبصر المجتمع الدولي. وجاء فشل التحالف الدولى فى تحقيق أى إنجاز يذكر فى الحرب على داعش على مدار عام كامل، بالرغم من أن أعداد المقاتلين من داعش فى بداية الأزمة لم تتجاوز 40 ألف مقاتل من مختلف الجنسيات العربية والغربية على أقصى تقدير واتسم أداؤه بالارتباك وعدم التوافق بين الدول الداعمة له فى تراخيها فى المشاركة فى الحرب على داعش ك«فرنسا وبريطانيا» إلا مؤخرا ورغم ذلك فقد فشلت فشلا ذريعا فيما يراهن مسئولون أمريكيون علنًا على فشل الرئيس فلاديمير بوتين فى بلوغ هدفه وأنه دخل المستنقع السورى . وقد جاء إعلان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين سريعًا ومفاجئًا للمجتمع الدولى ومترافقا مع انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخرا بالتدخل عسكريا فى سوريا والمباشرة فى توجيه الضربات العسكرية لمعاقل المعارضة السورية المسلحة ولتنظيم داعش وجبهة النصرة، غير عابئ بردود أفعال أمريكاوفرنسا وبريطانيا والتى جاءت جميعها متناقضة تحت ذرائع خائبة عبرت عن فشلها وفشل التحالف.. كما كشف التدخل الروسى مدى حجم التواطؤ والفشل الأمريكى فى الحرب على داعش وكذا فشله فى التعامل مع الأزمة السورية منذ بداياتها. كما يرى المراقبون أن دخول روسيا بهذه القوة إلى المنطقة وفى سوريا وعلى الملأ وبناء على طلب رسمى من دمشق لتؤكد موسكو للعالم أن سوريا أصبحت خطا أحمر نظرا لتمتعها بقواعد عسكرية فى طرطوس واللاذقية، مع تقدم قطع من الأسطول الروسى باتحاه الشواطئ السورية علاوة على أن دخول موسكو عسكريا فى سوريا جاء للحفاظ على تواجدها فى آخر موقع لها فى «المياه الدافئة» بمنطقة الشرق الأوسط، وارتباطها بمشروع الغاز، كما تقع ضمن مناطق مصالحها أيضا برفضها مخطط تقسيم سوريا واعتبار العمل العسكرى فى سوريا عملية استباقية للدفاع عن الشعب الروسى نظرا لما تعرضت روسيا من اعتداءات على أيدى آلاف المتشددين من الشيشان والدول الإسلامية السوفيتية وفقا لما ذكره رئيس الوزراء ديمترى ميدفيديف.. ويأتى إصرار موسكو فى مواقفها الداعمة للرئيس بشار الأسد واستعمال الرئيس بوتين جميع أدواته السياسية والدبلوماسية واستخدام حق النقض (فيتو) فى مواجهة أى قرار أممى ضد النظام السورى لمنع تكرار «تجربتَي» ليبيا والعراق وضرورة إشراك الرئيس بشار الاسد فى أى عملية سياسية مستقبلية خلال المرحلة الانتقالية.. مما أجبر أمريكا والغرب على إعادة النظر فى ضرورة إشراك الاسد.. كما لم يفت موسكو بعد أربعة ايام من الغارات الجوية التى استهدفت محافظات «حمص وحلب وإدلب وحماة والرقة» (معقل داعش) أن تبدى استعدادها للتفاوض مع «الجيش السورى الحر» بوصفه المعارضة السورية المسلحة المعتدلة من وجهة النظر الأمريكية والغرب. ويرى المراقبون أن دخول الدب الروسى بهذا العنفوان والوضوح والصرامة ونجاح بوتين فى إسراع محاربة داعش مع تقديم رؤية سياسية لحل الأزمة السورية بهدف الوصول إلى مرحلة انتقالية والعودة بسوريا إلى دولة علمانية متعددة الطوائف موحدة، جاء انتقاما للرد على ما تعرضت له موسكو من خداع أممى عبر «تحالف الناتو» إبان الأزمة الليبية فى 2011 وتعرض مصالحها للضرر، بعد أن تخلت الدول الغربية عن كافة وعودها الاقتصادية لموسكو لتنتهى الدولة الليبية وتقع فى مستنقع الدم والخراب والتدمير على أيدى الجماعات التكفيرية فيما فشل فيه أوباما وتحالفه على مدار أكثر من عام.