صدر عن المحروسة للنشر والتوزيع دراسة بعنوان "البدايات.. الأصولية الإسلامية في المجتمع المصري"، للباحث والكاتب عبد الله شلبي من القطع الكبير في 420 صفحة، والتي تستهدف كشف النقاب عن محتوى الجماعات الإرهابية ووعائها الاجتماعي وغطائها الفكري. قراءة الدراسة كانت بمثابة الرحلة التى تصحبك عبر سبعة فصول لاستكشاف المجاهل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتفسير ظاهرة الإرهاب في الفترة بين ما بين 1970-1985، والتي تعتبر الفترة الأكثر التهابًا خاصة أن تلك الحقبة الزمنية تسميها الجماعات الإرهابية فترة التمكين، والتى أسماها الكاتب فترة التكوين. على الرغم من تركيز عبد الله شلبي– مؤلف الدراسة- على فترة التكوين بداية من أوائل السبعينيات، إلا أنه عاد بنا قليلا إلى عام 1967 خاصة بعد النكسة، والتي تعتبر بداية انبعاث أولى الحركات السياسية الإسلامية، بسبب ما شهدته الدولة من ضعف عقب النكسة. يكشف عبد الله في دراسته عن معاناة الشعوب العربية التي تقع بين مطرقة الحكومات التى تحاول أن تضفي قداسة دينية على قراراتها وسندان الجماعات الإرهابية التي تنمو في مثل هذا المناخ، ويعتبر الكتاب دعوة عامة لإعمال العقل حيث جاء اختيار موضوع الدراسة "الدين والصراع الاجتماعي" ليقودنا في رحلة استكشاف لمجاهل الانغلاق المأساوي وسيادة الرؤى المستندة إلى التخلف والظلامية والجهالة. عبد الله شلبي يقدم في دراسته فهم سوسيولوجي يتجاوز التناول الجزئي المبتسر لظاهرة انبعاث الحركات السياسية الإسلامية المعاصرة في المجتمع المصري، كما يوضح الصلة بين حركات الإصلاح والتجديد الفكر الإسلامي في مصر والتي بدأت في القرن الماضي وكيف أفضت هذه الحركات في تطروها إلى انبعاث أولى الحركات السياسية الإسلامية ويعني الكاتب هنا جماعة الإخوان الإرهابية، إضافة إلى رصد وتحليل أنماط الفعاليات الإسلامية المعاصرة في العالم العربي خلال الربع الأخير من القرن العشرين في علاقتها بالتحولات الاقتصادية الاجتماعية التى عاشها العالم خلال هذه الفترة وتحديد القوى الاجتماعية والسياسية المحلية والإقليمية والدولية وراء تنامي الظاهرة. جاء في الفصل الأول كمدخل للدراسية على المستوى النظري يتناول فيه ظاهرة الانبعاث المعاصر للحركات الدينية السياسية داخل المجتمعات بشكل عام، وداخل المجتمعات العربية الإسلامية بوجه خاص، حيث أوضح الكاتب أن ظاهرة انبعاث الحركات الدينية ليست موجودة في المجتمعات الإسلامية فقط حيث أوضح تجدد لنشاط المنظمات البوذية السياسية في شرق آسيا والتي تسعى جاهدة للحصول على الأغلبية في البرلمان الياباني، والهندوكية في شبه القارة الهندية، وقد فجر هذا الانبعاث الصراعات والنزاعات الدينية الطائفية في المجتمع الهندي بين الهندوس والمسلمين، وبين الهندوس والسيخ بلغ ذروته بقيام أحد المتطرفين السيخ بقتل أنديرا غاندي، مرورًا بالأيدولوجية الصهيونية في إسرائيل وابنعاث الحركات الدينية المسيحية اليمينة في أمريكا الشمالية واللاتينية والتى تجلت في صعود التيار اليميني منذ عام 1980 لمواجهة الشيوعية أو امبراطورية الإلحاد، وهو توصيف يقصد به الاتحاد السوفيتي. كما يعرض تطور حركة الإصلاح الديني التي بدأت في الإسلام منذ أواخر القرن العشرين، ويكشف الصلة بينها وبين الانبعاث المعاصر للحركة الإسلامية السياسية، ويربط الكاتب بين بدايات النهضة الأوروبية وانفتاح العرب على هذه الحضارة، ليكشف عن سؤال محوري، فرض نفسه على حال العرب، لماذا التخلف والعجز لدى شعب يعرف كلام الله، بينما الكفار الأوروبيين قد حققوا ضروب تقدم رائعة في ميادين الثقافة والحضارة؟، وانطلاقًا من هذا الطرح يدخل بنا الكاتب إلى الإجابات على لسان أئمة التجديد الديني، فيعرض تصاعد الحركات الإسلامية السياسية، وانماطها في علاقة ذلك بما خبره العالم العربي من تحولات منذ نهاية الستينيات وحتى الآن، كاشفًا عن القوى المحلية والإقليمية والعالمية، الكامنة وراء تنامي المد الإسلامي السياسي. يوضح عبد الله شلبي التحولات التي شهدها المجتمع المصري في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، وما لجأ إليه نظام الحكم في مصر خلال تلك الفترة من آليات لتحريف الصراع الاجتماعي، حيث بدا من الانفتاح الاقتصادي وإدماج مصر في الرأسمالية العالمية، واتفاقية كامب ديفيد وتفجر الصراع داخل الجماعات الإرهابية، إضافة إلى كشف الستار عن التيارات والجماعات الفاعلة في الحركات السياسية الإسلامية المعاصرة في المجتمع المصري، والمؤسسات الأصولية الإسلامية الرسمية، والاتجاهات الإسلامية داخل الأحزاب المصرية، واختراق الجماعات والتنظيمات الإسلامية للجامعات المصرية، واساليب تجنيد الطلبة داخل تلك الجماعات. كما تتناول الدراسة الاستراتيجية التى اعتمدتها الجماعات الجهادية في الحركات الإسلامية لتغير الواقع، من خلال الأطر المرجعية والمصادر الفكرية من خلال الأدبيات التى أصدرتها الجماعات والتنظيمات الأصولية التي ظهرت على الساحة السياسية، عارضًا لفكرة شكري مصطفى مؤسس جماعة التكفير وأمير آخر الزمان وهى الاعتماد عل القرآن والسنة وسيرة السلف الصالح وما عداها يعتبر أصناما. وأدبيات ابن تيمية التى نادى بمقاطعة معرفية مع التراث اليوناني الأوروبي بدعوى وثنيته وافتقاره إلى التوازن ويترتب على هذه الدعوى بالطبع إنكار كل ما هو منسوب إلى الفلسفة الإسلامية، خاصة فلسفة ابن رشد، بسبب دعوته إلى تأويل النصوص الدينية بإعمال العقل وجعله المرجعية العليا. ثم يعرض الكاتب رؤية حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية لأنه يرفض الحضارة الغربية الكافرة، ويرفض التعليم الحديث والمدارس الحديثة بزعم أنها بدعة، مؤكدًا –حسن البنا- شمولية الإسلام لأن الإسلام عنده دين ودولة. الدراسة تتناول بكل تجلياتها إنبعاث الحركات الإسلامية داخل المجتمع المصري، معتمدة على مجموعة من الدراسات والمعلومات ووثائق الجماعات الإسلامية السياسية المكونة لمجموع التيار الجهادي، وملفات القضايا الخاصة بالمحاكمات التى انعقدت للتنظيمات الإسلامية، ومضابط مجلس الشعب في الفترة من 1984-1985.