تعيد أزمة الملف النووى الخاص بإيران وكوريا الشمالية الحديث عن خطر الأسلحة النووية وتأثيراتها المدمرة على البشرية. وإطلالة هادئة على قصة القنبلة الذرية تدفعنا للتفكير في اختلال ميزان القوى العالمية، واحتكار الدول الكبرى لأسلحة الردع، ومجابهة ومقاومة وصولها إلى الدول الصغرى. من هنا فإن الإبحار فى كتاب “,”هيروشيما ونجازاكى“,” للمؤلف اليابانى تاكيشى إيتو، والصادر عن دار الشروق يضىء هالة من الضوء فى سرداب الظُلمة حول تاريخ ذلك السلاح القاهر. أول المفاجآت التي يفجرها الكتاب أن ألمانيا كانت على وشك انتاج القنبلة نتيجة أبحاث العلماء ودراسات المتخصصين خلال الحرب العالمية الثانية. ثانى المفآجات أن إلقاء القنبلة لم يكن ضرورة لإنهاء الحرب، خاصة أن اليابان كانت قد قررت بالفعل الاستسلام قبيل إلقاء القنبلة. ثالث المفاجآت تمثلت فى كون مدينة نجازاكى مدينة سيئة الحظ، حيث كان من المقرر إلقاء القنبلة على مدينة كوكرا، إلا أن الطائرة المسنود لها تنفيذ العملية فشلت فى ذلك بسبب سوء الأحوال الجوية فواصلت طريقها إلى نجازاكي. رابع المفاجآت أن الولاياتالمتحدة كانت على وشك إلقاء القنبلة الذرية مرة أخرى على الصين خلال الخمسينيات، إلا أن موجات الرفض العالمى حالت دون ذلك. صعود العسكرية اليابانية فى البداية يحاول الكاتب اليابانى تقديم تحليل تاريخى موجز عن دخول اليابان الحرب العالمية الثانية فى ظل نظام الامبراطور “,”هيروهيتو“,” الباحث عن مجد، والذي دفعته الظروف الاقتصادية المتردية خلال الثلاثينيات إلى التوسع خارج أرضه. ولقد استغلت اليابان تفجيرًا غامضًا فى إحدى محطات السكة الحديد بمدينة “,”ريوجوكو“,” واتهمت الصين بالمسئولية عن العملية وبدأت حربًا شرسة احتلت فيها مناطق واسعة في الشمال الشرقي الصيني وأنشأت دولة أُطلق عليها دولة “,”منشوريا“,”. ومع صعود العسكريين إلى السلطة فى اليابان زادت حدة المعارك وسقطت عشرات المدن الصينية وصارت الحرب هدفًا قوميًا لأجيال الشباب حتى اضطر النظام إلى إعلان الحرب على الجيوش الأمريكية والبريطانية فى غرب المحيط الهادي فى ديسمبر 1941 إلى جانب ألمانيا وإيطاليا. آينشتاين وأبحاث الذرة فى تلك الأثناء كان العالم السويسري ألبرت آينشتاين قد وجه رسالة عاجلة إلى الرئيس الأمريكي “,”روزفلت“,” حذر فيها من أن أبحاث الطاقة شهدت تطورًا كبيرًا يمكن أن يؤدي قريبا إلى إنتاج قنبلة ذرية قادرة على هدم ميناء بكامله. وقال “,”آينشتاين“,” فى رسالته إن ألمانيا اقتربت بالفعل من التوصل لإنتاج تلك القنبلة. لقد كان “,”آينشتاين“,” عالمًا سويسريًا كبيرًا أذهل العالم بنظرية “,”النسبية“,” وعمل كباحث وعالم فى معمل قيصر ويلهلم فى ألمانيا ونتيجة اضطهاد الحزب النازى بألمانيا لليهود سافر “,”آينشتاين“,” عام 1933 إلى الولاياتالمتحدة. وفى عام 1938 اكتشف “,”اوتوهان“,” و“,”شتراسومن“,” العالمان الألمانيان عملية انقسام نواة ذرة اليورانيوم وذاع الخبر بين علماء العالم، وبدأت الولاياتالمتحدة تشكيل لجنة لأبحاث اليورانيوم عام1941 وتم ضم عالمين لها هما “,”بوش“,” و“,”كونانت“,” برئاسة رئيس الجمهورية وتم إنشاء معهد “,”مانهاتن“,” السرى لإجراء أبحاث القنبلة وتم التوصل لإنتاجها بالفعل عام 1945. دولة التجربة وكان من اللافت للنظر أن الساسة الأمريكيين يبحثون عن دولة لتشهد إعلان ميلاد القنبلة النووية، وعندما أعلنت ألمانيا استسلامها في مايو 1945 لم يكن هناك بد من التفكير فى اليابان، والمثير أن اليابان كانت قد شهدت فى تلك الأثناء سلسلة انهزامات عسكرية متتالية دفعت الساسة اليابانيين إلى طلب الوساطات الدولية لإنهاء الحرب بشرط الحفاظ على النظام الامبراطوري، لكن القرار الأمريكي كان قد تم اتخاذه، وبالفعل تم تحديد عدد من المدن اليابانية لإلقاء القنبلة عليها هى هيروشيما، كوكرا، نيغاتا، نجازاكى. وفى 6 أغسطس 1945 قامت طائرة أمريكية بإلقاء القنبلة الذرية الأولى على هيروشيما، وبعدها بثلاثة أيام ألقيت القنبلة الثانية على نجازاكى بعد أن كان مقررًا إلقاؤها على مدينة كوكرا، وعلى الفور سقط 149 ألف قتيل فى هيروشيما ونحو 70 ألف قتيل فى نجازاكى، وفى 15 أغسطس وجه الامبراطور اليابانى رسالة إلى شعبه أعلن فيها استسلام اليابان تجنبا لفناء البشرية. لقد كانت القنبلة النووية حدثًا فريدًا فى تاريخ الحروب، وكان من المفزع أن تؤدى تلك القنبلة إلى وفاة نحو ربع مليون شخص، فضلا على تشوه وإصابات بالسرطان لأكثر من مليون شخص. وبعد احتلال اليابان حاول بعض الصحفيين العالميين زيارة مدينتى هيروشيما ونجازاكى ومتابعة حالات المصابين بتشوهات وأمراض نتيجة إلقاء القنبلة، إلا أن الإدارة الأمريكية منعت كافة المراسلين الأجانب من دخول المدينتين ومارست تعتيمًا إعلاميًا شديدًا، ولم تمر سنوات قليلة حتى نجحت أبحاث العلماء السوفيت في إنتاج القنبلة النووية وتبعتها بريطانيا ثم الصين ثم إسرائيل ثم كثير من الدول الأخرى. وتوالت أبحاث علماء الدول الكبرى ليتم إنتاج قنبلة نيتروجينية، ثم إنتاج صواريخ عابرة للقارات يمكنها حمل قنابل نووية. وحاولت الولاياتالمتحدة استخدام القنبلة الذرية مرة أخرى ضد الصين خلال الخمسينيات، إلا أن جماعات السلام العالمية جمعت نحو 200 مليون توقيع للحيلولة دون ذلك. وفيما بعد تسابقت كثير من دول العالم لامتلاك القنبلة الذرية وبقي الخطر النووى جامحًا ضد البشرية.